التاسعة صباحاً وتحديداً فى مقر شركة ديميرهان ومارت أوغلو....
...الواضح أنها قد أخذت درسها من شجاراتهما السخيفة على مواعيد الحضور فصارت تتجنب إثارة أعصابه، تركت فنجانى القهوة الذين قامت بإعدادهما مسبقاً على طاولتها الخاصة ثم وضعت الهاتف فى جيب بنطالها، حملت أحد الكوبين وسارت فى طريقها إلى مكتبه؛ المثير للضحك أنها أعدت له القهوة وها هى ذى تذهب لإلقاء التحية عليه على الرغم من كونها ما زالت غاضبةً منه؛ طرقت الباب وهى تحاول رسم ملامح جادةٍ على وجهها ودخلت ما إن سمعت إذنه بالدخول...
-صباح الخير.... ابتسامةٌ تلقائيةٌ سلكت طريقها إلى محياه فور سماعه نبرة صوتها التى حفظها فى قلبه؛ رفع رأسه يتطلعها ... ملامحها –الجميلة- خاليةٌ من مساحيق التجميل؛ وتحمل طابعاً حزيناً... لم يجبها مباشرةً وإنما ظل ينظر إليها بعض الوقت؛ لقد اشتاق إليها بحقٍ....
-مراد بيه... قطبت حاجبيها مستفهمةً وهى تقترب من مكتبه مما أعاده إلى وعيه؛ ابتسم بخفةٍ وهو عازمٌ فى قرارة نفسه أن يتأكد إن كانت ما زالت غاضبةً منه أم لا....
-حمداً لله على سلامتكِ يا فريدة، كيف حالكِ؟
-بخيرٍ... لأجابت باختصارٍ.....
-لماذا لم تخبرينى أنكِ جئتِ؟ حتى أنكِ أعددت القهوة لى... دفع الكرسى للخلف قليلاً ونهض من مكانه نحوها...
-لم يكن هناكَ داعٍ، يعنى قلتُ من المؤكد أنكَ مشغولٌ ولديكَ اعمالٌ اهم من سماع صوتى... أجابته ببرودٍ وهى تدير وجهها فى الاتجاه المقابل.... ، اتسعت ابتسامته أكثرَ بينما وقف أمامها مباشرةً؛ عادت ببصرها نحوه بحيرةٍ، أما هو فأمسك معصمها الأيسر بيمناه؛ وبيسراه حرر فنجان القهوة من قبضة أصابعها ووضعه جانباً على المكتب ثم قال: أجل أنتِ محقةٌ، بالطبع لدى أعمالٌ أهم من سماع صوتكِ...
-وما هى يا ترى؟ سألته بملامح يكسوها الغيظ... لم يجبها وإنما اكتفى بأن لف ذراعه الأيسر حولها معانقاً إياها بلطفٍ وهمس بجوار أذنها: هذا......هى ليست بغبيةٍ كى لا تلاحظ أن مراد صار يعاملها بشكلٍ مختلفٍ فى الآونة الأخيرة، كأنه أزال القشرة السميكة التى كانت تحيط به وبدأ يتقرب منها بوضوحٍ؛ حتى كلامه صار ألطف من العادة...، ولا يمكنها أن تنكر أنها هى الأخرى تميل إليه...؛ كأنه يحاول أن يحكى عما بداخله بهذا العناق اللطيف... ابتسمت بخفوتٍ بينما فهمت ما يرمى إليه-...وإن كانت تفضل سماعها بوضوحٍ-.......
...ما لبث أن أرخى ذراعيه محرراً إياها ثم نظر فى عينيها بابتسامةٍ صافيةٍ؛ أما هى فتصنعت البرود وقالت: ما زلتُ لم أفهم ما الأمر الأهم من سماع صوتى؟ ثم أنكَ تضيع وقتى والقهوة ستبرد ولن أعد غيرها...
-كنتُ متأكداً أنكِ ستفعلين هذا، لا يهم... هيا أنتِ اخرجى وارتاحى قليلاً وإن احتجتكِ سأناديكِ... قال لها وهو يغالب ضحكاته لتنظر هى إليه ببرودٍ وتخرج من الغرفة، أغلقت الباب واستندت عليه من الخارج بابتسامةٍ صغيرة......مد يده والتقط فنجان القهوة الذى أعدته من أجله ثم أخذ يحدق به وقال بشرودٍ: لا... فريدة التى اكتشفت أمر علاقة فاتح ونيريمان قبل أن تبدأ حتى ليست غبيةً، إنها تفهم كل شىءٍ ولكنها تعبث معى بشكلٍ واضحٍ... !!!!!!....
***************************************
-...بنى إلى أين أنتَ ذاهبٌ؟ .... سمع يوسف هذا السؤال بينما كان يسير نحو الباب ناظراً فى هاتفه بشرودٍ...
-إلى أين سأذهب مثلاً فى هذا الوقت؟ بالتأكيد إلى الشركة... أجاب بتلقائيةٍ شديدةٍ وهو يرجع خطوةً للوراء فى اتجاه تلك المرأة مقبلاً رأسها بلطفٍ...
-جرحكَ لم يشفى بعد، ثم منذ متى هذا الالتزام وحب العمل؟ لماذا لا تستفيد من الإجازة الاستثنائية التى حصلت عليها؟ سألته توركان بملامح توحى بالريبة؛ ضيقت عينيها وتابعت: هيا اعترف إلى أين ستذهب؟....
-أووف، دائماً تمسكين بى هكذا، تمام كنتُ سأذهب لرؤية مريم، كانت بحالٍ سيئةٍ أمس...
-لماذا؟ ماذا حصل لها؟...
-هى فى العادة لا تأكل كثيراً، فقدت وعيها ورفضت أن يفحصها طبيب بحجة أن حضرتها طبيبةٌ وتفهم كل شىءٍ، صحيح لا أدرى من الأبله الذى سمح لهذه بدراسة الطب...
-أشعر بالأسى على هذه الصغيرة...، كيف استطاعت الوقوف على قدمها وهى وحيدةٌ؟..بدون عائلةٍ؛ لا أحد سوى صديقتها التى تقيم معها....
-وأنا؟؟.... قال يوسف وهو ينظر إليها بملامح حزينةٍ....
-أنتَ ماذا؟...
-أعلم أننا تقابلنا منذ وقتٍ قصيرٍ، ولكننى حقاً صرتُ أفكر فيها أكثر مما أفكر فى نفسى...، أريد أن أراها سعيدةً ومستعدٌ لفعل أى شىءٍ فى سبيل هذا....
ابتسمت له توركان وربتت على ذراعه بلطفٍ ثم قالت: كم هى جميلةٌ مشاعركَ هذه، أنا فخورةٌ بابنى الذى ربيته على أن يحب غيره ويدعمهم بصدقٍ؛ لم تخيب ظنونى بكَ أبداً يا يوسف... هيا اذهب كى لا تتأخر ولا ترهق نفسكَ اتفقنا؟...
أومأ لها بابتسامةٍ صافيةٍ ثم تابع طريقه نحو الخارج؛ استدارت توركان عائدةً إلى المطبخ وهى تقول لنفسها:.. حقاً أشعر بالفضول بشأن هذه الفتاة التى تمكنت من إخراج أجمل ما فيه.....
.................................................
....عليه أن يعترف أنه مدينٌ بالشكر إلى كنية والده والتى تساعده على الدخول إلى أى مكانٍ دون أن يحمل تصريحاً، ابتسم بامتنانٍ لرجل الأمن وتابع طريقه نحو وجهته الأساسية-كلية الطب-؛ فى مثل هذه المواقف عادةً ما يتأثر الناس لرؤية مكان دراستهم؛ إلا أن يوسف لا تراوده مثل هذه المشاعر؛فبالنسبة له من السخافة أن يشعر الإنسان بالحنين إلى مقاعد الدراسة... حرص على وضع نظاراته الشمسية حتى لا يتعرف إليه أحدٌ فهو ليس فى مزاجٍ يمكنه من تحمل شائعاتٍ جديدةٍ؛ كما أنه... لا يريد أن يخرج اسم مريم فى مثل هذه الأخبار.....
توقف أمام المبنى الرئيسى لكلية الطب ثم قال لنفسه وهو ينظر فى ساعة يده: مريم قالت أن محاضرتها ستنتهى قبل العاشرة، من المفترض أن تكون فى هذه الأنحاء... ولكن أين...؟ سأحاول التفكير كما لو أننى مريم... ما الذى كنتُ سأفعله بعد المحاضرة؟ ... أكيد إحضار فنجانٍ من قهوتها سيئة الطعم... إلى المقهى... ابتسم بسبب-ذكائه العظيم على حد قوله- وتابع السير باتجاه مقهى الكلية...
أنت تقرأ
مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"
Romance"...مريم -هذا على حسبِ ما تعلم-؛ ابنة الميتم؛ مجهولةُ الأصلِ...؛ أحلامها كانت أبسطَ من أى فتاةٍ فى مثلِ عمرها...؛ مجردُ شعورٍ -ولو لمرةٍ واحدةٍ بالدفء..- ...وإذا به يقتحمُ حياتها المبعثرةَ... ليقلبها رأساً على عقب؛ حلمٌ بالنسبةِ لكثيرٍ من الفتياتِ...