الفصل الأول

6.5K 382 73
                                    

الفصل الأول
بقلم عبدالرحمن أحمد الرداد

************************************
اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
************************************

أنفاس ذات صوت مرتفع كانت تشق صمت الليل المظلم، كانت تزداد ويرتفع صوتها مع زيادة المسافة التي يركضُها هذا الطفل البالغ من العمر عشرة أعوام، توقف قليلًا وأخذ يلتقط أنفاسه بصعوبة كبيرة؛ ذلك لطول المسافة التي ركضها؛ هربًا من قدره، نظر خلفه برعب؛ خوفًا من أن يقترب منه أحد ويعثر عليه، لم ينتظر أكثر وركض بكل ما أُوتي من قوة حتى وصل إلى مكان به مسجد كبير وكان أمامه مُبَرِّدْ مياه، نظر خلفه ليرى هل وصل إليه أحد أم لا؟ وما إن تأكد من خلو الطريق من خلفه حتى عبر إلى الجهة الأخرى واقترب من مبرد المياه ثم فتح الصنبور وملأ الكوب كاملًا ثم تناوله سريعًا وتجرعه على مرة واحدة؛ بسبب شدة عطشه، أعاد الكرة مرة أخرى وقبل أن يركض هربًا استمع إلى بكاء طفل رضيع بالقرب من المسجد، نظر إلى الطريق أمامه ثم تحرك ببصره ونظر إلى المسجد وعقله يصارعه؛ هل يتابع هربه أم يرى صوت بكاء هذا الرضيع؟ اتخذ قراره واستمع لقلبه وتحرك بحذر باتجاه المسجد وما إن وصل إلى بابه حتى وجد هذا الرضيع الذي كان مُلتفًا بغطاء رمادي اللون، اقترب الطفل من هذا الرضيع ووضع يده على وجهه فوجدها أنثى بسبب الحلق الطبي الذي كان يُزين أُذنيها، ضم حاجبيه بحزن وكأنه يقول بداخل نفسه "مسكينة تلك الطفلة، أصبحتْ وحيدة كما أصبحتُ وحيدًا، لا أدري هل أصطحبها معي أم لا؟ من الممكن أن تتعرض حياتها للخطر إذا تركتها ورحلت، ستُصبح رفيقة دربي بعد الآن"

بالفعل اتخذ قراره وحملها بين ذراعيه ثم تابع ركْضَه بعيدًا عن هذا المكان وكان يقف ويأخذ قسط من الراحة عندما يشعر بالتعب، وصل إلى موقف وكان به سيارة وحيدة "ميكروباص" فاقترب منها وهو يحمل الطفلة بين ذراعيه، هنا صاح أحد الركاب وقال بسعادة:
- الناقص وصل يااسطى، اتحرك بينا بقى الله يفتح عليك الساعة بقت تلاتة الفجر
تردد الطفل «إلياس» فيما هو مُقدم عليه لكنه اتخذ قراره في النهاية ونظر إلى السائق من نافذة السيارة وهو يقول بحزن واضح:
- معلش يااسطى ممكن تاخدنا معاك؟ أنا مش معايا فلوس وأنا وأختي لوحدنا في الطريق
صاح السائق بصوت مرتفع شق صمت الليل:
- غور ياض أنت وهي مش ناقصة تسول
هنا هتف أحد الركاب وقال باعتراض شديد:
- حرام عليك ياسطى أنت معندكش عيال، أنا هدفعله، تعالى يا حبيبي اقعد وأنت ياسطى أنجز واتحرك بقالنا ساعتين واقفين ورانا مصالح الصبح بدري والوقت يادوب هيروح في الطريق

بالفعل استقل الطفل المقعد الفارغ بجوار هذا الذي تحدث وقرر دفع الأجرة له، مسح على رأس الرضيعة ثم رفع رأسه ونظر إليه قائلًا بامتنان:
- شكرًا
ابتسم الرجل ومسح على رأسه وهو يقول بهدوء:
- العفو يا حبيبي
ثم نظر إلى الطفلة التي كانت بين ذراعيه وردد بتساؤل:
- أختك دي؟
لم يتردد وهز رأسه بالإيجاب قائلًا:
- أيوة أختي
اختفت ابتسامته وضيق ما بين حاجبيه سائلًا بتعجب:
- وايه اللي مخليكم لوحدكم كدا خصوصًا وإن أختك لسه صغيرة بالشكل ده؟
فكر في شيء ليقوله له؛ كي يهرب من سؤاله لكن صوت السائق المرتفع دوى في المكان وهو يقول:
- لموا الأجرة من بعض يا جدعان أنا باخد الأجرة قبل ما نوصل
ردد أحد الركاب باعتراض:
- وطي صوتك شوية يااسطا فيه ناس نامت وبعدين على طول بندفع لما نوصل، بص قدامك بقى وكمل طريقك الواحد فيه اللي مكفيه
همهم السائق بكلمات غير مفهومة تحمل الإهانة وتابع طريقه المظلم.

شــمــس إلــيــاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن