صباحٌ هادئ يطرق النوافذ، غيومٌ خفيفةٌ محملةٌ بخيوطٍ من أشعة الشمس، هدوءٌ لطيفٌ يخالطه صوت منبهٍ مزعجٍ، يفتح الشاب عينيه بتعبٍ واضحٍ، يمسك الهاتف بيده ضاغطاً على زر الإغلاق، نهض بكسلٍ وهو يحدث نفسه: أشعر بالبؤس على شبابى الذى يضيع في العمل بدلاً من النوم والراحة
أخذ يفرك عينيه ليلاحظ شريطةً ورديةَ اللون بجوار فراشه؛ أمسكها وأخذ يتأملها بابتسامةٍ
- بسيطةٌ ولكنها جميلة ، مثلها تماماً .....
........................
هبط للأسفل فى تمام الساعة الثامنة، اتجه لغرفة الطعام وألقى التحية
-صباح الخير لكم جميعاً
-صباح الخير عزيزى، لا تدرى كم أنا فخورةٌ بك، هيا تعالَ وتناول شيئاً قبل خروجك
-لا ليس لدى وقت، على أن أذهب بسرعةٍ لأرسل الأزهار
-أيةُ أزهارٍ؟ لم أفهم... وهنا انتبه يوسف لما يقوله فاستطرد وقال:أقصد سأرسل الأزهار للمشفى، والد أحد أصدقائى مريضٌ، هيا إلى اللقاء.
غادر المنزل وهو يقول: لا أفهم، لقد استحوذت تلك البنت على جزءٍ كبيرٍ من تفكيرى ......
.......................
-فريدة، أسرعى لقد تأخرنا. قالت مريم وهى ترتدى حذاءها الرياضى الأبيض
-ليس من عادتكِ أن تنتظرينى، ماذا حدث؟
-لا شئ، فقط محاضرتى ستتأخر قليلا فقررت انتظاركِ لنذهب سوياً
-لقد إنتهيتُ تقريباً. قالت فريدة وهى تجلس على كرسىٍ صغيرٍ بقرب الباب وترتدى حذاءها الأسود الأنيق ذا الكعب العالى، وقعت عيناها على باقة الأقحوان فوق الطاولة
-لماذا تركتِ هذه هنا؟ ستذبل
-لأننى لا أريدها، ولم أفهم لماذا أحضرها
-عنيدة، شابٌ لطيفٌ وأراد شكركِ على المساعدة. قالت وهى تحمل الأزهار وتضعها فى مزهريةٍ بسيطةٍ وتصب بها بعض الماء
...هناك بعض الأشخاص يفعلون ما يخطر فى عقلهم دون تفكيرٍ، لا تحاولى البحث عن سببٍ لكل شىءٍ...
***********************
...فى الشركة...
-يوسف بيه، هل أنت بخير؟...فتح عينيه ليرى ليلى تنظر إليه
-أجل بخيرٍ، أحضرى لى فنجاناً من القهوة
-تمام ، يوسف هل تريد أن أساعدكَ فى المشروع؟ الوقت قصيرٌ جداً
-لا يا عزيزتى أشكركِ، لقد تحدانى أبى وأنا سأنجزه
-كما تريد، ومع هذا لا تتردد فى طلب المساعدة في أى وقت ...
خرجت من المكتب بينما تابع يوسف النظر لللوحة البيضاء الكبيرة أمامه
.....أما مريم فقد خرجت من قاعة المحاضرات برفقة زميلتها سلمى
-كأنه كان ينقصنا امتحانٌ على كل ما درسناه
-مازال لدينا ثلاثة أيامٍ، لا أظن أنها ستكفى ولكن لنحاول ماذا عسانا نفعل. قالت مريم ثم أضافت وهى تنظر لساعتها: هيا لا وقت سنتأخر على المشفى .
.. وصلت الفتاتان إلى المشفى، اتجهتا نحو غرفة تبديل الملابس وقامت كلٌ منهما بارتداء المأزر الأبيض.عودة مجدداً إلى الشركة حيث يقبع يوسف فى مكتبه منغمساً بين الأقلام والأوراق، يرسم خطوطاً ويمحوها -مراراً وتكراراً-، استمر على هذا الوضع بعض الوقت إلى أن رن هاتفه
-كيف يسير العمل أيها المهندس العظيم ؟
-كأن الوقت مناسبٌ لسخريتك يا مراد، ماذا تريد؟
-سامحكَ الله، أهكذا تخاطب من يريد الاطمئنان عليك؟
-حقاً ليس وقت مزاحك، مزاجى سيئٌ اليوم، ولا أستطيع رسم أى شىءٍ
-إن اردت يمكننى مساعدتكَ
-لماذا يعرض الجميع علىَّ المساعدة؟ هل أنا مثيرٌ للشفقة إلى هذا الحد ؟
-كما تريد ولكن لا تأتِ إلىَّ وأنت تبكى ليلة تسليم المشروع لأننى عندها لن أساعدكَ
-لن أفعل. قال يوسف بسخريةٍ ثم أضاف: والآن هيا أغلق وكف عن تعطيلى.
ألقى يوسف الهاتف بإهمالٍ على المكتب ثم تابع الرسم ليرن الهاتف مرة أخرى بعد عدة دقائق
-ما الأمر؟ ماذا تريد مجدداً؟ قال بصراخ
-يوسف، هل أزعجتك؟ سأتصل فيما بعد إن كنتَ مشغولاً
-لالا ، بل أنا آسفٌ يا نيرو، لم أنتبه أنكِ المتصلة، ظننته مراد
-لا عليكَ، هل أنت بخيرٍ؟ كنت سأسألكَ إن كنت متفرغاً لنفعل شيئاً الليلة.
-عزيزتى سامحينى حقاً كنت أرغب ولكننى مشغولٌ، لنقم بهذا فى وقتٍ لاحقٍ
-لا مشكلة، هيا إلى اللقاء
.......................
-سيدى هل طلبتنى؟ تفضل .
-أخبرينى ماذا يفعل يوسف ؟
-إنه يعمل فى مكتبه منذ الصباح، ولم يتأخر في القدوم اليوم، كما أننى عرضت عليه المساعدة ورفض
-جيد ، تمام أنتِ اذهبى وتابعى عملكِ
خرجت الفتاة بينما حدث صالح نفسه: لنرى كم ستصبر بعد أيها المهندس المهمل....
*************************
فتحت مريم بوابة المكتبة، دخلت ووضعت كتبها الطبية على المنضدة
-مساء الخير سيدى، هل أستطيع أن أطلب منك شيئاً؟ قالت وهى تخاطب صاحب المكتبة
-ما الأمر ؟
-أنا...، لدى امتحانٌ مهم فى الأسبوع القادم، هل تستطيع تخفيض ساعات العمل لمدة أربعة أيامٍ فقط وسأعوضها فيما بعد؟
-لا بأس ولكن سأخصمها من راتبك، والآن أنا سأخرج قليلاً وانتِ تابعى العمل .
خرج وأقفل الباب خلفه لتقول مريم بضيقٍ: كأنكَ تحتاج سبباً لتخصم من راتبى أصلاً
.......................
قاد يوسف سيارته فى شوارع اسطنبول دون وجهةٍ محددةٍ، أمسك هاتفه واتصل بأحد الأرقام
-ألم تغلق فى وجهى منذ قليلٍ ماذا تريد؟
-سأفقد عقلى، لقد عملت لأربع ساعاتٍ نمت نصفهم أصلاً ولا أستطيع أن أفعل أكثر من هذا
-اهدأ قليلاً، اسمع أنا لدى الحل ، خذ استراحةً لبعض الوقت، هاتف نيريمان مثلاً واخرج معها، أو مع إحدى صديقاتكَ الأخريات ليتشتت رأسكَ قليلاً
-أنت تظلمنى، أية صديقاتٍ أنا لا أعرف أحداً سوى نيريمان، ولكن هل تعلم لقد جاءتنى فكرة رائعة، وجدت ماذا سأفعل لأتسلى
-تمام هيا استمتع بوقتكَ
أغلق الهاتف وتابع القيادة لتلفت انتباهه طفلةٌ صغيرةٌ تبيع الأزهار، أوقف السيارة وترجل منها متجها نحو الطفلة.
-بكم تبيعين الأقحوان أيتها الجميلة ؟
-الأربعة بليرةٍ واحدة
-سآخذها جميعها، والآن أريد منكِ خدمةً صغيرة، هل تساعديننى؟
-بالتأكيد. أومأت الفتاة بابتسامة بريئةٍ **************************************
كانت مريم جالسة تدرس بأحد كتبها عندما شعرت بالباب ينفتح، تركت الكتاب ونهضت من مكانها
-تفضل كيف يمكننى مساع.........أنت مجدداً!!
-كيف حالكِ اليوم؟ قال يوسف وهو يدخل بابتسامة
-كنت بخيرٍ قبل قليلٍ، ماذا تريد ؟
-جئتُ لأرى كيف صارت قدمكِ، أرى أنكِ تحسنتِ
-رأيت بنفسكَ، قدمى بخيرٍ الحمد لله، والآن إن لم يكن هناكَ أمرٌ آخر تفضل بالمغادرة
-على فكرة لم يكن هذا لطيفاً أبدأ، ثم إننى جئتُ لأعطيكِ شيئاً، انظرى
زفرت مريم وقالت: مجدداً ؟ ثم ألم تعدنى أن لا تفعل هذا مرة أخرى؟
-لا أذكر أننى وعدتكِ، كما أنكِ لم تفهمى ما أحضرتُ بالضبط .
-لم أفهم ماذا تقصد، هذا طوق أزهارٍ عادى
-خطأ، انظرى بقربٍ أكثر.
تناولته من يديه، طوقٌ من الأقحوان ، مناسبٌ لقياس رأسها على ما يبدو، ووسط الأزهار تنحدر شريطةٌ وردية اللون.
-هذه الشريطة..، إنها لى أين وجدتها ؟
-سقطت فى سيارتى، وأنا جئت لأعيدها بطريقةٍ مختلفة، ما رأيكِ هل أعجبتكِ؟
ابتسمت مريم رغماً عنها، ليست معتادةً أن يفعلَ أحدٌ شيئاً من أجلها، ظلت تحدقُ بها بعض الوقت
-من ابتسامتكِ يبدو أنها أعجبتكِ، فرحتُ لهذا
-شكراً لكَ، لم يكن هناكَ داعٍ لتتعب نفسكَ
-إن كنتُ سأراكِ تضحكين هكذا فلا بأس، والآن ماذا ستقدمين لى ؟
-لم أفهم؟
-أنا تعبتُ وجئتُ حتى هنا ، أظن أننى أستحق كأساً من الشاى على الأقل. قال وهو يجلس على الكرسى ويضع قدماً فوق الأخرى
-لن أستطيع التخلص منك، انتظرنى هنا
قالت وهى تتجه للداخل؛ مزعجٌ ولكن يحمل قلباً طيباً
أما هو فما إن ابتعدت مريم حتى أخذ يعبث بالأشياء على المكتب إلى أن وجد ضالته، حمل الهاتف وأدخل بعض الأرقام ليرن هاتفه بعد ثوانٍ قليلة
-وقد تم هذا الأمر أيضاً، كم أنا ذكىٌ، سترين أيتها الجميلة كيف تسخرين من يوسف ديميرهان مرة أخرى...
***********************************
جلس يوسف يعبث بهاتفه منتظراً مريم، كان يسند قدميه على المكتب فوق الكتب المبعثرة ويتأرجح بالكرسى، ليشعر باهتزاز هاتفه...
-أهلاً مراد كيف حالك ؟
-بخيرٍ، يبدو أنك عدت لطبيعتك
-أجل أجل، انا بخير جداً، والآن أخبرنى هل اتفقتم أين سنسهر مساءً؟
-مارأيك فى نادى ........؟
-جيد ومن سيأتى ؟
-إن كنت تعنى الفتيات فأنا لا أدرى ولا أحبهن أصلاً
-يا صديقى كيف تكون السهرة بدون فتياتٍ؟
كان يقولها بسخريةٍ ليشعر باهتزاز المكتب والكرسى، التفت ليرى مريم تضع الصينية التى كانت تحملها بعنفٍ على المكتب،بصعوبةٍ تمكن من تثبيت نفسه لكى لا يقع ثم تابع حديثه: أقصد أنك محقٌ، أخبرهم أننى لن أحضر إن كان هناك فتيات.
