الفصل 30

8.4K 265 8
                                    

كانت ليلة سيئة على هيلين من كل النواحي... مشكلة والدتها.... حقارة لوسيانو.... حادثة ديانا... وقرار نيكولاس... الذي كان ضربة قاضية بالنسبة لها....
لكن هذا أفضل للجميع.... هكذا نيكولاس سيكون مع فتاة تحبه.... ولن يتورط في مشاكل هو في غنى عنها.... والجميع سيكونون سعداء....
بعد بضعة أيام تحسنت صحة ديانا... وحاولت أن تكون حذرة قدر الامكان في تعاملها مع نيكولاس.... خاصة أنها تدرك أنه لم يتقبل الأمر بعد... وهي تعذره في ذلك... وتتمنى أن الوقت كفيل بجعل الأمور تتحسن...
في ذلك اليوم اتخذت هيلين قرارها... وعزمت على تنفيذ...ما يدور في رأسها.... اتصلت بالسيد ديون وطلبت منه ان يحضر جدها جورج إلى الشركة لتتمكن من لقائه....والتحدث معه... إنه الحل الوحيد المتبقي أمامها.... فهي تعتقد جازمة أنه مسؤول أيضا عما يحدث بطريقة ما....
وصل الرجلان إلى الشركة بينما كان جورج مرتابا... فكلام ديون عن أنه يريد منه إلقاء نظرة عن سير الأوضاع في الشركة... لم تقنعه... وتساءل عن السبب الحقيقي....
دخلا إحدى غرف الاستقبال.... وجلسا بينما قال جورج: ما الذي يحدث تحديدا... ألم يحن الوقت لتخبرني...
نظر إليه ديون وقبل أن يتكلم طرق الباب دخلت هيلين...
غضب جورج فور رؤيتها وقال وهو يحافظ على هدوء أعصابه: ما الذي يعنيه هذا... لماذا أتيت ؟!
ترددت هيلين.... إنها تدرك أن نسبة نجاح الأمر شبه معدومة ولكن إنه خيارها الوحيد.... حاولت أن تبدو هادئة وأجابت: أرجو أن تمنحني بضع دقائق من وقتك...
ابتسم بسخرية وقال: هل ستتوسلين إليّ كي أعترف بك؟ لا تحلمي بهذا...
شعر ديون بالسوء... بينما نظرت هيلين في عينيه مباشرة وردت عليه: لا اريدك أن تعترف بي.... ولست في حاجة لأن يعترف بي أحد.... أنا موجودة... وأصنع من أكون....بنفسي... سواء اعترفت أم لا هذا لن يغير من الحقيقة شيئا....
انزعج من جرأتها.. بينما خرج ديون من الغرفة... ليمنحهما الحرية في التناقش....
تبادلا نظرات غاضبة... بينما قال بشك: أفهم من هذا ان رأيي لا يهمك في شيء... إذا... ماذا تريدين...مني؟!
تنهدت هيلين وقالت مجبرة: أعلم أن ابنتك فلورنسا... فعلت أمورا لا تغتفر.... وأنت محق في معاقبتها.... لكن ألا تعتقد أنك مخطئ أيضا؟!
رفع حاجبه مستفهما ورد: أنا مخطئ أيضا؟!
هزت رأسها إيجابا وأجابت: نعم.... كل ما فعلته فلورنسا كان لسبب واحد ... هو انك أفرطت في دلالها... وعوّدتها على فعل ما تريد لدرجة أنها لم تعد تعطي قيمة لك..ولعائلتك... ونفذت إرادتها... رغم معارضتكم...
هل أنا مخطئة... في كلامي...
غضب أكثر من كلامها... لكن كلامها صحيح... ففلورنسا كانت الفتاة الوحيدة من بين ابنائه... وقد كانت ابنته المفضلة.... وطالما منحها ما تريد.... ربما لهذا السبب تحولت لفتاة أنانية وحطمت عائلتها...
تنهد بضيق وهو يتذكر تلك الحادثة.... بينما تابعت هيلين: لن أطلب منك مسامحتها... أو منحها حقها من الميراث... لكن أتوسل إليك أن تساعد زوجها... فهو يمر بأزمة مالية وقد يفلس.....
وقف من مكانه وسار ناحية النافذة وقال: ما الذي يدعوني لفعل ذلك..؟!
حاولت الثبات وأجابت: لأنك في الواقع... مدين للسيد كارلوس...  فهو من أنقذ ابنتك بعد أن هجرها غوستاف... وتزوجها... وساعدها على إعادة بناء حياتها.... في الوقت الذي تخليت فيه عنها يا سيد جورج....
التزم الصمت... فشعرت بالاحباط وقالت متوسلة: إن لم تفعل من أجلهما.... افعل من أجل حفيدك الصغير أندي...
التفت إليها ... بينما ابتسمت بحزن واضافت: أنا أتفهم سبب كرهك لي... ولست ناقمة عليك... فالجميع يكرهني على أية حال.. لكنني لا اجد مبررا لأن تكره أندي فهو صغير وبريء... حتى أن والده رجل طيب... ويحب فلورنسا... أتوسل إليك أن تفعل من أجله... وأعدك ألا أزعجك ولن ترى وجهي بعد الآن...
نظر إليها بعيون شاردة ... وهو يفكر في كلامها.... وتساءلت عما إذا أثر كلامها في جدها القاسي....في النهاية غادر جورج دون قول كلمة واحدة... وشعرت هيلين بالاحباط....
في ذلك الوقت وصل فيتوريو إلى الشركة مستعجلا بعدما سمع أن جده ذهب إلى هناك... وتساءل... إن كان حقا ينوي إقناع نيكولاس بإبعاد هيلين نهائيا...
دخل مكتب نيكولاس على عجل....نظر إليه مستفهما فقال: اعتقدت أن جدي أتى لمقابلتك...
استغرب نيكولاس سماع ذلك وأجاب: لا... لم يأتي أحد على حد علمي...
قطع حديثهما دخول ديون.... ألقيا عليه التحية... بينما قال فيتوريو: سيد ديون ألم ترى جدي؟!
تنهد بضيق وأجاب: لقد أرادت هيلين التحدث إليه... وقد أحضرته بناء على ذلك... لا داعي للقلق...
فكر نيكولاس في ما يدفع هيلين لطلب مقابلة جدها....وتساءل... ٱن كان هذا هو الحل الذي خطر ببالها لحل مشكلة أمها....
كانت هيلين تجلس في غرفة الاستقبال... تفكر... ربما كان من الحماقة التحدث إلى جورج... إنه رجل قاس... كما أنها لا تستطيع لومه على أية حال... فما تسبب به والدها من مشاكل.... يجعل أي شخص يتصرف بالطريقة نفسها....
قطع حبل أفكارها..... دخول فاليريا... التي رمقتها باحتقار وقالت متهمة: من تظنين نفسك... لتتحدثي إلى جدي... هل تعتقدين أن حيلك الرخيصة ستنطلي عليه؟!
التزمت هيلين الصمت... ومزيج من الغضب والكره في داخلها... بينما أضافت فاليريا: اسمعي... جدي لن يعترف بك... لن نقبل بك فردا من عائلتنا.... فتاة حقيرة مثلك... مستعدة لبيع نفسها من أجل المال... ستجلب العار...
اكتفت هيلين من سماع إهاناتها ودون وعي منها هبت واقفة بغضب... وصفعت فاليريا بقوة على وجهها... لم تصدق فاليريا ما يحدث... بينما شدتها هيلين من شعرها بقوة وهي تقول: لقد تساهلت معك كثيرا.... ولم أحاسبك على أفعالك القذرة... الحقيرة الوحيدة هنا هي أنتِ...
تعالت صرخات فاليريا من الألم... وسمعت مارلين الصراخ... فأسرعت لإخبار المدير...
كان ثلاثتهم جالسين في المكتب عندما دخلت تانيا وقالت: سيدي هناك مشكلة... مارلين... أخبرتني أن الآنستين...هيلين وفاليريا تتشاجران....
نهض ثلاثتهم وأسرعوا إلى غرفة الاستقبال....وفور دخولهم كانت كلتاهما تمسك شعر الأخرى وتشدها بقوة...
اتسعت عينا نيكولاس وهو يرى هيلين على تلك الحال للمرة الأولى في حياته....أسرع...هو وفيتوريو... لإبعادهما عن بعضهما... شعرت فاليريا بالاحراج وهي ترى نيكولاس... فحاولت الابتعاد بينما شدتها هيلين بقوة....أمسك نيكولاس بهيلين... وأبعد فيتوريو فاليريا.... وأخرجها من الغرفة...ولحقهما ديون...بينما حاول نيكولاس تهديء هيلين قائلا: أعتقد أنها نالت كفايتها....
حاولت الافلات منه وهو تقول: دعني.... لقد تجاوزت حدودها كثيرا....
بدت له هائجة تماما... وذكرته بنفسه عندما يغضب... صدقا... حتى هيلين الفتاة الهادئة والعاقلة... تمر بأوقات كهذه أيضا.... ترى ما الذي فعلته فاليريا هذه المرة لتفقدها صوابها....
ثم مرت بباله كيف أنها كانت دائما تستطيع إطفاء غضبه...
احتضنها بقوة... وهو يهمس لها: هيلين... اهدئي رجاء...
استفاقت...هيلين لنفسها..  وشعرت بالاحراج الشديد.... وقالت بصوت مخنوق: أنا حقا... آسفة لأنك رأيت ذلك...
أنا لست عدائية في العادة... لكنها قالت كلاما مهينا... قاطعها وهو يربت على ظهرها قائلا: أعلم.... أعتقد أنها استحقت ذلك... فقد تسببت لك بالكثير من المشكلات...
لننسى ما حدث فحسب... المهم ان تهدئي...
أسندت رأسها إلى صدره وهي تقول: لقد تحدثت مع السيد جورج... لم يوافق على طلبي... لكنه لم يرفض أيضا.... لذلك أنا لست متأكدة...
مرر أصابعه في شعرها....بينما قال: أعتقد أنها علامة جيدة... فلو أنه كان ينوي الرفض... لقال ذلك مباشرة... لكن حتى لو رفض.... أنا سأكون موجودا لمساعدتك...
رفع وجهها في اتجاهه... ولمحت في عينيه شيئا من الحزن....
اقترب منها فانتبهت لنفسها وابتعدت عنه وهي تقول: سيدي... أنت ستتزوج عن قريب....رجاء توقف عن هذه التصرفات...
انتبه لنفسه....وتجنب النظر إليها وهو يقول: معك حق...
خرجت هيلين مسرعة..... وهي الأخرى تشعر بشيء من الحزن.... وتمنت لو أنها لم تحضر ديانا أبدا...
دخلت مكتبها على وجه السرعة.... وهي تشعر بالضيق...
أخذت نفسا عميقا....ثم اتصلت بويليام... لكن هاتفه مغلق..... لقد أخذ إجازة... منذ حادثة انتحار ديانا.... والآن هاتفه مغلق... هل هو بخير يا ترى... انتابها شعور بالقلق.... هي من تسببت في كل هذا...  تعاسة ويليام... ونيكولاس... وتعاستها أيضا....
انتظرت انتهاء الدوام بأسرع ما يمكن... وأسرعت بالذهاب لشقة ويليام وهي ليست متأكدة من تواجده هناك... ربما يكون قد ذهب إلى ميلانو لزيارة والدته....
دقت الجرس عدة مرات....وانتظرت بقلق... لم يفتح... وعندما كانت على وشك المغادرة... رأت الباب يفتح أمامها....وفوجئ ويليام لرؤيتها....بدا الحزن جليا على وجهه.....وشعرت هي الأخرى بالأسف...
ابتسم لها...ودعاها إلى الدخول وهو يقول: لم أتوقع أن يأتي أحد لزيارتي....
دخلت غرفة الاستقبال وهي تجيب: آمل أن قدومي لا يضايقك....
هز رأسه نفيا وجلس بجانبها وهو يقول: لا على العكس.... لقد مللت البقاء وحيدا وأنا في حاجة لمن أتحدث إليه...
أمسكت يده بحنان وهي تقول: يسرني سماع ذلك... إذا.... متى تنوي العودة إلى العمل...
تغيرت ملامحه بينما أجاب: ليس قريبا.....لقد أخذت إجازة لمدة شهر...  وربما أطلب من الرئيس نقلي لفرع آخر..... لا أظن أني سأحتمل البقاء....
تنهدت بحزن لسماع ذلك... وامتلأت عيناها بالدموع وهي تقول: إن انتقلت إلى فرع آخر.... سأفقد صديقا مهما..... هذا مؤسف...
أمسك يدها وأجاب: أنا أيضا أعتبرك صديقة مهمة يا هيلين.... ويحزنني ترك الشركة... والجميع...لكنني مضطر للذهاب..... لقد نلت كفايتي....
هزت رأسها إيجابا وأجابت وهي تشعر بغصة: أعلم.... سيكون من الأنانية .. أن أطلب منك البقاء....
ربت على ظهرها بحنان وهو يقول: شكرا لتفهمك... لكن لم يحسم الأمر بعد... قد لا يوافق المدير على طلبي...
أصغت إليه ثم أجابت بابتسامة حزينة: مهما كان ما سيحدث.... فأنا أتمنى لك السعادة يا ويليام... وأتمنى أن تغفر أخطائي في حقك....
ابتسم لها بينما أضافت والدموع في عينيها: كما أنني... سأفتقدك كثيرا....
أحاطها بذراعيه وهو يجيب: أنا أيضا... سأفتقدك يا هيلين....
لفت ذراعيها حول ظهره بينما أضاف: كما أنني أخبرتك مرارا ... أنني لم أعد غاضبا منك.... ولا أحمل أي حقد اتجاهك....
شعرت بالارتياح لسماع ذلك... كلامه خفف من عذاب ضميرها قليلا.... ولو أنها لن تستطيع مسامحة نفسها....
ربت على ظهرها بحنان ثم سألها مترددا: هيلين... ما الذي جعل المدير...يقبل الزواج من ديانا... هل هو الحب... أم الشفقة... أم الندم؟!
لم تعلم.... ما تقول..... هي نفسها ليست متأكدة... ربما هو يحب ديانا.... وقد كان انفصاله عنها هو فقط نتيجة لغضبه..... وبمجرد سماعه لخبر انتحارها... لام نفسه على الأذى الذي تسبب به لها... لم تطق التفكير في ذلك... ورفعت نظرها إليه وهي تجيب بحزن: لا أعلم... يا ويليام.....
ابتسم بحزن ورد : معك... حق... لقد كان سؤالا سخيفا.... مهما كان السبب الحقيقي... هما سيتزوجان في النتيجة... ولن يمكننا تغيير شيء...
أصغت هيلين إلى كلماته وازداد حزنها.... مجرد التفكير في أن الرجل الذي تحبه سيتزوج أخرى فقط بدافع الشفقة.... أو الندم... يجعلها تجن... هي لا تمانع رؤيته مع غيرها...شرط أن يكون سعيدا....
أحنت رأسها بحزن بينما قال ويليام متسائلا: ما سبب هذا الحزن الذي يظهر على وجهك... كلما تحدثنا عن نيكولاس وديانا.. لا أعتقد أن تعاطفك معي هو السبب... هيلين... أكاد أجزم أنك.. مغرمة بالرئيس....
خفق قلبها بشدة... وتجنبت النظر إليه وهي تجيب: ما الذي تقوله... أنت تتخيل فحسب....
لم يصدق كلامها... رفع وجهها باتجاهه وهو يرد: لما لا تقولين هذا وأنت تنظرين في عيني مباشرة.... ؟!
شعرت بالتوتر... ورفعت نظرها إليه وهي تجيب: أنا....
ابتسم رغما عنه وقال: الآن... صرت متأكدا من كلامي... هذا ما قصدتِه... عندما قلتِ أنك تفهمين شعوري تماما.... من المؤلم أن تري الرجل الذي تحبينه وهو على وشك الزواج من أخرى...
احمر وجهها خجلا فأحنت رأسها بينما أضاف: أنا واثق أن المدير لا يبادلك مشاعرك... هل أنا مخطئ؟!
أومأت برأسها إيجابا.....لن تخبره أن نيكولاس أبدى رغبته بها في أكثر من مناسبة... فقد يدفعه حزنه إلى إخبار ديانا وتحدث مشكلة كبيرة...
أحاط وجهها بيديه وأضاف: نحن نعاني من الأمر نفسه.... تقاسم الأمر يجعلني...أشعر بتحسن..
بعد ذلك تناولا العشاء معا... وأخبرها أنه وجد لها شقة جديدة...وقد سرت عندما علمت أنها في مكان قريب من الشركة.... كما ان ايجارها معقول جدا....
واتفقا على ان تذهب لالقاء نظرة في الغد.... ثم توقع عقد الايجار مع المالك....
بعد ذلك... أوصلها ٱلى شقتها.....
بعد بضعة أيام.... كانت هيلين في مكتبها... تدرس بعض الملفات.... عندما....وردها اتصال من رقم غريب... أجابت مترددة... لتسمع صوت جدها جورج يقول باختصار: اسمعيني... سأرسل سائقي لاصطحابك بعد قليل....
استقلت السيارة وهي تفكر... ما الذي يريده منها.... هل يعقل أنه غاضب من شجارها مع فاليريا.... ربما سيرفض طلبها بسبب ذلك... لامت نفسها كثيرا...
وأخيرا دخلت المنزل وقادتها إحدى الخادمات إلى غرفة الاستقبال... حيث كان الجد... وفوجئت برؤية أخيها الصغير أندي هناك... ابتسم لرؤيتها وأسرع لعناقها.... فاحتضنته هي الأخرى....
استغربت هيلين ما يحدث... بينما أشار لها جدها أن تجلس ... جلست مقابله.... بينما قال : لقد فكرت في كلامك.....وأعتقد أنك محقة.... خاصة بعد أن قابلت حفيدي أندي....
لم تفهم هيلين جيدا بينما أضاف: لن تحصل فلورنسا على نصيبها من الميراث.... لكن سأساعد زوجها على النهوض بأعماله.... لكن بشرط....
فرحت هيلين بسماع ذلك.... وتمنت ألا يكون الشرط صعبا.... ثم نظر إلى أندي بابتسامة حنونة وهو يقول: أريد أن يعيش أندي معي من الآن فصاعدا.... وهو موافق على ذلك....
نظرت إلى اندي الذي قال بابتسامة: هيلين... أنا أحب جدي كثيرا.... رغم ان هذا هو لقاءنا الأول إلا أنه لطيف جدا معي.... ويحبني.... كما أنني...
تغيرت ملامح أندي إلى الحزن وأضاف: انا لم أعد أحب أمي... بعد أن عاملتك بقسوة آخر مرة... حتى أنها صرخت في وجهي قبل أيام عندما طلبت أن أزورك...
احتضنت أخاها الصغير بحنان بينما أشار جورج إلى الخادمة أن تصحب اندي إلى غرفته...
ثم نظر إلى هيلين وناولها صكا بمبلغ كبير وهو يقول: قدّميه لزوج والدتك.... فقط إذا وافق على شرطي...
ترددت هيلين قبل أن تقول: لكن أليس طلبك صعبا إنه ابنهما الوحيد...
تغيرت ملامحه إلى غضب ورد: ليس من الآمن لأندي البقاء... مع امرأة ترهبه وتعامله بقسوة.... ٱن علمت الجهات المختصة سيأخذونه منها بكل تأكيد...
تفهمت هيلين كلامه... ووقفت وهي تقول: شكرا جزيلا... لأنك أصغيت إلى كلامي.... وبخصوص أندي أنت محق تماما فيما قلته.... عموما... إن لم يقبلا الشرط... سأعيد لك المال....
انحنت له بينما قال: كل ما فعلته هو من أجل أندي...
فهمت ما يقصده وأجابت: لا تقلق... لن أزعجك بعد الآن...وعلى الأغلب أنت لن ترى وجهي مجددا... عن إذنك....
انصرفت هيلين... واتجهت فورا إلى منزل والدتها... مع أنها غاضبة منها على المشكلة التي أوقعتها بها... إلا أن غضبها بدأ يزول مع الوقت... في النهاية فلورنسا أيضا... ضحية لغوستاف وأفعاله...
دقت الجرس لتفتح لها فلورنسا... وهي في حالة سيئة.... من الواضح... أنها لم تنم منذ فترة.... ووجهها صار هزيلا نوعا ما....
رمقت هيلين بكره... ولم تدعها حتى إلى الدخول... وقبل أن تمنحها فرصة للحديث.... صرخت في وجهها متهمة: هل أتيت لتشمتي بي؟!.... بعد أن تأكدت أن لوسيانو لن يساعد زوجي...  بسببك سوف نفلس لا محالة....
أرادت هيلين الدفاع عن نفسها لكن فلورنسا أضافت بغلّ: إليك التالي.... أنا أيضا... أتمنى لو لم أنجبك... فأنت لم تكوني سوى عالة عليّ... وتذكرينني كل يوم بذلك الوغد....  لقد تمنيت إجهاضك من كل قلبي.... لكن الطبيب قال أن الوقت متأخر على ذلك....وأن هناك خطرا على حياتي.... لكنني لم أحتمل وجودك داخلي وقررت الانتحار... ومع ذلك أنت لم تموتي... وبقيتِ ملتصقة بي كالمرض المزمن....
لم تصدق هيلين... كمية الحقد الذي تكنه لها والدتها.... شعرت بفجوة كبيرة داخلها.... ثم نظرت إلى فلورنسا ببرود وقالت وهي تناولها الصك: لقد أحضرت لكِ المبلغ المطلوب.... والدكِ منحكِ إياه بعد أن توسلته....
لم تصدق فلورنسا ما تسمع بينما أضافت هيلين: إنه يريد أن يعيش معه أندي في المقابل.... وإن رفضتِ... سيتقدم بشكوى ضدكِ بتهمة تعنيف الطفل...
استوعبت فلورنسا كلامها.... وقالت: هل أنت جادة؟! بالتأكيد أنا موافقة... 
ثم ضحكت بهستيرية وهي تقول: لقد نجونا من الافلاس..... الحمد لله...
رمقتها هيلين باشمئزاز.... هذه المرأة المجنونة لا تمانع أن تبيع أبناءها مقابل المال....
أدارت هيلين ظهرها لها وغادرت على الفور... واتصلت بجدها جورج... تخبره أن فلورنسا وافقت....
في ذلك المساء... صدم زوج فلورنسا وهو يسمع منها ما حدث... ورفض قطعا ابتعاد ابنه عنه....
نظرت له فلورنسا ببرود وقالت: لا تكن أنانيا.... نحن في حاجة إلى هذا المال.... كما أن هذا في مصلحة أندي... تخيل أن يعيش في كنف والدي.... سيدرس في أحسن المدارس.... ويصير شخصا ذا شأن عظيم....
تنهد كارلوس بحزن... هو لا يريد أن يضحي بابنه مقابل المال.... ربما بعد أن يقف هلى قدميه مجددا... سيعيد المال للرجل ويستعيد ابنه الوحيد....
بعيدا في قصر آل فيسكونتي... اجتمع ديون ونيكولاس إضافة ٱلى ديانا ووالدتها على مائدة العشاء...
كان نيكولاس سارحا تماما ووجهه خال من أي تعبير....
وقد أدرك جده سبب حزنه... ربما أخطأ حينما ضغط عليه....وقال له كلاما قاسيا عن أنه يشبه والده....
ترددت والدة ديانا قبل أن تقول: سيد ديون.... لدي طلب وأتمنى ألا تردني خائبة...
نظر إليها بينما أضافت: كما تعلم... أنا وابنتي عشنا طوال حياتنا في باريس... ومن الصعب جدا أن ننتقل للعيش في إيطاليا....
لم يفهم ديون قصدها بينما قالت ديانا: ما تريد أمي قوله... هو أنني أتمنى بعد الزواج... أن ننتقل أنا ونيكولاس للعيش في باريس مع أمي...
انزعج ديون لسماع ذلك...  والتفت إلى حفيده وقال: ما رأيك في هذا الكلام...؟!
رمقه نيكولاس ببرود وأجاب: لا مشكلة لديّ...
لم يصدق ديون ما يسمع..  بينما قالت ديانا بفرح: يسرني سماع ذلك.... وأنت يا نيكولاس ستدير فرع شركتكم في باريس... وبذلك... لن يتأثر عملك...
أومأ برأسه إيجابا... وعاد لتناول طعامه... بينما انتاب الجد حزن عميق.... هو لا يريد من حفيده الابتعاد عنه... هو يتمنى أن يعيش نيكولاس معه دائما... ويرى أبناءه...
انتظر نيكولاس نهاية ذلك العشاء الكئيب بفارغ الصبر....وبدل الذهاب إلى شقته... فضل العودة إلى الشركة.... العمل هو أفضل طريقة لاشغال نفسه.... هو لا يطيق ما يحدث....مهما حاول إجبار نفسه.....
وصل إلى الشركة... ليرى النور في الطابق الثاني مضاء... وأدرك على الفور أن هيلين ما تزال في مكتبها...
أسرع في الذهاب إليها... بينما كانت هي الأخرى... تجري بعض الحسابات.... رفعت نظرها وفوجئت برؤيته بينما قال: أفترض أنك متضايقة من أمر ما......
هزت رأسها إيجابا بينما قالت: السيد جورج وافق على طلبي....لكنني تشاجرت مع أمي...وقد قالت لي كلاما قاسيا.... لقد جرحت مشاعري...
جلس بتعب على الأريكةو قال: بعد ما فعلته من أجلها... هذه قسوة منها...
تأملت منظره المتعب وقالت: هل تنوي العمل لوقت متأخر....؟! هل أنت تريد شغل نفسك بالعمل لتنسى!
ابتسم بسخرية وأجاب: العمل هو الشيء الوحيد الذي يخطر ببالي.... ليس لدي من ألجأ إليه...وأفرغ له همومي...
ثم نظر إليها نظرة لم تفهمها... وتساءلت... إن كان يتمنى منها أن تكون ملجأه وأن تصغي إليه... لكن ٱن فعلت ذلك... وتعمقت علاقتها معه أكثر... سيتأذى كلاهما فحسب... الأمر مستحيل بينهما على أية حال...
نهضت من مكتبها وجلست بجانبه وهي تجيب: نحن نفكر بالطريقة نفسها... أنا أيضا... قررت شغل نفسي بالعمل....
أمسك يدها...وشابك أصابعه بأصابعها وهو يقول ونظرة جادة في عينيه: هيلين... متى سستوقفين عن صدّي؟!
خفق قلبها بشدة لسماع ذلك...وأحنت رأسها وهي تقول: سيدي.... أرجوك... لا تصعب الأمور عليّ... أنا لا أريد أن يتأثر عملنا....
أفلت يدها ونهض وهو يقول: كما تشائين...لكن لا ترهقي نفسك بالعمل... وداعا...
قال ذلك... ثم اتجه إلى مكتبه.... وفي الأيام التالية... بالغ نيكولاس في الضغط على نفسه...وبدأت صحته تتأثر شيئا فشيئا....راقبته هيلين في صمت..  إنها تدرك أنه يتألم في أعماقه... لكن ما باليد حيلة.....
أنهت هيلين عملها في ذلك المساء... وقبل أن تغادر إلى شقتها... وردها اتصال من الجد ديون يطلب رؤيتها...
فور رؤيته.... أدركت من ملامحه الحزينة....أن هناك مشكلة ما متعلقة بنيكولاس...
جلست إلى جانبه بينما قال: نيكولاس ينوي الانتقال مع ديانا إلى باريس.... والاستقرار هناك... ٱنه يريد تركي انتقاما مني....
آلمها سماع ذلك....وربتت على ظهره وهي تقول: ربما قال ذلك في لحظة غضب فقط.... أساسا... لقد عاش كل حياته في إيطاليا... يستحيل أن يترك موطنه ويستقر في مكان غريب....
تنهد بضيق وقال: لا... نيكولاس تغير كثيرا منذ... حادثة ديانا....ربما لأنني قلت أنه لا يختلف عن والده... لذلك.. صار يكرهني على الأغلب....
أحزنها سماع ذلك... وحاولت التخفيف من حزنه.... وأثناء ذلك رن هاتفها وتفاجأت باتصال من نيكولاس...
استأذنت لترد...بينما قال: هيلين....أنا....
استغربت سماع ذلك وقالت: سيدي هل هناك شيء؟!
سعل عدة مرات قبل أن يقول: لا....فقط.. أردت أن أسألك... هل أنت في المكتب الآن...؟!
أجابت نفيا فقال: هذا جيد....الأفضل أن ترتاحي... خاصة أن غدا يوم عطلة... اعتني بنفسك جيدا...
بدا لها صوته متعبا... فقالت: سيدي هل انت مريض؟!
أجاب نفيا ورد: فقط متعب قليلا.... لا تزعجي نفسك...
تصبحين على خير....
أغلق الخط قبل أن تقول شيئا وازداد شعورها بالقلق عليه....
عادت إلى ديون وقالت مترددة: إنه السيد نيكولاس يطلب مني.....أخذ بعض الأوراق إليه...لكنه نسي أن يؤسل لي عنوان شقته...
اومأ ديون برأسه وأخبرها بالعنوان... ثم ودعته... وذهبت مسرعة إلى شقة نيكولاس....
دخلت....البناء الكبير الذي يعيش فيه... إنه مليئ بالشقق الفخمة... صدقا شقتها لا تساوي شيئا أمام كل هذا القدر من الفخامة.... استقلت المصعد....
وقفت أمام الباب متوترة...وتساءلت...إن كان قدومها قرارا صحيحا... ربما قد يتضايق نيكولاس من ذلك....
أو ربما هو ليس بمفرده.... شعرت بالضيق للتفكير في الأمر.... لكنها تريد فقط الاطمئنان عليه....
حسمت أمرها ودقت الجرس.....
انتظرت لحظات قبل أن يفتح لها نيكولاس ويفاجأ برؤيتها... حدق فيها للحظات... بينما ترددت وهي ترى ملامحه المتعبة....وقالت: سيدي هل أنت بخير؟!
استفاق من دهشته وقال: لا... فقط... لم أتوقع أن تزوريني....
تساءلت إن كان لا يريدها أن تدخل...وأحنت رأسها... بينما انتبه لنفسه وتنحى... لتدخل وهو يقول: آسف...
دخلت... الشقة... وفوجئت من فخامتها...الرواق الطويل.... يؤدي إلى غرفة فخمة للجلوس... تؤدي هي الأخرى إلى المطبخ وغرفة النوم.... إضافة إلى غرفة أخرى لم تعلم ماهيتها....
جلست على الأريكة المريحة بينما جلس مقابلها وهو يكتم ابتسامته بصعوبة وسألها: هل تقارنين شقتي... بشقتك؟!
شعرت بالاحراج... بينما سعل عدة مرات... ثم قال: لم أقصد ٱحراجك... لكن... إلى الآن... مازلت لا أصدق أنك... هنا...
انتبهت إلى شحوبه فاقتربت منه...وتحسست جبينه  فألفته حارا وقالت: كما توقعت أنت مريض... وعليك ان تحظى بقسط من الراحة... وعليك أخذ خافض للحرارة أيضا...
ابتسم بسخرية ورد: هيلين...أنا لست طفلا...
تنهدت بضيق .... بينما سعل مجددا...وقالت: الأطفال هم من يرفضون أخذ الأدوية يا سيدي...
تبادلا نظرات منزعجة..... ثم قال ساخرا: إذا...هل تنوين لعب دور الممرضة؟!
انزعجت من ملاحظته وقالت: امنحني سببا يمنعني من المغادرة... بعد كل ما قلته؟!
تجنب النظر إليها وقال: لماذا...أنت سريعة الغضب اليوم... لقد اعتدت على تحملي مزاحي...
راقبته جيدا... إنه... مريض فعلا... ويكابر...أمسكت ذراعه وجرته إلى غرفة نومه وهي تقول: لما لا تنام فحسب... استلقى على سريره... وهو منزعج من طريقتها.... بينما وضعت الغطاء عليه وهي تقول: من المؤكد... أن شخصا مثلك يملك دواء خافضا للحرارة في شقته...
أخبرها بمكانه.. وأحضرت له كوب ماء... ثم تذكرت شيئا وسألته إن كان قد تناول عشاءه... تفادى نظراتها وقال: لا... ليست لدي شهية للأكل...
حاولت المحافظة على هدوئها.... وقالت: لا يمكنك تناول الدواء.... على معدة فارغة.... سأعد لك الطعام... هل هناك شيء ترغب به... ؟!
انتظرت منه جوابا لكنه لم يرد... فتنهدت بعمق واتجهت إلى المطبخ... ولحسن حظها أن المطبخ مليء بالكثير من المكونات... وتساءلت... إن كان نيكولاس معتادا على الطبخ... أم أن هناك من تعيش معه....
طردت تلك الأفكار من رأسها....بينما.... وأعدت له حساء ساخنا.... مع عصير الفواكه.... ستفيده كثيرا....
أخذت له صينية بها الطعام بينما قال: أخبرتك أنه لا شهية لدي...
نظرت له بإصرار وقالت: تذوق القليل فحسب...
تبادلا نظرات غاضبة.... لكنه ضعف أمام إصرارها.... لو كانت الظروف مختلفة.... لكان بالتأكيد سعيدا بزيارتها له... وعنايتها به.... لكن للأسف... إنه يحاول أن ينسى ما يكنه لها من مشاعر.... وجودها الآن معه.... يجعله مشوشا.... خاصة وهي تعامله بلطف....
تنهد بعمق.... وأومأ برأسه إيجابا...بينما أخذت الملعقة لتطعمه... أخذ منها الملعة وقال: لست طفلا... ولست عاجزا عن تناول الطعام وحدي...
لم يرق لها موقفه... إنها تحاول مراعاة كونه مريضا...كما أنها.... لا تتحمل رؤيته هكذا..... فقد اعتاد دائما ان يكون قويا...وشامخا....
تناول ملعقة... وسره طعم الحساء.... لكن كبرياءه منعه من الاعتراف وقال: لقد اكتفيت...
ساءها سماع ذلك وقالت: لم كل هذا التكلف... هل أسيء إليك... هل قدومي إلى هنا يزعجك... هل كنت لتكون مسرورا... لو أن امرأة أخرى....
قاطعها قائلا بجدية: لأنني لا أحب أن أبدو ضعيفا أمام أحد.....
استوعبت كلامه ثم ابتسمت بحزن وردت قائلة: أنا أيضا خطر ذلك.... عندما انتابني القلق عليك... خطر لي أن أتصل بالآنسة ديانا وأطلب منها تفقدك... لكن أدركت بعدها أنك... بالتأكيد لن ترغب بأن تبدو على هذه الحال أمام الفتاة التي تحبها....
كان على وشك أن ينفي ذلك... فهو لا يحب ديانا...وقد أخبرها بذلك مرارا.... ولكنها تصر على تكرار نفس الكلام في كل مرة... تنهد بعمق وأجاب: أنت محقة....
أحنت رأسها بحزن بينما انزعج من ردة فعلها... لماذا هذا الحزن وهي التي رفضته أكثر من مرة....
شعر بالسوء عليها وأضاف: شكرا لك على قدومك... كما أن الحساء لذيذ...
قال ذلك وهو ينهي....الطبق... ثم ناولته عصير الفواكه.... وأخذ الدواء....
ابتسمت له وقالت: عليك النوم الآن... سأنظف المطبخ... وأعود لقياس حرارتك....
نظر إلى الساعة وهو يقول: الوقت متأخر... لذلك الأفضل أن تبقي هنا الليلة...
خفق قلبها لسماع ذلك... وأومأت برأسها... ثم أسرعت نحو المطبخ....
نام لفترة....واستيقظ بعد ساعتين عندما كانت تقيس حرارته.....
فتح عينيه وأحس بالرطوبة على جسده.... ابتسمت له هيلين وهي تقول: لقد تعرقت أثناء النوم... الأفضل أن تغير ملابسك....
أحس بالوهن وقال بصوت خافت: لا أظنني قادرا على ذلك...
توردت وجنتاها بينما اتجهت نحو خزانته....وأخرجت له قميصا نظيفا....
فتحت أزرار قميصه وهي تشعر بالاحراج... بينما راقبها وهو يفكر...في أنه لو لم يكن متعبا... كان بالتأكيد ليستمع بذلك... ابتسم رغما عنه... بينما احمر وجهها.. وهي ترى صدره عاريا.....
ساعدته على ارتداء قميصه ثم انتبه إلى ملابسها وقال: هيلين.... ملابسك غير مريحة... الأفضل أن تغيري ملابسك أيضا....
هي تشعر بعدم الراحة فعلا.... لكنها لا تملك ملابس إضافية... بينما تابع قائلا: ربما إن بحثتِ في خزانتي...قد تجدين شيئا يناسبك....
أزعجها كلامه وردت قائلة: هل تقول أن خزانتك بها ملابس نسائية؟!
رمقها بغضب وأجاب: قصدت أن ترتدي شيئا من ملابسي....
انتبهت لسخافتها... فابتسمت... وهي تقول: لا تسئ الفهم.... ليس الأمر وكأنني أظن أنك معتاد على مواعدة النساء في شقتك....
قاطعها قائلا: أنتِ أول امرأة تدخل شقتي يا هيلين...
لم تصدق ما تسمع....بينما أضاف: ألا ترين... أن المكان مصمم ليعيش فيه شخص واحد.... كما.... أنني... أعتبر هذا المكان منطقتي الخاصة... ولا أحب أن يتطفل عليّ أي أحد...لذا...
استوعبت كلامه ببطء... وشعرت بشيء في قلبها... إنها أول امرأة تدخل إلى شقته.... هذا يمنحها شعورا جميلا....
اتجهت إلى الخزانة... واختارت قميصا أبيض... ودخلت الحمام لارتدائه....
نظرت إلى نفسها في المرآة... إنها تبدو غريبة تماما... فالقميص واسع... ويصل إلى ركبتها تقريبا... كما أن الأكمام طويلة...
ابتسمت رغما عنها ... صدقا إنها ضئيلة جدا مقارنة به....
طوت الأكمام.... وانتابها شعور أفضل وهي تفك رباط شعرها.... حقا من المزعج لها أن يكون مشدودا طوال اليوم....
راقبت المكان جيدا... بعد النظر ... هذه الشقة تشعرها بالغرابة... فكل ما تحتوية رجالي.... وليس فيه أي أثر للمسة أنثوية... هذا يعني أنه حقا لم يسبق أن أحضر امرأة أخرى....
خرجت من الحمام بينما نظر إليها وابتسم بسخرية... تفادت النظر إليه وهي تقول: لا تكن لئيما....
أشار لها أن تقترب منه بينما قال: أنت تتصرفين كوالدتي تماما....
جلست على السرير بجانبه.... بينما أضاف: لقد كنت في السابعة عندما توفيت.... ولدي ذكريات قليلة معها... أتذكر أنني عندما كنت أمرض... كانت تسهر بجانبي ولا تترك يدي أبدا...
أمسك يدها وكانت يده واهنة بعض الشيء...فتمسكت بيده بلطف...وهي تقول: أنت محظوظ على الأقل أنت تملك ذكريات جميلة مع والدتك...حتى لو كانت قليلة على خلافي...
أسند رأسه إلى فخذها...فشعرت بالاحراج بينما قال: لقد اعتدت على النوم في حضنها هكذا....وهي كانت تداعب شعري... إلى أن أنام...
ابتسمت هيلين بحزن وهي تقول: أمي... هي نقيض والدتك تماما...
تطلع إليها... بينما أضافت: لقد كانت تريد إجهاضي... وحتى بعد ولادتي لم تعاملني بلطف يوما... وتخلت عني... وأنا في الرابعة من عمري لأنشأ وحيدة....
لمح لمعان الدموع في عينيها... فمد يده يداعب وجنتها وهو يقول: بالرغم من أنك نشأت وحيدة... وغير محاطة بالحب... إلا أنك... تفيضين...حنانا ولطفا يا هيلين....
نظرت إليه بابتسامة وداعبت شعره وهي تقول: أتساءل بخصوص ذلك... ربما أنا لطيفة معك فقط لأنك مريض... أو ربما لأنه مرت علي اوقات مرضت فيها ولم أجد أحدا ليعتني بي....
أحزنه سماع ذلك... فقبل يدها الممسكة بيده وهو يقول: أنت مختلفة عن كل اللواتي قابلتهن يا هيلين صدقا....
توردت وجنتاها.... ثم ربتت على رأسه بحنان إلى أن نال منه النعاس.... وغفت هي أيضا... وهي جالسة....
استيقظت في الصباح...لتجد نفسها نائمة... على السرير... والغطاء موضوع عليها... التفتت لكنها لم تجد نيكولاس...
ثم سمعت صوت المياه قادما من الحمام....وأدركت أنه يستحم... ربما تعرق مجددا... خرج بعد لحظات وابتسم لرؤيتها وقال وهو في كامل صحته ونشاطه: صباح الخير.... هل نمتِ جيدا؟!
بادلته ابتسامة خجلة وقالت: أجل...
نظر إليها بنظرات متفحصة وهو يرى شكلها غير المرتب وقال: ربما الأفضل... أن تأخذي حماما...
نهضت من السرير... واتجهت نحو الحمام وهي تحمل ملابسها....
بينما اتجه إلى المطبخ وشغل آلة القهوة...وهو يفكر في ليلة أمس....هو متأكد أنه لم يكن مريضا... ربما هو كا مرهقا نفسيا... من كل ما يحدث معه... لكن وجود هيلين إلى جانبه أزال عنه ذلك الشعور بالاحباط... صدقا... إنها تجعله يتعلق بها أكثر وأكثر....
خرجت من الحمام... بعد أن سرحت شعرها وارتدت ملابسها....واتجهت إلى المطبخ... جلست بينما ناولها كوبا من القهوة....وبعض الفطائر...
تناولتها ووجدت طعمها غريبا فهي خالية من السكر... وكذلك القهوة كانت مرة أيضا....
نظرت له وقالت: ألا يحتوي منزلك على السكر....؟!
ابتسم لسماع ذلك وقال: أشك في ذلك... آسف إذا كنت لا تستطيعين تناولها...
ابتسمت رغما عنها... وتناولت القهوة والفطائر.... وقد كانت تجربة غريبة بالنسبة لها... صدقا ذوقه غريب...
راقبها وهو يفكر... ثم قال: شكرا جزيلا على ما فعلته من أجلي يا هيلين....
رفعت نظرها إليه وهي تقول: لا أبدا...إنه واجبي...
أخذت الكوبين...ونظفتهما... بينما راقبها... وكثير من المشاعر داخله....
كانت هي الأخرى متوترة....وتفكر أنها بعد ليلة أمس تعلقت به أكثر... خاصة بعد أن أخبرها عن والدته...
تفاجأت به وهو يحتضنها من الخلف برفق... استدارت ناحييته وقلبها يخفق بشدة بينما همس لها: هيلين... لماذا أتيتِ إلى هنا؟!
تجنبت النظر إليه وهي تجيب: لقد قلقت عليك... فقد بدا صوتك متعبا...
لم يستطع تقبل جوابها وقال: هل تعلمين أنه بسبب تصرفك... ازدادت رغبتي بك لدرجة أنني لم أعد قادرا على السيطرة على نفسي....
أخافها سماع ذلك.... وقالت مرتعدة: أرجوك... لا تقل... أمورا متهورة كهذه... فأنت تحب الآنسة ديانا...
قاطعها قائلا: أنا لا أحبها وأنت تعلمين ذلك..
شعرت بقلبها يتسارع.... بينما قالت: حتى لو كان ذلك فأنت لا تحبني أيضا....إنها مجرد نزوة عابرة أنا واثقة...
نظر في عينيها مباشرة بينما أحنت رأسها ... وهي تشعر بتوتر شديد...
أحاط خصرها بذراعه بينما رفع وجهها باتجاهه وقال: لما لا نتأكد من ذلك...
احمر وجهها بينما أضاف: أتوسل إليك... هذه المرة فقط... لا تصديني... يا هيلين...
تسابقت نبضاتها...  وهي ترى النظرة في عينيه...  صدقا... إنه يريدها لتلك الدرجة... لكن ماذا بعد أن يقبلها..... ذلك لن يغير من حقيقة الوضع شيئا...
أخذت نفسا عميقا وقالت: حسنا... كما تريد... لكن بشرط.... أيا كان ما سيحدث هنا..سينتهي هنا....ولن نتذكره بعد ذلك..
أومأ برأسه إيجابا... واقترب منها أكثر وهمس في أذنها: أنا واثق من أن هذه رغبتك أيضا...
نظر كل منهما في عيني الآخر...  وفي اللحظة التالية... قبل شفتيها قبلة حارة.... أغمضت عينيها.... واستسلمت للمشاعر التي اجتاحتها.... صدقا... لقد كشف أمرها... إنها تحبه بجنون.... ولا تستطيع تخيل نفسها مع رجل غيره....
أحاطت ظهره بذراعيها..... وأدرك أنها مشاعرها مماثلة لمشاعره.... لكن هناك شيء ما يمنعها من إظهار تلك المشاعر... وتساءل إن كان ذلك بسبب خوفها على ديانا......
لم يرد إزعاج نفسه بالتفكير... كل ما يريده هو أن يعيش هذه اللحظات القليلة....مع هذه الفتاة التي يبدو أنها لم تستولي على عقله فحسب بل على قلبه أيضا....

تناديه سيدي الجزء1حيث تعيش القصص. اكتشف الآن