الفصل 22

7.5K 239 6
                                    

في اليومين التاليين.... استعادت هيلين برودها.... ولم تجد صعوبة في ذلك... فنيكولاس هو الآخر عاد لطبيعته.... من المدهش أن كلاهما قادر على التحكم في مشاعره.....
ركبت هيلين سيارة الليموزين بجانب السائق بينما قالت: بقلق.... سيد ويلكينس ... لدي طلب صغير...
نظر إليها باستفهام بينما أضافت: الأمر متعلق... بالهدية التي سأقدمها للرئيس في عيد ميلاده.... أريد شراء جهاز فونوغراف.... لكن أريده أن يكون على طراز قديم.....
ثم أخرجت هاتفها وأرته صورة وتابعت: مثل الذي في الصورة.... لكنني... لم أعثر عليه في المحلات التجارية... لذلك هل تعرف مكانا يمكنني أن أعثر فيه على نظيره؟!
فكر قليلا ثم قال: أعتقد أنني أعرف شخصا...يملكه.. لكن أتساءل إن كان سيوافق على بيعك إياه... أرشدها ويلكينس إلى المكان... وفوجئت وهي ترى نفسها أمام محل تحف قديم... وتساءلت... ما علاقة هذا المكان بما تبحث عنه... دخلت بهدوء... لترى عددا كبيرا من التحف... بمختلف الأحجام والأشكال ...  نظرت إليها بإعجاب...واستكشفت المكان بفضول... بحثا عن ضالتها.... وبعد لحظات وقعت عيناها على فونوغراف قديم...... كالذي حدثها عنه نيكولاس تماما....
ابتسمت بفرح.... وهي تقول بحثا عن مالك المحل: عذرا..... كم ثمن هذا الجهاز؟!
ظهر رجل في الستين من عمره تقريبا... حدقت به هيلين... إنه بطريقة ما يذكرها بالجد ديون فهو أنيق....
وقامته منتصبة.... 
تفحصها بعيون حادة وأجاب : إنه ليس للبيع يا آنسة...
أخذت نفسا عميقا ثم قالت متوسلة: أرجوك أن تعيد التفكير في الأمر.... لقد بحثت طويلا قبل أن أجده... أنا في حاجة إليه...
نظر إليها باهتمام... وفكر قليلا ثم قال: من الغريب أن أجد شابة مثلك تبحث عن شيء قديم كهذا.... هل تهتمين بالأشياء الكلاسيكية....
ابتسمت بخجل...  وقالت وهي تعبث بملابسها: في الواقع... أريد تقديمه هدية لشخص مهم جدا بالنسبة لي...إنه يحب الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية... على أنغام الفونوغراف......
راقبها جيدا... وابتسم رغما عنه وقال متسائلا: من طريقة حديثك...  بدأت أجزم أنها هدية من أجل حبيبك.... هل هو شاب يهتم بالكلاسيكيات... أم أنه رجل كبير في السن....
احمر وجهها وأجابت مترددة: إنه من أجل شاب يدعى نيكولاس فيسكونتي... هل سمعت به؟!
نظر إليها الرجل بذهول وقال: بالتأكيد أعرفه.... جده ديون صديق قديم لي.....
ابتسمت لسماع ذلك... بينما نظر إليها الرجل بإعجاب وقال: هل أفهم من ذلك أنك حبيبة نيكولاس؟!
توردت وجنتاها... مع أن الأمر ليس كذلك.... لكنها حقيقة.... تحمل مشاعر اتجاه رئيسها... فأجابت بابتسامة فرحة: أجل.... أنا أحبه كثيرا يا سيدي... وأنا واثقة أنه....سيفرح كثيرا إذا ما منحته هذه الهدية.... لذلك أرجوك أن تعيد النظر في قرارك.... وتسمح لي بشراءه....
راقبها الرجل... الذي طالما كان على دراية بقصص عائلة فيسكونتي... وهو يعلم أن نيكولاس....لم يستقر يوما مع فتاة..... لكن الفتاة الواقفة أمامه... تبدو مختلفة.... من خلال لمعان عينيها... من الواضح أنها تحب نيكولاس بصدق... ابتسم برضى وأجاب: هذا الفونوغراف.... قديم جدا وثمين....وثمنه مرتفع....
ترددت كثيرا وهي تسمع الثمن... وشعرت بخيبة أمل... بينما أضاف الرجل: لكن إذا كان من أجل نيكولاس وحبيبته... سيكون هدية مني.....
انفرجت أساريرها....وشعرت بسعادة غامرة وهي تقول: شكرا جزيلا لك يا سيد....
ابتسم لها وأجاب: نادني بالعم ريكاردو يا ابنتي....
كانت على وشك أن تخبره اسمها ... لكنها فكرت بما أنه من معارف نيكولاس... قد يخبره أمورا غير ضرورية وتتعقد الأمور أكثر... لذلك ابتسمت وقالت: وأنا ديانا....
ثم نظرت إلى المكان حولها الذي بدا لها مليئا بالغبار... فقالت: كعرفان مني بجميلك.... اسمح لي رجاء... أن أنظف المحل من أجلك.... ولا تقلق... سأكون حذرة جدا.... ولن أكسر شيئا....
هز رأسه نفيا وأجاب: يستحيل... أن أطلب من حبيبة نيكولاس أن تنظف محلي...
ابتسمت رغما عنها وردت: لا عليك.... سيكون مسرورا إذا علم بذلك...
بعد ردها هذا....لم يكن منه إلا أن وافق....
ولحسن حظها كانت قد أخذت إذنا لبقية اليوم.... وأنهت التنظيف بحلول المساء.... وشكرته مجددا.. وهو يقدم لها الفونوغراف في علبة.... حملتها ولوحت له مودعة وهي تشعر بالسرور.....
سارت ببطء... وهي تفكر في ردة فعل نيكولاس.. عندما يرى الهدية... ستعجبه بالتأكيد.....
كان قلبها يقفز فرحا وشعرت بالامتنان للسيد ريكاردو...
في اليوم التالي... كانت هيلين في مكتبها  وأنهت أخيرا الحسابات وكتبت تقريرا مفصلا.... ثم أخذت الملفات... إلى مكتب نيكولاس..... لتجد ديانا هناك.... ابتسمت لها وهي تقول: عذرا يا هيلين... لكن أعتقد أن عليك تأجيل ذلك... فأنا ونيكولاس... على وشك الخروج....
تجنب نيكولاس النظر إليها.... فابتسمت نصف ابتسامة وهي تضع الملفات على المكتب وقالت: لا مشكلة.... أتمنى لكما نهارا سعيدا....
خرجت هيلين... من المكتب... صحيح أنها تعودت على فكرة أن نيكولاس يواعد ديانا... لكنها لم تعد تستطيع منع نفسها من الشعور بالحزن....
ودون وعي منها ذهبت إلى مكتب ويليام... إنها تفهم شعوره الآن.... إنه مؤلم بالفعل...
جلست مقابله وهي تقول: كلما فكرت بالأمر... ألوم نفسي أكثر... أنت تعلم... بخصوص ديانا ونيكولاس...
حاول أن يبقى هادئا وأجابها: ربما قدرهما أن يكونا معا....  مهما حاولنا..... لن يمكننا.....تغيير ذلك...
آلمها التفكير في الأمر... مما أثار استغراب ويليام... خاصة مسحة الحزن على وجهها....وتساءل... إن كانت حزينة فقط من أجله... أم أنها... تحب الرئيس في الواقع....
عادت هيلين إلى مكتبها..... لتجد مارغريتا بانتظارها....
واستغربت الحزن والاحباط في عيني هيلين وقالت:  هل وبخك مديرك مجددا؟!
تنهدت هيلين بعمق.... ليت الأمر كان كذلك... لا مانع أن يوبخها... فقط لو أن بإمكانها البقاء معه كما اعتادت... خاصة أنه بالكاد يكلمها....منذ الحادثة الأخيرة....
في تلك الليلة....كانت هيلين في شقتها تساعد شقيقها أندي على الدراسة.... عندما.... رن هاتفها فجأة شعرت بالخوف وهي ترى اسم والدها... ما الذي يريده منها... في هذا الوقت المتأخر......
أجابت فصرخ قائلا: أيتها الفتاة الغبية.... لماذا تستغرقين وقتا طويلا لتجيبي؟!
ارتجف جسدها وردت: هل عدت من روسيا....؟!
أطلق شتيمة وقال : هذا ليس سبب اتصالي... اسمعي... تعالي إلى كازينو*....* وأحضري معك مبلغ.. *€€€€*
فورا....
شهرت بتلحنق وصرخت قائلة: أيها الوغد هل تورطت في القمار مجددا... تبا لك...
اكتفى من وقاحتها وصرخ: إن لم تأتي سأجعلك تندمين.... أنت وفلورنسا....
شعرت بالغضب... وأخذت بطاقتها البنكية... وغادرت منزلها مسرعة..... متجهة إلى العنوان الذي أخبرها به وهي تلعن حظها العاثر... في كل مرة تعتقد أن أمورها تتحسن ... يعود هذا الرجل المجنون لإفساد كل شيء.....
وصلت إلى المكان... وارتعدت فرائسها....... فجميع الموجودين في ذلك المكان... إما من المقامرين... أو المدمنين... أو المجرمين... أو نساء رخيصات....  نظراتهم المخيفة اخترقتها....
كرهت نفسها لأنها أتت لمثل هذا المكان..... وأسرعت... بحثا عن والدها....... ولم تعلم أن هناك من كان يراقبها منذ أن غادرت الشقة....
كان نيكولاس في ذلك الوقت متجها إلى شقته... عندما ورده اتصال من والده.... شعر بالضيق... وأجاب... ليقول والده بصوت ساخر: نيكولاس .... لدي مفاجأة... لك... بخصوص مساعدتك الصغيرة...
شعر نيكولاس بالغضب وقال: ما الذي تتحدث عنه؟!
أطلق ضحكة مستفزة وأجاب: لم أتوقع أبدا أن تلك الفتاة المحتشمة... تهوى المقامرة... وتقضي وقتها في الحانات....
انفعل نيكولاس... وبالكاد استطاع التحكم بنفسه وقال: لا أصدقك....
ضحك مجددا وقال: في هذه الحالة لما لا تذهب وترى بنفسك...إنها في... كازينو*.....*..
ثم أنهى المكالمة......
غير نيكولاس اتجاه سيارته.... متجها إلى ذلك الكازينو
وهو يتوعد لهيلين إذا كان الأمر صحيحا....
شعرت بالخوف وهي ترى غوستاف... يمسك به رجلان ضخما الجثة يرتديان ملابس سوداء..... وقد كان وجهه متورما من أثر الضرب.... وأدركت على الفور أن الوضع خطير..... دفعت لهم المبلغ المطلوب بينما نظر إليها الرجلان بحقارة واضحة... وشعرت بالخوف...وأخيرا.. سمحوا لغوستاف بالمغادرة....
نظرت إليه هيلين باحتقار وقالت: أخبرتك... أن تتوقف عن القمار....لعلمك إنها المرة الأخيرة التي أساعدك فيها.... أنت اوقعتنا الآن في ورطة حقيقية... المبلغ الذي دفعته يعادل مرتب شهر كامل... أنت تريد أن يموت كلانا أليس كذلك؟!
كان يترنح من أثر الشرب.. بينما أمسكها من ياقة قميصها وقال: اخرسي إياكي أن تضيفي كلمة أخرى وإلا...
دفعته عنها بقوة... وسقط أرضا....لحسن حظها أنه ثمل.... ومتعب من شدة اللكمات التي أخذها... وشعرت في أعماقها بالامتنان لاولئك الرجال الذين ضربوه... ثم قالت: سنتحدث عندما تصحو...
عدلت قميصها.... وأسرعت باتجاه الطريق العام....
أوقف نيكولاس سيارته بعيدا قليلا عن الكازينو... وهو يفكر.... ربما يكون فخا من والده.... ليلتقط له صورا... ويسيء إلى سمعته فيما بعد.... إذ يستحيل أن هيلين... من ذلك النوع من الأشخاص... لكن من جهة أخرى... هو لا يعلم أين تذهب الأموال الطائلة التي تتقاضاها منه.... حتى أنها تعيش في شقة بسيطة.... تنهد بعمق....وعندما كان على وشك المغادرة.... لمح هيلين تقف قرب الطريق العام.... منتظرة مرور سيارة أجرة.....
أطلق شتيمة بين شفتيه..... ثم قاد سيارته باتجاهها...
كانت تشعر بالخوف والاضطراب... لو علمت أن الأمر سينتهي بسرعة لطلبت من السائق الذي أوصلها أن ينتظرها.... شتمت والدها في سرها... واستفاقت وهي ترى....سيارة تقف أمامها.... وفتح لها الباب الأمامي...
أمعنت النظر.... وشعرت وكأن سكينا دست في أحشائها... وهي ترى نيكولاس... أمامها....يرمقها بنظرات  حاقدة......بينما قال وهو بالكاد يسيطر على نفسه من الغضب: اركبي بسرعة....
شعرت برغبة في الهرب بعيدا والتواري عن ناظريه.... لكن لا يمكنها .... أحنت رأسها بانكسار... وهي تقاوم دموعها.... واستقلت المقعد إلى جانبه.... وقاد سيارته بعيدا عن المكان....
حركت يديها في حجرها.... وهي تتوقع أن ينفجر فيها في أية لحظة.... أو ربما هذا ما تتمناه ... فهي تفضل أن ترى ثورة غضبه.... على هذا الصمت القاتل الذي يسيطر على الجو..... أحست بالذل ...  فبسبب والدها الوغد.... وضعت نفسها في موقف لا تحسد عليه أمام رئيسها الذي تحترمه....
وفجأة توقفت السيارة.....وخرج نيكولاس عن صمته أخيرا ليصرخ غاضبا: بحق الله.... ماذا كنت تفعلين في ذلك الكازينو....؟!
لم تعلم ما تقول.... لكن صدقا.... ما الخطأ الذي ارتكبته لتوضع في مثل هذا الموقف....
التزمت الصمت... فأمسك كتفيها... وهزها بعنف: هيلين..... هل أنت مدمنة قمار في الواقع.... هل هذه هي طريقتك لاستثمار مرتبك....؟!
نزلت دموعها بغزارة ولم تجب... مما جعله يهيج أكثر.... وجاهد ليتحكم بنفسه.... فجذبها إليه... وقال وهو ينظر في عينيها مباشرة: حسنا لن أصعب الأمر عليك... ولن أطلب منك شرح شيء... فقط أجيبي بكلمة واحدة... هل أنت مقامرة أم لا؟!
شعرت بالشجاعة وأجابت: لا.... لست مقامرة... أقسم لك....
تنهد بارتياح وأفلتها..... نظرت إليه غير مصدقة... هل يعقل أنه اكتفى بهذا الجواب....؟! ألن يصر على معرفة سبب ذهابها إلى الكازينو... وسبب ضياع أموالها هباء؟!
ترددت وسألته: هل حقا... لن تجبرني على إخبارك....؟!
تنهد بعمق..... وأجاب:... لا... لن أسأل شيئا آخر.... لأنه لا شيء من ذلك يهمني في الواقع...
التقت نظراتهما للحظة... وحاولت استيعاب كلامه ما الذي يعنيه...  بأنه لا يهتم.... لماذا كان غاضبا بشدة منذ لحظات... ولماذا حاول التقرب إليها قبل أيام.... هل هو مجرد رجل مزاجي لعوب... أم أن سبب غضبه هو خوفه على سمعة الشركة.... شعرت بالكره اتجاهه.... بينما عاد لقيادة سيارته.......وأوصلها إلى منزلها.... وقبل أن تخرج من السيارة قال مهددا: إياك وتكرار فعلتك... يا هيلين.... أنا أحذرك...
شعرت بالمهانة فأجابت بقلة حيلة: سأحرص على ذلك يا سيدي....
صعدت إلى منزلها وهي تبكي بحرقة... بينما ضرب على المقود بعنف.... وهو يتساءل كيف تمكن من حبس غضبه.... كان يرغب في خنقها بشدة.... لكنه لم يستطع إيذاءها .....
عاد إلى شقته....وهو يشعر بالضيق.... تلك الفتاة الغبية تجعله يفقد أعصابه.... كان بإمكانه أن يجبرها على اخباره بكل شيء.... لكنه أراد منها أن تتحدث من تلقاء نفسها..... هو لا يريد إجباره على فعل ما لا تريده.... استلقى على سريره.... وهو يفكر في قبلته لها.... إنه يدرك أن هيلين... ليست من ذلك النوع الرخيص... ويدرك أنها ليست مقامرة... أو مدمنة.... لذلك... لا يستطيع إيجاد سبب مقنع لذهابها إلى هناك... إلا إذا كان هناك طرف آخر.... إلا أنها... لم تكلف نفسها عناء شرح أي شيء له... ربما هي خائفة من شيء... أو ربما هي لا تثق به ببساطة...
كره التفكير في ذلك... وواجه صعوبة قبل أن يغط في النوم......
مرت الأيام سريعا.... وحل  اليوم الموعود أخيرا..... مع أن كلامه بأنه لا يهتم... لها... آلمها كثيرا.... إلا أنها...لم تمانع الذهاب إلى حفلة عيد ميلاده.... ارتدت ملابس جميلة.... واتجهت إلى قصر آل فيسكونتي وهي تتساءل...كيف ستكون ردة فعله عندما يرى هديتها... ربما يلين قلبه قليلا... ويعود إلى طبيعته... خاصة أنه خلال الأسبوع الماضي ... عاملها بجفاء شديد....و آذى مشاعرها كثيرا.....
دخلت بخطى مترددة.... وهي تفكر... إن كان عليها القدوم.... خاصة أنها لم تتلقى دعوة....
وعند باب القاعة الرئيسية .... اصطدمت بديانا التي كانت تبكي بحرقة....
نظرت كل منهما إلى الأخرى بينما قالت هيلين: ديانا هل حدث شيء؟!
نظرت إليها بيأس وقالت: فاليريا.... سخرت من الهدية التي أحضرتها لنيكولاس.... وقالت أنه سيرميها بعيدا....
شعرت هيلين بالأسى عليها....وسألتها بشك: أنت لم تحضري له دبوس ربطة عنق أليس كذلك؟!
ازداد شحوب وجه ديانا وقالت: إذا... فالأمر صحيح.... نيكولاس... لن يقبل هديتي ... هذا فظيع...  ما الذي علي فعله الآن.... تلك الحقيرة فاليريا... تفاخرت بأنها تعلم كل شيء عن حبيبي... وقالت أنها أحضرت له قارورة من عطره المفضل....  وعلى العكس منها تماما... يبدو أنني لا أعلم شيئا.... عنه يا هيلين...
أشفقت هيلين على هذه الفرنسية المسكينة وخطر لها شيء على الفور.... أولا هي ليست مدعوة للحفلة... ثانيا نيكولاس.... لا يرغب برؤيتها....وقد يرفض هديتها له... والأهم من ذلك... هي لا تريد للحقيرة فاليريا ... أن تحقق مسعاها.... لذلك أمسكت يد ديانا وقالت: أنا أعلم كيف نسكت تلك الفتاة المتبجحة... ونلقنها درسا...
استغربت ديانا كلامها بينما... ناولتها هيلين العلبة وقالت: أعدك أن نيكولاس.... سيفرح كثيرا... إذا ما فتح هذه العلبة.... ثقي بي رجاء...
أخذت منها ديانا العلبة بفرح...وأسرعت عائدة إلى القاعة....
راقبتها هيلين.... ولم تعلم لماذا....آلمها قلبها بشدة... وخرجت من القصر وهي تمسح دموعها.... لكن هذا أفضل....إن منحته تلك الهدية ....فهو سيتعلق بها أكثر.... وتتعقد الأمور أكثر... لذلك...الأفضل ألا يعلم شيئا.... كما لو أن شيئا لم يحصل.. ستغادر الآن... دون أن يراها أحد....وما إن وصلت إلى الباب الكبير... حتى وجدت فيتوريو يترجل من سيارته...
نظر كل منهما إلى الآخر... بينما سار باتجاهها وهو يقول: أنت ستغادرين... قبل أن يبدأ الحفل؟!
تجنبت النظر إليه... بينما أجابت: لست من المدعويين لذلك... لا حاجة لوجودي....
استغرب قولها ثم ابتسم ورد عليها: في الواقع... أنا أيضا.... أتيت مجبرا... بطلب من جدي... رغبة منه في أن أتصالح مع صديقي القديم... لكن لا رغبة لي في ذلك.... لذا...
مد يده لها وقال: لنغادر سوية.....ما رأيك..؟!
كانت ترغب في ترك القصر بأسرع ما يمكن... ودون وعي منها أمسكت يده... واستقلت سيارته... ليغادرا المكان على الفور....
كانت الشمس قد شارفت على الغروب... فأصر عليها أن تتناول العشاء معه.... كتعويض عن المرة الفائتة.... وقد كانت مشوشة.... ولم تجد داعيا لرفض عرضه....تناولا العشاء في جو جميل.... لكنها لم تشعر بشيء حولها.... ترى.... هل بدأوا بتسليم الهدايا... هل فتح نيكولاس هدية ديانا.... هل أعجبته؟! من المؤكد أنه سيقبلها بحب.....شكرا لها على الهدية... ثم تذكرت عندما دخلت إلى مكتبه في إحدى المرات ووجدتهما يتبادلان القبل...  حينها... هي لم تعلم لماذا خفق قلبها... وشعرت بالضيق...
لكنها الآن تدرك السبب تماما.. لقد شعرت بالغيرة ....
انتبه فيتوريو لشرودها... وقال مبتسما: هيلين..... لدي سؤال؟!
رفعت نظرها إليه... بينما تردد قليلا قبل أن يضيف: ما علاقتك... بنيكولاس؟!
علت مسحة من الحزن وجهها.... ياله من سؤال... هي نفسها لا تعلم... ماهي علاقتها به... أحيانا... يعاملها ببرود..... ويجعلها تعتقد أنها مجرد موظفة بالنسبة له.. وأحيانا يعاملها بود...وفي أحيان أخرى يحاول التقرب منها...... لذلك....
استغرب سكوتها.... وأضاف: أتمنى أن تجيبيني الأمر مهم جدا بالنسبة إلي...
ابتسمت بحزن وأجابت: بالنسبة له.. أنا مجرد موظفة يا سيد فيتوريو....
نظر إليها بنظرات لم تفهمها وأصر قائلا: ماذا عنك... ماذا يكون نيكولاس بالنسبة إليك.....
لم تعلم لماذا....شعرت فجأة بألم في قلبها.... وصدم وهو يرى دموعها.... على الأغلب.... الفتاة الجالسة أمامه... واقعة في حب صديقه القديم....
شعر بالاحباط... ثم قال بقلة حيلة: آسف... لقد تجاوزت حدودي.... انسي ما قلته... إنه مجرد فضول...
أحنت رأسها... وهي تشعر بالامتنان لأنه أعفاها من الإجابة على ذلك السؤال.....الصعب...
كان قصر آل فيسكونتي... مليئا... بالأشخاص..... وجميعهم من أفراد الطبقة العليا....
شعر نيكولاس بالضيق... فهو يكره هذه الأجواء... لكنه حاول أن يبدو مستمتعا من أجل جده وديانا.... فهما من حضرا لكل شيء...
أحس بمن تحيط ذراعه... فالتفت ليجد فاليريا تبتسم له بحب كعادتها وقالت: عزيزي نيكولاس... جدي حضر إلى هنا...  ألن تقابله....؟!
أومأ برأسه إيجابا.... وسار رفقتها... على مرأى من ديانا التي شعرت بالغيرة الشديدة وتوعدت لفاليريا.....
ابتسم نيكولاس وهو يرى جورج جد فاليريا..... صافحه بود قائلا: أهلا بك يا سيد جورج مضى وقت طويل...
ابتسم الرجل وأجاب: كيف حالك يا بني...؟!
تبادلا الحديث لفترة.... ثم بحث الجد بعينيه وقال: حفثدي الأحمق قرر عدم الحضور على ما يبدو....
شعر نيكولاس بالضيق.. وهو يسمع ذلك... هل تمت دعوة فيتوريو أيضا...
ثم انضم إليهم ديون فيسكونتي... وهو يقول: أنا لا أرى فيتوريو في أي مكان يا جورج....
أدرك نيكولاس على الفور.... أن هذان الرجلان يخططان لتسوية الخلاف... بينه وبين فيتوريو.... لكنه لا يريد ذلك.... خاصة أنه يدرك أن فيتوريو... كذب عليه... وأخفى عنه شيئا مهما.... بالتأكيد.. فحتى لو أنه لا يثق بصديقه... إلا أنه يثق بحبيبته نيكيتا.... ويعلم أنها لن تخونه أبدا.......
تنهد بعمق.... واستأذن منهما.... وهو يرى قريبه دانييل... رفقة كل من تانيا وويليام... هنأوه... بمناسبة عيد ميلاده... بينما بحث عن هيلين بعينيه وقال: توقعت أن هيلين رفقتكم.....ألم تأتي؟!
ابتسم دانييل بقلة حيلة وأجاب: لقد اتصلت بها كثيرا لكنها لم تجب.... ربما طرأ لها عمل مهم....
شعر بشيء من خيبة الأمل... ربما هي لم تنوي الحضور أساسا.... بالتأكيد... فقد كان قاسيا معها في الأسبوع الماضي.... مع أنه لم يتعمد ذلك... إلا أنه... يكره فكرة أنها لم تكلف نفسها عناء شرح شيء له... ربما هي تعتبره مجرد.... مدير....
تنهد بضيق..... مما أثار استغراب ثلاثتهم... وقاطعهم أوبالدو قائلا: ما لي أراك مهموما.... ألست سعيدا... مل هؤلاء الأشخاص أتوا للاحتفال بعيد ميلادك... أظهر بعض السرور على الأقل....
كره ملاحظته... لكنه محق...... ثم نظر بعيدا... ليجد ديانا تقف وحيدة وحزينة... شعر بالسوء من أجلها... فبعد كل ما فعلته من أجله.....تركها وحيدة....
وقف بجانبها وهو يقول: لماذا تجلس أجمل نساء هذه الأمسية وحيدة.... ؟!
التفتت إليه....بخجل وقالت: حبيبي أنت تبالغ....
أشار لها لتتأبط ذراعه.... بينما همست: حبيبي أي نوع من الهدايا تفضل؟!
استغرب سؤالها وقال بعدم ثقة: لا أعلم... أنا عادة أشتري كل ما أرغب به.. وأحتاجه... لذلك.....
شعرت بالاحباط....فانتبه لنفسه وأضاف: لكن مهما كانت هديتك.... سأحبها بالتأكيد....
شعرت بالسرور وهي تتذكر كلام هيلين وقالت: لكن هديتي لك... ستعجبك بالتأكيد أنا واثقة....
نظر لها بفضول وقال: تبدين واثقة يا ديانا...
ضحكت برقة وأجابت: أجل... أنا واثقة تماما... أن هديتي ستكون الأفضل على الاطلاق...لكن عليك أن تكون صبورا....
ثم خطر لها شيء وأضافت: حبيبي... هل تشاجرت مع هيلين مؤخرا؟!
شعر بالتوتر وأشاح بنظره بينما أجاب: لا... ليس تماما...
استغربت سماع ذلك وقالت: هي لم تحضر لذلك سألت...
حاولت أن تبدو طبيعية....كي لا يكتشف أمرها وتساءلت هي الأخرى ماذا يوجد في الهدية التي أحضرتها.... ثم انتابها شعور بالضيق... إذا أحب نيكولاس تلك الهدية حقا... فهذا يعني أنها تعرفه حق المعرفة.... لكن بالتفكير في الأمر... هيلين هي من أخبرها بكل شيء عن نيكولاس منذ البداية... حتى أنها تعرف أدق التفاصيل عنه.... وهذا يزعجها... تلك المساعدة... تشعرها بعدم الأمان... ربما الأفضل... أن تستغل... هذه الفرصة لصالحها.....
أمسكت يده وقالت: عزيزي.... في ذلك المساء... أنت رقصت مع هيلين ... بدلا مني...ألا تنوي تعويضي عن ذلك....
انتبه إلى أن هناك الكثير من الأزواج يرقصون... ومن بينهم فاليريا و اوبالدو.... فابتسم ومد يده لها وقال: حبيبتي .. هل تمنحينني هذه الرقصة...؟!
أمسكت يده بحب وقالت: يسرني ذلك... أحاط خصرها ورقص رفقتها.... وهو يتذكر عندما رقص مع هيلين في ذلك الوقت....... لقد منحه ذلك شعورا مميزا... لكن نظرات ديانا الحالمة....أعادته إلى الواقع.... إنها تحبه وفعلت الكثير من أجله... بينما هو يفكر في مساعدته.... التي لم تكلف نفسها عناء الحضور إلى الحفل أساسا.....
راقبتهما فاليريا بغيظ.....وأثناء...ذلك.... أتى السيد أندري رفقة ابنته مارييت وهنآ... ديون...
بينما بحثت مارييت عن هيلين بعينيها....وقالت: عذرا سيد ديون... لكن أنا لا أرى المساعدة هيلين.... ألم تحضر...
تنهد ديون بضيق وقال: لا... أعلم... ربما تشاجرت مع نيكولاس مجددا....
استغرب كل من جورج وأندري سماع ذلك.... وقال اندري: تلك الفتاة الهادئة...تتشاجر مع مديرها؟!..
انتبهت مارييت لذلك وقالت: الجد ديون... يقصد أن نيكولاس... وبخها.... على الأغلب...
ثم استأذن الأب وابنته منهما... للقاء معارفهما الآخرين
رمق جورج ديون بنظرات غريبة وقال: هل هي نفسها الفتاة التي حدثتني عنها من قبل... ابنة فلورنسا؟!
شعر ديون بالأسف... فهو كان ينوي أن يعرف هيلين... على السيد جورج ديلافيرا.... جدها... والد فلورنسا... لكنها لم تحضر لسوء الحظ...
ثم أومأ برأسه وأجاب: يبدو أن هيلين لن تحضر... إنها فتاة صغيرة ونشيطة...  وممتازة في عملها... حتى أن حفيدي نيحولاس يعتمد عليها كثيرا... لذا..
أشاح جورج بنظره عنه وقال: كل ذلك لا يهمني... أنا لن أعترف بتلك الفتاة.... ولا أريد رؤيتها أو أي شيء آخر...
تنهد ديون بأسف.... إنه يدرك مقدار عناد صديقه...
فقد تزوجت ابنته فلورنسا... من غوستاف.... دون موافقة من والدها.... مع أنه هددها بحرمانها من نصيبها من الميراث.... لكنها لم تهتم... وتركت منزل عائلتها... وتزوجت بذلك الوغد الذي كان يطمع بأموالها...  ولأن والدها تبرأ منها...... فقد تخلى عنها غوستاف مباشرة... تاركا إياها وهي حامل في الشهر الثالث.... 
جورج... يعتقد أن ما حدث مع ابنته جزاء عادل... لأنها عارضت رغبة والدها واتبعت قلبها... وتعرضت للخداع من قبل ذلك الرجل المخبول.....
هو لن يسامح ابنته....ولم يسمع شيئا عنها خلال تلك السنوات... لكن ديون أخبره.. أنها أعادت بناء حياتها وكونت أسرة صغيرة... بعد أن تخلت عن ابنتها من غوستاف...
تلك الفتاة تذكره... بخطأ ابنته.... بالتأكيد... فهي تحمل دماء ذلك الوغد الذي خدع فلورنسا... وسبب حزن زوجته المسكينة التي ماتت حزنا على ابنتها....
مرت الحفلة بطريقة جميلة.... وبعد نهاية الحفل... وانصراف الحضور.... قبلت ديانا وجنة نيكولاس وهي تقول: كل عام وأنت بخير يا عزيزي...
ثم ناولته العلبة وهي تشعر بالفضول...
ابتسم وفتحها بسرعة وهو يتساءل... فقد شوقته بحديثها عنها....
تطلعت ديانا بينما اتسعت عيناه وهو يرى جهاز الفونوغراف القديم.....شعر بمشاعر مختلطة... فهو يعيد إليه الكثير من الذكريات... من طفولته... عندما كانت أمه تشغل الجهاز ويصغي كلاهما إلى الموسيقى الكلاسيكية...  صدقا... هدية ديانا مميزة فعلا وهي أفضل ما يمكن أن يتلقاه... لكن كيف عرفت؟!
نظر إليها بفضول وقال: حبيبتي... إنها هدية رائعة... لكن... كيف عرفت... وأين عثرت عليه.... إنه نادر جدا... لاشك أنه كلفك الكثير....
شعرت بالتوتر... فهي عندما لمحته للمرة الأولى... بدا لها قديما... ولا يساوي الكثير.... كما أنها لا تعلم شيئا.... فهيلين هي من أحضرته حاولت أن تبدو طبيعية وقالت: لن أخبرك... ليس من اللائق أن اذكر ثمن الهدية... ولن أخبرك من أين اشتريتها... فهذا سر....
انتابه شعور بالشك... فهو لم يخبر ديانا يوما عن حبه للموسيقى الكلاسيكية... الوحيدة التي تعلم... هي هيلين..... لكن....
انزعج... من نفسه... لماذا يربط كل شيء بتلك الفتاة....
لاشك أن ديانا... تعرف الكثير عنه فهي حبيبته على أية حال..... ليس في حاجة لإخبارها... مؤكد انها اكتشفت الأمر بنفسها....
أراد إبعاد هيلين.. عن ذهنه بأي ثمن... فقبل ديانا قبلة حارة.... ولفت ذراعيها حول عنقه....واستجابت لقبلته...
بذل جهده وهو يحاول إخلاء ذهنه... لكن كل ما فكر فيه هو قبلته مع هيلين.....
أوصل ديانا إلى منزلها....واتجه إلى شقته .... جلس بضيق على الأريكة.... ووضع وجهه بين يديه.... يفترض أن يكون سعيدا بعلاقته مع ديانا لكنه بدلا من ذلك.... 
قاطع أفكاره اتصال من السيد ريكاردو.... هنأه بمناسبة عيد ميلاده وقال: لديك ذوق رائع يا بني.... حبيبتك ديانا فتاة مميزة بحق....
ابتسم نيكولاس وقال متسائلا: هل التقيت ديانا يا سيد ريكاردو!
ضحك الرجل ورد: بالتأكيد....فقد أخذت هدية عيد ميلادك مني...... وفي المقابل... لقد نظفت المحل من أجلي.... لقد كانت....لطيفة حقا... وتحدثت عنك بحب...
حافظ عليها جيدا... من النادر أن تجد فتاة مثلها يا بني...
شعر نيكولاس بالدفء يلامس قلبه.... هل فعلت ديانا كل ذلك من أجله.... شعر بالذنب....اتجاهها.... عليه... أن يمنحها الحب الذي تستحقه.... وأن ينسى أمر هيلين نهائيا .... وأفضل طريقة لذلك...هي بإبعادها عنه....

تناديه سيدي الجزء1حيث تعيش القصص. اكتشف الآن