الفصل التاسع والأربعون - طيات من الألم

192 10 7
                                    

طيات من الألم

وقعت عينا الخالة شروق علينا بينما كانت تتفحص المكان من حولنا في انتظار قدومنا، أشرق محياها لوهلة قبل أن تتحول نظرتها للارتباك فجأة.

شددت قبضتي على يد آدم وسرت به حتى وصلنا إلى الطاولة حيث تجلس أمه وقد اختارت الجلوس إلى طاولة موزعة عليها أربع كراسٍ. جلست ابنتها بجانبها ليبقى الكرسيان المقابلان شاغرين في انتظار جلوسنا عليهما.

ألقيت عليها تحية مهذبة وردتها لي بارتباك واضح، ثم حيّت ابنها لكنه لم يقابلها بالتحية والتزم الصمت وعيناه لا تفارقان الفتاة الصغيرة. شعرت الخالة شروق بالإحراج من صده المرير لها وثم دعتنا للجلوس.

جلس مقابلها وهو يتأمل أخته الصغرى، ثم وجّه انتباهه إليها، فقالت:

" كيف حالك يا بني؟"

أجابها ببرود:

" معك عشر دقائق"

شهقت مصدومة ثم قالت:

" ماذا؟"

- "تسع دقائق وثمان وخمسون ثانية"

ظهرت الدهشة على معالمها وبدأ يعد لها الثواني بينما أخته تتابع غير مدركة لما يحصل حولها لكن بدا عليها أمارات الذعر من جفائه الواضح، أثار غضبي فهدرت به:

" آدم!"

تجاهلني وأكمل عد الثواني، ففتحت فمها أخير لتجيبه:

" أنا آسفة يا بني على كل ما تكبدته بسببي"

قاطعها محتدا:

" لم آت إلى هنا كي تعتذري مني، قولي ما عندك ودعيني أرحل"

أشارت بيديها إليه ليهدأ وقالت:

" حسنا حسنا فقط اسمعني حتى النهاية. أنا تجرعت المرّ كثيرا وضاقت بي الأرض من كل مكان، ولم يكن لي من حل آخر"

اقترب النادل ليضع أمامنا ثلاث فناجين من القهوة وكأسين من الماء. أخرجت الخالة شروق أنفاسا متعبة من صدرها وقالت:

" البداية كانت بمعاناتي من تصرفات جدتك - رحمها الله – ضدي، كانت تكرهني وتسعى إلى تدميري منذ بداية زواجي، فبدأت باستغلالي أولا بأعمال البيت الشاقة حيث كانت تأمرني بتنظيف بيتها وتلميعه كاملا بشكل يومي لدرجة أنها كانت تكلفني بترتيب خزانة الأواني يوميا، فلا تتبقى لي طاقة لإنجاز مهامي في بيتي. طبعا عدا عن تكليفي بالطهي لعماتك الستة في بيوتهن فكانت تجهز لي أكبر أواني الطهي لأقوم بتحضير مأدبة جماعية. صبرت وتحملت وذلك لأنني كنت أخشى من حديث المجتمع عن المرأة المطلقة."

مسحت دمعة من عينها وتابعت:

" ثم اشتد بها الطغيان فكانت تملي على والدك أن يأخذ مني راتبي من المركز القرآني الذي كنت أعمل فيه آنذاك وكان يعطي المال إليها لتصرفه على بناتها وأحفادها. أيضا تحملت رغم كثرة مشاكلي مع أبيك حينها؛ لأنني وقتها كنت قد أنجبت أسامة ولم أرد له أن يعيش في أسرة مفككة. ولأنه ابني فقد كانت تكرهه ولا تعامله بالحسنى كما تعامل أولاد بناتها. حتى والدك لاحظ تصرفاتها المقيتة معه. لكنه لم يجرؤ يوما على مواجهتها لجبروتها وطغيانها ولأنها في لحظات تستطيع قلب كل العائلة ضده فكان يخشى من خسارة رباط العائلة من أجلي."

وللحب بقيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن