29

195 16 5
                                    

قامت "Shiri" بالمسح على رأسها من الخلف بينما تنظر الى الفتاة التي امامها وقد اصبح وجهها كحبة الطماطم من كثرة البكاء بعد ان اخبرتها بقصتها كاملةً: (اتعلمين نحن الاثنتان، نتشابه بالكثير ونختلف بالقليل)، بعد ذلك توجهت اليها وجلست بجانبها وكان نظرها متوجه الى السماء:( هل تعلمين ان حيواتنا تعتبر ككتاب مفتوح لم يكمله الكاتب بعد،  قد تعتقدين انك السبب في وفاة كل شخصية في حياتك سواء كانت تلك الشخصية لها دور رئيسي في حياتك او دور ثانوي، ولكن هذا مجرد اعتقاد خاطئ اذ اننا لا نتحكم بما سيحدث لتلك الشخصيات التي دخلت في حياتنا بطريقة ما، فلكل شخصية لها قصتها الخاصة من بدايتها الى نهايتها، وهؤلاء الشخصيات كان بيدهم تغيير بعض مجريات احداث قصتهم من تلقاء نفسهم، فكما قلت نحن عبارة عن كتاب مفتوح غير مكتمل، كان يمكننا ان نكتب فصول الذروة اين تبدأ الاحداث واين تنتهي، وفي اي فصل يجب ان ينتهي هذا الكتاب هل عندما تنتهي حياتنا او عندما نعتقد ان سير مجرى احداث حياتنا بدأ بالثبات، وايضًا يمكننا ان نختار عنوان لكتابنا هذا يحمل في طياته معنى لحيواتنا، ويمكننا حذف واضافة الشخصيات الى ذلك الكتاب متى ما رغبنا بذلك، و الان اتمنى انك استطعت فهم المغزى الذي احاول ايصاله لك، لانني سأذهب الان).

بعد انهاء "Shiri" لكلماتها تلك ربتت على كتف الفتاة الجالسة بجانبها وتوجهت الى كهف الفهود السوداء، وكانت تعلم ان التوأمتان تراقبان تحركاتها وكانت تستشعر وجودهما الا انهما لم يظهرا لها بعد، فلم تلقي لهما بالًا، اذ شعور الغضب بدا يتدفق بداخلها بسببهما، كل ما تريده الان معرفة سبب تصرفاتهما الغريبة التي لا يوجد مبرر لها، ولكن قاطع تفكيرها صوت "Sara":( هل يمكنني ان اضيفك من ضمن الشخصيات الرئيسية في كتابي؟)، لم تتوقف "Shiri" أو تلقي نظرة على الفتاة الكامنة خلفها:(انه كتابك وليس كتابي، افعلي ما يحلو لكِ، وان اردت ان اضيفك كشخصية في كتابي فستكونين شخصية ثانوية، فأنتِ هالكة لا محالة). وكانت الاجابة التي تلقتها من الاخرى هي ضحكات متتابعة.

عند وصولهن الى كهف الفهود السوداء لم يكن كما تركته سابقًا، كانت الفوضى تعم المكان وكانت الدماء منتشرة في جميع الانحاء، وجثث الفهود السوداء كانت متساقطة في كل زاوية من ذلك الكهف، وكانت جثة "Demon" ملقاة على الارض ايضًا بإهمال ولكن كانت وضعية جثته تدل على انه كان يحمي شيء ما، والجروح الكامنة على يديه وجسده تبين انه كان يقاوم بشراسة الا انه لم يستطع الصمود لوقت طويل، اتجهت "Shiri" اليه لتلقي نظرة فاحصة عليه للمرة الاخيرة وتهم للخروج من ذلك الكهف، ولكن استوقفها صوت مواء خافت، سألت "Sara" بينما تبحث عن مصدر الصوت:( هل سمعتِ ذلك؟)، اجابتها "Sara" بالنفي، بينما الاخرى تتبع مصدر الصوت، فلقد كانت على يقين انها قد سمعت صوت مواء خافت.

وبالفعل قد وجدت عوبر صغير (اسم صغير الفهد) مرمي بإهمال بجانب احدى تلك الفهود، كان ما زال في سن الرضاعة، اي ان والدته قد انجبته للتو، عندما استشعرت "Shiri" جثة والدته كانت ماتزال دافئة ومعدتها ماتزال منتفخة، فقد علمت ان البقية لم يخرجوا بعد، وكان ذلك العوبر االصغير هو الوحيد الذي استطاعت اخراجه، (هل يمكنك التحول الى هيئتك البشرية حتى استطيع مساعدتك؟)، لم تنتظر الاخرى للحظة وقامت بالتحول بينما تتنفس بصعوبة والدماء تسيل من الجروح التي ملأت جسدها، (حسنًا استمعي الي جيدًا اريد منك ان تدفعي بإقصى مايمكنك، اعلم انكِ تحتضرين الان ولكن يجب عليِك بذل ماتبقى لديك من جهد حتى يمكننا اخراج اطفالك)، جلست "Sara" بجانب رأس تلك المرأة :(هل كان يجب عليكِ اضافة ذلك الجزء في نهاية كلامك؟)، لم تلقي "Shiri" لها بالًا وبدأت بمساعدة المرأة في اخراج اطفالها، ولكن لم يكن الامر في صالحهم حيث كل ماقد خرج مجرد جثث صغيرة لا تتنفس، وكانت المرأة ايضًا تلتقط انفاسها الاخيرة.

استقامت "Sara" لتتوجه الى ذلك العوبر الصغير الذي مازال حيًا واخذته الى والدته حتى تستطيع توديعه للمرة الاخيرة، وبالفعل بدأت المرأة بالغرق في دموعها وكان صوت بكائها هو سيد المكان، (لا اريد ان اقاطع هذه اللحظات الحزينة ولكن هل يمكنك اخباري عن من هو الفعال؟)، وجهت "Sara" نظرة غضب الى ذلك الكيان الخالي من المشاعر كما تظن، ولكنها لم تنطق بكلمة اذ انها لا تريد ان تفتعل شجارًا في وقت كهذا، (التنــ..انــين هــ..ـي الــسبــب لقــد أخــ..لفـوا بوعــدهم لـ...ك)، تنهدت "Shiri" وبدأت بالمسح على رأسها من الخلف:( لم يكونوا الوحيدين الذين اخلفوا بالوعد)، سألتها "Sara" عن مقصدها بتلك الكلمات، ولكنها لم تجب بل نهضت للتوجه الى مخرج الكهف، (مــهـلًا)، استوقفها صوت تلك المرأة التي تحتضر:( هل يمكــ..ـنك الاعتنــ..ــاء بــإبنتــي، اعــ..ـلـم انهــا ستكو..ـن فـي مــأمـ..ـن مــعـ..ك)، لم تتردد "Shiri" للحظة وقامت بأخذ ذلك العوبر الصغير وهمت بالخروج.

في طريقها الى الغابة مجددًا سمعت وقع اقدام قادمة من الجهة المقابلة لها، وكانت طاقة التوأمتان تزداد وذلك يعني انهما قررا اخيرًا التحدث معها، ولكن كان الغضب يجتاحها بشدة حيث ماقد حدث للتو لتلك الفهود المسكينة بالاضافة الى السبب المجهول الذي سبب بإغضاب هاتان الاثنتان سببا حربًا شديدة القوى في داخل هذه الفتاة الصغيرة، وعند ظهور التوأمتان كانت ملامح الثلاثة لا تحتوي على اي مشاعر، فقد كانت المشاعر حبيسة بداخلهم الممزوجة بين الحب والغضب والقلق والتوتر، ولكن لم يتجرأ احد منهم ان ينطق بكلمة، وقاطع لحظة الصمت صوت "Sara" وهي تحاول ان تنده "Shiri"، لانها لم تعرف اسمها بعد:( اسمعي، اليِك ما اخبرتني به تلك المرأة قبل ان تلفظ انفاسها الاخيرة، ارادتنا ان نسمي هذه الطفلة بإسم لطالما ارادته هي وزوجها)، صمتت قليلًا تنتظر ردًا من الاخرى ولكنها لم تتلقى الاجابة كالعادة واكملت:( تريد منا ان نسميها "Liza").

بصيص املحيث تعيش القصص. اكتشف الآن