الفصل الرابع عشر... 3

198 27 2
                                    

قاد سيارته فى طريقه إلى الشركة، يسند ذراعه اليسرى على النافذة، يزدحم رأسه بالأفٍ من الأفكار، قاطع سيل هذه الأفكار رنين هاتفه، ألقى نظرةً عليه ثم فتح الخط....
-فريدة، هل أنتِ بخيرٍ؟
-أجل، كيفَ حالكَ يا عزيزى؟
-بخيرٍ، ليمنحكمْ الله الصبر، حزنتُ كثيراً، كيف حالُ فاتح؟
-ليس بخيرٍ كثيراً، لا يتحدث مع أحدٍ، المهم...، أنا سأتأخر قليلاً بعد، لا أستطيع تركهم هنا...
-خذى وقتكِ يا عزيزتى، لا تشغلى بالكِ بأمور العمل...
-شكراً لكَ..  قالت فريدة بخفوتٍ ثم تابعت:أ...كنتُ سأقول لكَ شيئاً...
-أسمعكِ...  قال يوسف باهتمامٍ
-مريم...، اليوم عيد ميلادها، ولكنها تكون بحالٍ سيئةٍ فى هذا اليوم دائماً، كنتُ سأقول يعنى لو تذهبُ إليها
-عيد ميلادها يعنى مناسبةٌ جميلةٌ، لم أفهم ما المشكلة...
-يوسف أرجوكَ حاول أن تستخدم ذكاءكَ قليلاً، أقصدُ أن هذا هو التاريخ الذى تم تسجيله فى الميتم، ليس يوم مولدها الحقيقى يعنى....
-اه تمام لقد نسيتُ هذا الأمر، لهذا كانت لا تبدو بخيرٍ عندما رأيتها بالأمس
-لم أفهم....
-لا تشغلى بالكِ أنا سأتصرف، وأنتِ أبلغى فاتح تعزيتى، اتفقنا؟
-اتفقنا، أراكَ فيما بعد....    أغلق يوسف الخط، لم يترك الهاتف من يده وإنما سرعان ما أخذ يعبث به مجدداً...

....فى الجامعة حيث كانت مريم جالسة على أحدِ المقاعد تحتسى فنجاناً من القهوة؛ وتحدق بشرودٍ فى صفحات كتابها، شعرت باهتزاز الهاتف معلناً عن وصول رسالةٍ...، أمسكت الهاتف لتطلع على محتوى هذه الرسالة.....
" مريم، هل أنتِ متفرغةٌ؟..."   زفرت بهدوءٍ ثم بدأت تضغط بعض الأزرار...
-...مريم،عزيزتى كيف حالكِ؟
-أنا بخيرٍ، هل هناكَ شىءٌ؟
-هل أنتِ أفضل حالاً اليوم؟ كنتِ متعبةً ليلة الأمس...
-لا تقلق أنا بخيرٍ الآن، لم أشعر بكَ عندما غادرتَ، حتى أنكَ قمتَ بترتيب المكان، أتعبتَ نفسكَ كثيراً...
-أتعبُ من أجلكِ دائماً لا مشكلة لدى..، صحيح أليس لديكِ محاضراتٌ اليوم؟
-يوجد محاضراتٌ ولكن... ليس لدى مزاجٌ لأفهم أى شىءٍ اليوم، أجلس فى الجامعة هكذا وأحدق فى الكتاب دون أن أفعل أى شىءٍ..
-إذن انتظرينى أنا قادمٌ إليكِ الآن...
-أليس لديكَ أعمالٌ؟
-لا يوجد شىءٌ مهمٌ حالياً، حتى فى رأيي لنخرج ونتجول قليلاً....
-ولكن......
-من دون لكن، لن أتأخر، أنا قريبٌ من الجامعة أصلاً، إلى اللقاء...
أغلقت مريم الخط وأخذت تحدق فى الهاتف بدهشةٍ وتقول لنفسها: ما بال نبرته الناعمة تلكَ؟ عزيزتى وما شابه!!!....
***************************************
قامت بجمع شعرها المبلل للأعلى ثم وقفت أمام المرآة تتفحص هيئتها الخالية تماماً من الزينة، ملابس سوداء ولكنها ما زالت تحتفظ بنوعٍ من الأناقة، حملت هاتفها ثم خرجت إلى الشرفة الملحقة بغرفتها، استندت على السور ثم وضعت الهاتف على أذنها تنتظر رداً....
-صباح الخير يا فريدة، كيف حالكِ؟
-صباح الخير يا مراد، أنا بخيرٍ، أعتذر لم أنتبه إلى رسالتكَ...
-لا بأس، كنتُ أرغب فى الاتصال بكِ منذ وقتٍ ولكننى خشيتُ أن أسبب لكم إزعاجاً...
-أى إزعاجٍ؟ لا تقل هذا، يمكنكَ الاتصال بى فى أى وقتٍ...
-عندما قلتُ أنكِ ملتصقةٌ بى وأننى أريد أن أرتاح قليلاً، لم أكن أعنى أن تبتعدى كل هذا الوقت... ثم تابع بهدوءٍ: أطلتِ الغياب كثيراً يا فريدة...
-إذا كان هناكَ أعمالٌ أو ملفاتٌ مستعجلةٌ أرسلها إلى يمكننى.....
لم تتابع عبارتها إذ قاطعها بقوله: اشتقتُ لكِ....
لا يمكن أن تنكر ملامح الدهشة التى ارتسمت على وجهها، مع قليلٍ من الخجل، ليس من عادة مراد أن يقول كلاماً جميلاً، ولكنها –وعلى النقيض من صديقتها- لم تواجه صعوبةً فى الافصاح عما يجول بداخلها؛ حيث بادرت بقولها: وأنا أيضاً اشتقتُ لكَ....
ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ –كانت واضحةً فى نبرة صوته- حين قال: عندما تأتين سنتحدث طويلاً، لدى الكثير لأخبركِ به.....
من المؤكد أنها تتساؤل فى نفسها عن سر هذا التغير الغريب الذى طرأ عليه فى اليومين الأخيرين، هل هو مريضٌ أم ماذا؟ ما لبثت أن ابتسمت وقالت فى داخلها: أحببتُ هذه التحديث الجديد...، ثم قالت له: وأنا سأكون سعيدةً بسماعكَ فى أى وقتٍ يا مراد...
-أراكِ بخيرٍ....     أغلق الخط وهو يشعر بالسعادة لأنه صار يتحدث ويقول ما بداخله بحريةٍ –رويداً رويداً-، هذه هى آثار الحب على ما يبدو....
..............................................
...لماذا لا تأكلين؟ لا تقولى لى أنكِ لا تحبين المثلجات أيضاً؟   سألها يوسف باستنكارٍ عندما لاحظ أنها تعبث بالملعقة بشرودٍ دون أن تأكل شيئاً....
-على العكس تماماً، أنا أحب المثلجات وخاصةً المصنوعة من الليمون...
-ماذا تنتظرين إذن؟ ستذوب....
-هل تعلم يا يوسف أن اليوم عيد ميلادى؟؟   قالت وهى تنظر له بابتسامةٍ خافتةٍ...
-حقاً؟ يا لها من مصادفةٍ... كنتُ سأقترح أن نشترى كعكاً ولكن من المؤكد أن حضرة الطبيبة لا تحبه..
-لا تحاول، لن تجعلنى أصدق أن فريدة لم تخبركَ وأنكَ لم تكن تعلم بالأمر عندما اتصلتَ بى...
-هل أنا فاشلٌ فى الكذب إلى هذه الدرجة؟ تمام فريدة أخبرتنى فعلاً؛ ولكننى قبل هذا كنتُ أنوى أن آتى وأزعجكِ مجدداً اليوم...
-تعالَ فى أى وقتٍ، أنا أستمتع برفقتكَ...   قالت بابتسامةٍ وهى تمسك كأس المثلجات وتتناول منه القليل..
ابتسم لها بدوره ثم تابع: هل أنتِ بخيرٍ؟
-...لا أدرى، هذا اليوم يكون ثقيلاً على دائماً كل عامٍ، يجعلنى أتذكر حقيقة كونى شخصاً بلا ماضٍ، أشعر أن حياتى ستظل متوقفةً بسبب هذه الحقيقة...
-من قال أنكِ ليس لديكِ ماضٍ؟... وجود جزءٍ مفقودٍ من حياتكِ لا يعنى أن تتوقفى عند هذا الجزء، حتى أننى أرى أنكِ كتبتِ لنفسكِ حكايةً خاصةً بكِ، فى العادة أى طفلٍ يعيش حياته فى الطريق الذى تختاره عائلته، أنتِ عشتِ بشكلٍ مختلفٍ، صحيحٌ متأكدٌ أن الأمر كان صعباً ولكنه مضى....
-أحب طريقتكَ البسيطة فى التفكير، حقاً...، ولكن لا أستطيع أن أوافقكَ هذه المرة، لن تفهم ما أعنيه أبداً
-لماذا تتحدثين هكذا؟ ماذا يعنى لن تفهمنى؟
-لأن هذه هى الحقيقة...، هذا الشكل المختلف الذى تتحدث عنه؛ لو كنتَ مكانى ربما لم يكن بإمكانكَ احتماله....    قالت وهى تعود ببصرها نحو كوب المثلجات الذى ذاب تماماً، رفعت رأسها نحوه مجدداً ثم تابعت: لا تنظر إلى هكذا، لا أحتمل نظرات الشفقة....
-...ليست شفقةً، لا أحب أن أراكِ حزينةَ...
-ليس من عادتى أن اتحدث هكذا مع أحدٍ، لماذا أخبركَ بهذه الأشياء؟ لماذا أخبرتكَ بشأن عائلتى؟
-لا أدرى...  أجابها بابتسامةٍ ثم نهض من مكانه ووقف أمامها؛ حدقت به بزرقاويها بدهشةٍ لتراه يمد يده ممسكاً يمناها؛ محفزاً إياها على النهوض...
-ماذا هناكَ؟
-بغض النظر عن النتائج؛ هل تريدين تعرفى بشأن عائلتكِ؟..
-لماذا تسأل؟ لم أفهم...
-أجيبى فقط، نعم أم لا...
-بالتأكيد أريد أن اعرف...
-إذن هيا بنا، لنذهب إلى ذلك الملجأ؛ حيث بدأت الحكاية......
*********************************
....تابع الضغط على أزرار الحاسب المحمول بشكلٍ متواصلٍ وبمنتهى السرعة، الواضح أن الاسم الذى اختاره له يوسف كان مثالياً بدرجةٍ كبيرةٍ –المجتهد-؛ فمراد عندما يعمل لا يشعر بما يحدث من حوله، دخلت ليلى المكتب بعد محاولاتٍ عديدةٍ فى طرق الباب دون جوابٍ...؛ لتجده منهمكاً فى عمله..
-مراد بيه...   قالت بنبرةٍ هادئةٍ وهى تقترب منه بعض الشىء...
-ليلى، متى جئتِ؟   قال بدهشةٍ وهو يترك ما بيده...
-أنا أطرق الباب منذ وقتٍ طويلٍ...
-لم أسمع، على كلٍ هل تحتاجين شيئاً؟
-هذه الأوراق جاءت من مكتب الإدارة ليوسف بيه، تخص مشروعه على ما أعتقد؛ ولكنه لم يأتِ فى الأساس، لم اعرف ماذا أفعل....
-لم يأتِ حتى الآن؟؟..  إنه حقاً يجيد استغلال عدم وجود فريدة....، دعى الأوراق هنا أن سأفحصها...
-تمام، ولكنكَ قلتَ شيئاً لم أتمكن من فهمه بوضوحٍ، ما علاقة عدم وجود فريدة بغياب يوسف؟؟
-انتظرى ستفهمين الآن...  أجاب مراد بابتسامةٍ وهو يمسك الهاتف ويبدأ بإجراء مكالمةٍ هاتفيةٍ؛ تحت أنظار ليلى المستفهمة....
...على الطرف الآخر....
-....ألو مراد، هل أنتَ أفضل حالاً اليوم؟
-...أنتَ دعكَ منى الآن، ما شاء الله لا تضيع وقتكَ أبداً، ما رأيكَ أن نجعلَ فريدة تسافر دائماً؟
-لن أرد عليكَ، لأنكَ لا تستحق الرد من الأساس، حتى هل تعلم ماذا أنوى أن أفعل؟ سأتصل بفريدة وأسرد عليها حوار الأمس كاملاً؛ لنرى رأيها في الأمر....
-...حقير، على كلٍ أين أنتَ؟ هناكَ أوراقٌ لكَ هنا، من سيراجعها يا عبقرى؟
-تدبر أنتَ الأمر يا مراد، أنتَ تعرف كل شىءٍ عن المشروع...
-تمام، لا أدرى كيف كنتَ ستعيش من دونى، أبلغ حضرة الطبيبة تحياتى...
-سأفعل، لحظة كيف علمتَ اننى مع مريم؟؟
-مع من غيرها ستكون يعنى؟ لقد صرتَ مهذباً فى الفترة الأخيرة ولا تتجول إلا مع مريم فقط وهذا يعجبنى...
-أنا مهذبٌ منذ ولادتى يا صديقى، هيا أغلق سأهاتفكَ فيما بعد...
....أغلق مراد الخط بابتسامةٍ ثم نظر إلى ليلى وقال: الطبيبة صديقة يوسف –مريم-؛ لا شكَ أنه أخبركِ عنها..، هى صديقة فريدة وزميلتها فى المنزل...
-قابلتها من قبل...، فتاةٌ جميلةٌ وشديدة الهدوء...، هل تعتقد أنها قد يكون لها مستقبلٌ مع يوسف؟
-للأسف يا عزيزتى هى تقريباً أكثر غباءً من يوسف فى هذه الأمور، لنأمل أن يفهم أحدهما قبل أن يفوت الأوان........

مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن