الفصل الثالث والثلاثون - صداقة

249 7 11
                                    

صداقة

حان موعد درس اللغة الانجليزية، ولأول مرة منذ يومين أفكر في أن أتجرأ وأرفع بصري نحوه بشموخ. لن أتجنب مواجهته وعليه أن يعلم أنني قوية ولست مهتمة بصده لي سابقا. أو هكذا ظننت!

التقت نظراتنا وشعرت بشعلة اتقدت في داخلي، بالرغم من كل شيء فقد وهبت قلبي لهذا الشاب. ومشاعري تجاهه لم تتغير بعد، ما زلت أحبه، لكن علي أن أتعلم كيفية تقبل الوضع الجديد، حتى أعالج جرح قلبي لربما تماثل إلى الشفاء بعد صده المريع لي.

تفحصني بعينيه العسليتين الجميلتين ولمحت أثرا من الحزن فيهما. لماذا أنت حزين؟ ما الذي تفكر به الآن؟ كيف سنتعامل مع بعضنا من الآن فصاعدا؟ لن يعود شيء إلى ما كان عليه سابقا، فاعترافي له بمشاعري كالانفجار الذي أحدث شرخا في علاقتنا السابقة معا.

شعرت بهيجان في مشاعري من جديد لكنني وعدت نفسي أن أبقى قوية، لذا علي أن أتظاهر بالصلابة أمام الجميع بمن فيهم هو، حتى لو كنت هشة محطمة من الداخل.

أبعدت بصري عنه ووجهت تركيزي نحو حقيبتي لأخرج منها كتبي. أعتقد أنني أخطأت؛ لست مستعدة بعد لمواجته. حبي له أكبر من كبريائي المجروح.

أشعر أنني عارية المشاعر أمامه بعد أن كشفت له سري. أنا محرجة جدا منه فهو يعلم بحبي له. لكنه حتى الآن لم يقم بأي تصرف تجاه مشاعري ولم يفاتحني بالموضوع، بل أصر على تجنب التعامل معي هذين اليومين. وما أصعب ما أشعر به من جفاء من طرفه.

قرر توزيع أوراق الاختبار التي قمنا بالمراهنة عليها سابقا. وبناء عليها أحدنا كان سيعلم بسر الآخر. كان يتجول بيننا وهو يعطي الطلبة أوراقهم. وصل دوري واقترب من ناحيتي وأراح الورقة على طاولة مقعدي، فاتجهت أنظاري تلقائيا نحوها لأرى تقديري عليها، تفاجأت بما رأيت.. لقد حصلت على تقدير جيد على غير العادة! رفعت رأسي نحوه مصعوقة. كان يتفحص ردود أفعالي بحرص ثم زم شفتيه وقال بصوت منخفض:

" تسرعت بكشف سرك"

ابتلعت ريقي محرجة. ونظرت في عينيه وهو ما يزال يتأملني، للحظات لم أعد ألمح غيره أمامي.. مسننات ساعات عوالمي المختلطة بكافة أنواع المشاعر قد تعطلت جميعها وأصبح الكون ساكنا لا حركة فيه وكأن الطلبة من حولي تلاشوا ولم يتبق إلا أنا وهو وذاك السديم الغامض في عينيه ونظراته. ثم دوى صوت لؤي ليقطع علينا لحظة التأمل بيننا ويعيدني إلى أرض الواقع:

" أستاذ، هل ستكمل توزيع الأوراق؟"

التفت نحوه وتصنع ابتسامة مزيفة بعد أن قطع تواصلنا البصري. ثم أدار ظهره لي وتابع توزيع الأوراق. نظرت إلى ورقتي من جديد أتأمل فيها، دارت في بالي فكرة واحدة ألا وهي؛ أضعت من يدي فرصة معرفة سره. فحدثني عقلي الباطني: لكنك اكتشفته قبل أن يبوح به، فما حاجتك إلى سماعه؟ سيزيد من قهرك وتمزيق قلبك.

وللحب بقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن