الفصل الحادي والثلاثون - العاصفة

310 8 21
                                    

العاصفة

ارتشفت من كأس الشاي بتململ بينما أمي تعتذر مرارا من الأستاذ آدم، وختمت اعتذارها بقولها:

" حمدا لله أنني أمسكتها بالجرم قبل أن تقدم عليه، يا إلهي! لا أستطيع أن أتخيلها تنتزع منك تعبك هكذا.. يعني تتعب في تعليمها وتسحب أموالك هكذا ببساطة .. تبتلعها، كمكنسة كهربائية!"

فهمنا يا أمي! لا داعي لكل هذا الوصف. هز الأستاذ آدم رأسه وأجاب:

" لا بأس لم يحصل شيء، كنت أفكر فقط في مصلحتها، أردتها أن تفوز حقا، لكنها أصرت على أن تأخذ أجرا مقابل رسمها لي، إنها انتهازية فعلا.... حصل خير"

فتحت عيني مشدوهة، كذبنا الكذبة وصدقها! نظرت إلي أمي مستاءة وقالت:

" عيب، والله عيب! فليهدك الله"

ثم نهضت عن الكرسي بعدما تركتني بفك معلق للأسفل لتكمل أعمالها في توضيب الملابس النظيفة. ابتسم الأستاذ آدم بمكر وسحب كأس الشاي من يدي، وارتشف منه، صرخت به بلا وعي:

" هيه! هذا كأسي! لقد شربت منه"

أجابني والكأس في يده:

" أعلم، طعم الشاي هنا ألذ من كأسي"

بمَ يهذر هذا؟ الكأسان متماثلان، من الإبريق نفسه! لكنني أحب الشاي حلوا فأضفت في كأسي ملعقة أخرى من السكر، أيعقل أنه يحب المذاق الحلو مثلي؟

ارتشف من كأسي ثانية ثم التفت نحوي، وركز بصره علي وقد تحول إلى الجدية. علمت أنه يخفي خلف نظرته سؤالا، فضيقت عيني وأنا أنظر إليه ثم تساءلت بخفوت بنبرة مهاجمة:

" ماذا؟"

وضع الكأس على الطاولة أمام الدفتر الذي ندرس فيه وأرجع ظهره إلى الخلف ثم نظر إلي من جديد وتساءل قائلا:

" اللوحة التي رسمتيها... كانت .... غاية في الإتقان، لم تغفلي عن تفصيل واحد بي.... أيعقل أنك رسمتيها دون اللجوء إلى مصدر؟ أم تحفظين معالم وجهي جيدا؟ هل هو شيء يخص الرسامين عادة؟ هل يتمكنون من حفظ معالم الشيء المراد رسمه؟ أنا فعلا حائر"

نظرت إليه بتحد وعقدت ذراعيّ على صدري وأجبته:

" سر المهنة... لن أقول لك شيئا"

أخذ نفسا عميقا ثم قال:

" إذن قولي لي.... لماذا"

- " لماذا ماذا؟"

- " لماذا رسمتني؟"

- " قلت سابقا بسبب الرهان!"

عدّل من جلسته وأحنى ظهره إلى الأمام واتكأ على فخذيه ثم التفت نحوي وقال بنبرة جدية:

" سأسألك للمرة الأخيرة وكوني صادقة....بعيدا عن تصرفاتك الغريبة غير المفهومة لي أبدا، أرجوك أجيبي، حقا لماذا رسمتني يا رغد؟"

وللحب بقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن