16

452 25 3
                                    

كنت اقف تحت شجرة تبعد امتار قليلة عن المكان الذي ترقد به اختي "Liza" على الارجح، كان الجميع يجهش بالبكاء والصراخ، وحتى جدي الذي كان لا يحب اظهار ضعفه امام الجميع قد انهار على الارض وهو يلوم نفسه عن اهماله للطفلتين ولم يقم بحمايتهما في وسط منزله. كان الجو يحمل شحنات الكآبة والحزن في جميع ارجاء المقبرة ولكل شخص دمعة على وجنتيه حتى وان لم يكن مقرب من اختي. كنت انظر اليهم واقارنهم بنفسي فأنا لم اذرف دمعة واحدة قط ولم اصرخ خاصة عندما جائتني "Carla" لتلقي علي بذلك الخبر الذي كما يقولون انه خبر كالصاعقة لم اتفاعل معها بل كل ما قمت به هو اكمال الاجتماع بدلاً من الغائه وامرت "Carla" بالخروج واغلاق الباب خلفها وبعد نظرات الصدمة التي بدت على وجوه المجتمعين امامي اردفت كل التعليمات والمعلومات التي اردت ايصالها لهم ومن ثم انهيت الاجتماع  وتوجهت الى "Jina" والتي كانت تحمل مشاعر القلق والخوف على وجهها: (هل انتي بخير؟) هذا كل ما استطاعت قوله بعد ان رأتني اتوجه الى معطفي معلنةً انني سأخرج متوجهة الى منزل جدي، اومأت لها كإجابة وقامت بلحاقي بعد ذلك.

لنرجع للواقع الان ولنكن صريحين ، هل ببكائهم هذا وصراخهم ايضاً ستعود شقيقتي او تنهض من قبرها وتخبرهم بإبتسامتها المعتادة انها على قيد الحياة ولا داعي لذرف الدموع بعد الان؟، اخرجت تنهيدة قصيرة وابتعدت عنهم وكانت "Jina" تراقب كل تحركاتي، هي لم تتحدث معي قط، بل فقط لازمتني وتأتي وتذهب معي اينما ذهبت، انها كظلي ولا أنكر انني قد احببت الأمر، شعور وجود ان هنالك شخص ما يحبك منذ سنوات عديدة ويكن لك مشاعر عميقة ويقلق بشأنك اثناء المحن والكرب التي قد تمر بها ويحميك بكل ما اوتي من قوة لهو شيء عظيم بحق، عند ركوبنا للسيارة جعلتها هي من تمسك بمقود السيارة واخبرتها اننا سنتوجه الى ذلك المكان والذي لا احد يعلم عنه سوانا نحن الاثنتان وبالطبع عصافير الحب "Don" و "Jack" وما نراه هناك سيبقى سر بيننا، وكالعادة لم تترد في الموافقة وقمنا بالتوجه الى وجهتنا.

في حين قيادة "Jina" الهادئة قد مرت امامي لمحة صغيرة من الذي حدث بالأمس: فعندما وصلنا انا وهي الى  منزل جدي وجدت ان الجميع في حالة انهيار وجدي كذلك بطبيعة الحال، لم القي أي اهتمام لهم وتوجهت الى غرفة الطفلتين بعد ان سألت احدى الخادمات، كانت الغرفة عبارة عن بركة دماء، لم اجد اثر لأختيّ فبالطبع ملاكي الصغير قد اختفت، ربما قام القاتل بخطفها بعد ان قتل شقيقتها، ندهت "Jina"  اسمي عند مدخل غرفة تبديل الملابس، ذهبت متوجهة اليها وقد رأيت "Liza" مستلقية على الارض والدماء ماتزال تسيل من جسدها العاري، عندما لمستها مازال جسدها دافئ، القيت نظرة على نبضات قلبها مازالت على قيد الحياة، عقدت حاجبي بإستغراب ولكني لم اتردد للحظة، حملتها وكنت على وشك الخروج من الغرفة ولكن صوت "Liza" المبحوح اوقفني:( لـ ... لا.... لا....جدي....قاتل....قاتل....جـ ..ـد....). توقفت عن الكلام لبرهة ومن ثم اكملت وشفاهها ترجف: ("Hope" مازالت هنا....خـ.....خـبئتها في درج المكتب الكـ...بــير) نظرت الى "Jina" التي توجهت بدورها الى المكتب وقامت بفتح الدرج الكبير وكانت ملاكي الصغير بالفعل في داخل المكتب وكانت نائمة مع كل تلك الاحداث.

ابتسمت ابتسامة مطمئنة ووجهت نظري الى الغيوم السوداء التي تعلن عن اقتراب امطار غزيرة ستهطل قريباً ثم وجهت نظري الى "Jina" التي كانت تخطف نظرة الي عندما تسنح لها الفرصة ومن ثم تعاود النظر الى الطريق: ( تكاثفت الغيوم السوداء معلنة عن بداية الحرب السوداء) ثم نظرت الى الامام  وكان يوجد جزء في السماء مزرق قليلاً اشرت اليه واكملت مردفةً:( وان كانت زُرقتها تحاول ان تطغي وتصفي وتشتت هذه الغيوم بإعلانها قدوم الشمس التي قد تنير هذه الحرب المظلمة والسوداء) اعدت نظري الى "Jina" :(فإن الليل قادم لا محالة وذلك سيزيد من سواد هذه الحرب) اخرجت قهقهة صغيرة:( وان ظهر القمر الاحمر فهذا سيزيد من عذوبة المياه الحمراء في هذه الحرب ومع هطول المطر خلال الحرب ستزيد صيحات وصرخات زخات المطر وهي تهطل على الارض)، صمت قليلاً واكملت "Jina" بدورها مردفةً :( وفي هطول زخات المطر تلك تتفتح زهور زنبقة العكبوت الحمراء معلنةً عن انتهاء الحرب). اسندت رأسي على الكرسي وانا انظر اليها:( كيف؟)، اجابتني:( هذه ليست المرة الاولى التي تلقين بها تلك الكلمات، واعلم ما سيأتي بعد هذه الكلمات فأنا مستعدة لكل ماقد سيحدث، فأنتي هي سيدتي وانا هنا من اجلك). بقيت انظر اليها الى ان قاطعني صوت زخات المطر، معلناً بداية الحرب حقًا.

بصيص املحيث تعيش القصص. اكتشف الآن