-ماذا حدث لكَ؟ أم أن نيريمان بجوارك ؟
-ليس تماماً، ولكن أمرٌ مشابه
-فهمت، الفتاة الجديدة التى لم تعرفنى عليها
-تقريباً..
-ماذا تفعل أنتَ؟ بعثرت المكان، هذه الكتب مهمة
قالت مريم بانزعاج وهى تسحب الكتاب الموجود أسفل قدمه ليختل توازنه ويسقط بالكرسى على الأرض
-آااه، لماذا فعلتِ هذا؟ على فكرة تتصرفين معى بشكلٍ سيءٍ اليوم
-لم يجبركَ أحدٌ على البقاء هنا
نظر لها بضيقٍ ليعود لمُحادِثه الذى كان يضحكُ بشدة
-لما تضحكُ أنتَ أيضاً ؟
-نلتَ ما تستحقه، متى ستعرفنى عليها أرغب برؤيتها بشدة؟
- قريباً، لا تستعجل . قال بنفس نبرة الضيق ليغلق الهاتف بعدها
عاود الجلوس على الكرسى وتناول كأس الشاى بإحدى يديه
-لم أقصد أن أبعثر كتبكِ ولكن صراخكِ علىَّ بهذا الشكل ليس لطيفاً
-لست مجبراً على التعامل معى إن كنتَ ترانى غيرَ لطيفة معك
-شكراً على الشاى. قال وهو يضع الكوب وينهض من مكانه - مع السلامة....
-هل تكلمتُ بشكلٍ سيئ إلى هذا الحد؟ لقد غضب حقاً
قالت مريم لنفسها بعد خروجه...
أما يوسف فقد خرج من المحل متجهاً نحو سيارته، ضغط زر الفتح الآلى لينفتح قفل السيارة، سحب المقبض فاتحاً الباب ليستوقفه صوت: يوسف بيه.
التفت للخلف لتتابع مريم: أنا آسفة، لم أقصد أن أصرخ فى وجهك، وأنت لم تفعل لى شيئاً، أعترف أنى مخطئة
نظر لها بدهشة؛ ليكونَ صادقاً لم يتوقع اعتذارها-وبهذه السرعة- ،تابع النظر إليها، كانت مشخصةً بصرها للأسفل وتقبض بإحدى يديها على الأخرى
-لا عليكِ، لم يحدث شيءٌ، وأنتِ لا تنزعجى منى، تمام. قال بابتسامةٍ صافية
رفعت وجهها نحوه بابتسامةٍ مماثلة وأومأت له برأسها
-إلى اللقاء. قال وهو يركب سيارته مغادراً المكان
..................
فى منزلهما الصغير جلست فريدة على الأريكة تعبث بهاتفها بمللٍ وتحدث نفسها: فاتح لم يتصل منذ الأمس، هل حدث شيءٌ سيئٌ ياترى؟ لأتصل أنا به
ضغطت على زر الاتصال منتظرةً رداً من الطرف الآخر.
-فريدة، ما الأمر ؟
-لا شيء، فقط قلقت عليك لم تتصل منذ تقابلنا آخر مرة.
-أنا بخير، ووالداكِ بخيرٍ أيضاً لا تقلقى، تابعى حياتك ولا داعى لأن تشغلى بالكِ بنا.
-لماذا تحدثنى هكذا؟ أهذا جزائى لأننى أقلق عليكم.
-ونحن لا نحتاج قلقكِ، فريدة أقولها لكِ للمرة الأخيرة، عائلتكِ لا تحتاج مكالماتك من اسطنبول بل يحتاجونكِ هنا فى ازمير، فكرى فى كلامى هذا، والآن إن لم يكن هناك شيءٌ آخر سأغلق.
أغلق الهاتف لتتابع هى النظر إلى الشاشة بحزن........
**************************
تنقل أصابعها بانتظامٍ بين مفاتيح البيانو الكبير داخل غرفتها لتنتشر الألحان الهادئة وتغمر القصر، تدندن كلماتِ إحدى الأغنيات بصوتٍ خافت..
أمى أمى..... لا تحزنى
كلماتكِ دائماً ..... داخل قلبى..
أمى أمى ...لا تحزنى
أنتِ وحدكِ ...سكنتِ روحى .
لا تتركينى......
توقفت عن الغناء على صوت تصفيقٍ هادئ...
-أبى، عدت مبكراً اليوم . نهضت من مكانها تعانقه
-اشتقتُ لكِ، لو سمعت والدتكِ غناءك هذا لأصبحت فخورةً بكِ
ابتسمت له بسعادة فتابع هو: هل لديكِ خطةٌ مع يوسف اليوم؟
-لا، إنه مشغولٌ على حد علمى، لماذا تسأل؟
-إذن دعينا نتناول العشاء ثم نشاهد فيلماً سوياً
-تمام، هيا بنا.. قالت بسعادة وهى تغادر الغرفة معه....
....... ...............
عادت مريم إلى البيت بتعبٍ واضح، انتعلت حذاءها المنزلىَّ ثم سارت نحو غرفتها، ألقت جسدها على الفراش وراحت فى النوم...
.....مرت عدة دقائقَ منذ شعرت فريدة بدخولِ أحدهم ولكن مريم لم تظهر، خرجت من المطبخ متجهةً إلى غرفة الجلوس لتجدها بنفس حالتها الى تركتها عليها
-متأكدة أننى سمعت صوت الباب..
التفتت نحو الباب فرأت حذاء مريم الأبيض، سارت باتجاه غرفة مريم، طرقت الباب ثم دخلت لترى مريم نائمةً بإهمالٍ على الفراش
-مريم ..مريم،أنتِ بخير؟ قالت بصوت خافت وهى تجلس على حافة السرير
انتفضت مريم فجأة ونهضت بسرعة.....
-ماذا حدث هل نمتُ؟كم الساعة؟ على أن أدرس ، الامتحان......
-ماذا تقولين أنتِ لم أفهم؟ اهدئى لم يحدث شيء، نمتِ عدة دقائق فقط، والآن هيا انهضى وخذى حماماً دافئاً لتستعيدى وعيكِ حتى أضع الطعام تمام
أومأت مريم برأسها وهى تنهض ببطء.
.............. ........
صف سيارته أمام النادى، سلم المفتاح لرجل الأمن ثم دلف للداخل، محاطاً بالموسيقى الصاخبة من كل جانب، ونظرات الفتيات تتابعه فى طريقه حتى وصل إلى حيثُ يجلس مراد.....
- أوووه، يوسف بيه، تركت سهرة أصدقائكَ وجئتَ لهنا
- دعكَ من هذا لا تهتم، جئتُ لأشتت ذهنى قليلاً، على أن أتابع الرسم
-تعنى أن تبدأ الرسم . قال مراد بسخرية وهو يشير للنادل.
-ماذا تشربان؟
-أحضر لكلٍ منا مشروبه العادى.
-لا، أريد مثل مشروب مراد
-تمام، قال النادل وهو يتحرك مبتعداً
-أنت تدهشنى أكثر الليلة، ماذا حصل لك؟
-لا شىء، كل ما فى الأمر أننى سأسهر لأعمل ولا أريد أن أشرب
-هل تشاجرت معها؟
-من هى؟ نيريمان؟
-أقصد الأخرى.
-مراد عزيزى، أسمعنى ليس بيننا شىءٌ كما تتخيل، تمام لا أنكر أنها لفتت نظرى ولكن حقاً لا يوجد
-من هى؟ وكيف تعرفت إليها؟
-حكايةٌ طويلةٌ. قال وهو يرتشف من الكوب الذى وضعه النادل أمامه
-وأنا أريد أن أسمعكِ..........
-.....يوسف أنا حقاً لا أصدقك، لم تجد فتياتٍ فى اسطنبول، وانتهى بكَ المطاف لتحاول تطبيق طبيبةٍ، لا أجد شيئاً لأقوله لكَ...
-وماذا فى الأمر؟ كما أننى لم أفعل لها شيئاً، كل ما فى الأمر أننى أحضرت الأزهار.
-يوسف، تقول أن الفتاة تعمل فى بيع الكتب، يعنى أن حياتها صعبةً، لا تلعب بمشاعرها وتصعب عليها الحياة أكثر، كما أنها جاءت واعتذرت منك، ألا ترى أنها بدأت تميل إليكَ؟
-أنا حقاً لم أنوى إيذاءها، لم أفكر فى هذا أبداً. ثم تابع بعفوية: إنها كزهرةٍ صغيرة فى بستانٍ كبيرٍ؛تبحث عن نصيبها من الماء ولو قطراتٍ قليلة، لو رأيت سعادتها بالطوق الذى أحضرته لها لفهمتَ كلامى.
ابتسم مراد وهو يراقب تعابير وجه صديقه ...
-هيا أنهِ مشروبك واذهب لتتابع العمل، بقى وقتٌ قليل.
-أتسمى هذا مشروباً؟ مراد هل أنت فى الحضانة؟هل حقاً تشرب الصودا؟
-أجل لأحافظ على تركيزى، فأنا شخصٌ يعمل ولست عاطلاً مثلكَ
-لقد كان هذا فى الماضى، أبى لا ينوى أن يتركنى أنام
قال بضحكٍ ليشاركه مراد الضحك.........
على جانبٍ آخر فى ذات الوقت........
-أين أنتِ؟
-فى البيت، سأشاهد فيلماً مع أبى
-احزرى من يوجد أمامى الآن؟ خطيبكِ هنا، فى نادى....
-بيلين أرجوكِ لا تعكرى مزاجى فى نهاية اليوم هكذا
-أى تعكير مزاجٍ؟ إنه مع مراد فقط، لا يوجد أحدٌ آخر هنا، وها هما يغادران الآن.
-لقد أخبرنى أنه سيعمل، ربما لهذا غادر باكراً.
-ربما، تمام أنتِ اذهبى ولا تجعلى والدكِ ينتظر أكثر.
.....................................................................
بعد منتصف الليل........ .
كانت تجلس على مكتبها بهدوءٍ تنظر لكتابها، تحاول استرجاع المعلومات، سمعت طرقاتٍ على الباب لتدخل فريدة حاملةً كأساً من الشاى.
-متى ستنامين؟ أنتِ متعبةٌ
-لا تقلقى علىَّ، سأبقى قليلاً بعد
-كما تشائين، لا ترهقى نفسكِ كثيراً، تصبحين على خير
-وأنتِ بخيرٍ...
عادت مريم لكتابها بعد خروج فريدة، تابعت الدراسة حتى وقعت عيناها على الطوق، ابتسمت بلا وعىٍّ.
-لقد انزعج حقاً اليوم، لم يفعل لى أحدٌ شيئاً جميلاً من قبل، أحسنتِ يا مريم حتى من يحاول معاملتكِ جيداً تجعلينه يندم....
أما يوسف فكان جالساً على مكتبه بنعاسٍ شديدٍ
-لقد شربت الصودا حتى، ماذا أفعل أكثر ؟
تذكر رقم مريم الذى تمكن من الحصول عليه، ابتسم بسذاجةٍ ثم حمل هاتفه وضغط على أيقونة الرسائل
......تصبحين على يومٍ جميل كجمال ابتسامتكِ البريئة........
نقل إصبعه لزر الإرسال ليمر كلام مراد فى عقله
" لا تلعب بمشاعرها وتصعب عليها الحياةَ أكثر"
تنهد بضيقٍ ثم حذف ما كتبه وألقى الهاتف على المكتب وعاد لعمله..............
أنت تقرأ
مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"
Romance"...مريم -هذا على حسبِ ما تعلم-؛ ابنة الميتم؛ مجهولةُ الأصلِ...؛ أحلامها كانت أبسطَ من أى فتاةٍ فى مثلِ عمرها...؛ مجردُ شعورٍ -ولو لمرةٍ واحدةٍ بالدفء..- ...وإذا به يقتحمُ حياتها المبعثرةَ... ليقلبها رأساً على عقب؛ حلمٌ بالنسبةِ لكثيرٍ من الفتياتِ...