42

222 13 0
                                    

قامت بفتح عيناها الرماديتان ببطء لتعتاد على الضوء المحيط بها، وبدأت بإدارة رأسها لتلقي نظرة على الغرفة التي تستلقي في وسطها، وكانت أصوات الأجهزة تدوي في الغرفة، وما زالت كمامة الأكسجين على وجهها، (آه لقد استيقظتِ آخيرًا!) لفت انتباهها صوت فتاة رقيقة كانت تجلس بجانب السرير، بينما كانت تلك الطفلة الصغيرة تجلس بجانبها وتلعب في دميتها الصغيرة، (من انتِ؟) أردفت "Shiri" ذلك بينما تبعد كمامة الأكسجين عن وجهها، أبتسمت الاخرى بخفة:( بالطبع لن تتذكرينني فقد اخبرني "Lucas" بما حدث لك، لقد فقدتي الذاكرة تمامًا، انا "Sara" كنا صديقات مقربات منذ طفولتنا ولكن لم نمضي وقتًا طويلًا معًا لذلك لا توجد الكثير من الذكريات التي تربطنا ببعضنا البعض، وفي الوقت نفسه أنا أكون الذراع الأيمن لصديق "Lucas" الذي قام بمساعدتك وجلبك الى "Lucas"، وكإختصار للأمر أنا لا أعلم الكثير كل ما أعرفه هو أن والداك قد توفيا في انفجار ما في احدى القرى، ولا أعلم بباقي القصة).

أشاحت الجوهرة الرمادية بنظرها الى الطفلة التي بجانبها بينما تلاعب دميتها الصغيرة، وحاولت تذكر ما حدث بعد ان رمتها من النافذة، وأردفت "Sara" بينما تراقب نظرات الجوهرة الرمادية:(لقد قام احدى الشابان بقتل ذلك الشخص الذي أطلق النارعليك وتبين بأنه كان عشيق ذلك الشخص المدعو "Batreck"، والمضحك المبكي في الأمر كان حب ذلك الشخص للمدعو "Batreck" من طرف واحد فلم يكن ذلك الأبله يبادله الشعور، فقد كان واقع في الحب مع شخص آخر، أوه صحيح قام الشاب الآخر بحملك راكضًا لأقرب عيادة طبية ومن ثم تم تحويلك الى هذه المستشفى، بعد ان خرجتي من مرحلة الخطر بالطبع، أي معلومة اخرى تودين معرفتها؟)، لم تجب الجوهرة الرمادية على ما أردفته الاخرى وقامت بإغماض عينيها محاولةً تناسي ذلك الغضب الذي اجتاحها فجأة.

فقد كانت على مقربة شديدة من معرفة ماضيها وما يحتويه من خفايا وأسرار ولكن ما حدث قد قام بإرجاعها الى نقطة البداية، نقطة البداية تلك التي لا تستطيع التحرك منها، ما ان وجدت تلميح يقربها من ماضيها، يخبرها من اين تبدء من جديد طرأ أمر ما يجعلها ترجع الى تلك النقطة من جديد، وتتكرر تلك الأحداث وكأن العالم لا يريدها ان تسترجع ذاكرتها، وتتذكر كل ما قد حدث لها في الماضي.

(بالمناسبة تلك الطفلة اسمها "Liza" لقد صرخ والدها بذلك في وجهي، وايضًا أخبريني يا "Sara" لماذا مازلت على قيد الحياة؟ كانت تلك الرصاصة قد اخترقت قلبي بالفعل، وتلك الحروق على كتفي والضربة التي تلقيتها من ذلك الرجل، كانت كفيلة بإنهاء حياتي)، ضحكت "Sara" على ما أردفته الجوهرة الرمادية:( يبدو إنكِ لا تعلمين بوجود تلك القوى الكامنة في جسدك، لقد ورثتي من عائلتك قوى هائلة، وتم صقلها من قبل والديك، وكان لديكِ مهارات عالية واتقان جيد لتلك القوى، ولكن يمكننا ان نجيز القول بأن فقدانك للذاكرة قد انساك كيفية استخدامك لتلك القوى، ولكن جسدك ربما ما يزال يتذكر فقد قام بإستخدامها ضد طلقة النار تلك، ولا أعلم المزيد فما زال بإمكانك الحصول على تلك المعلومات العميقة من صديق "Lucas")، ألقت الجوهرة بنظرها بعيدًا عن الاثنتان بجانبها وهمست لنفسها:( أشك بذلك، فالذئب لا يهرول عبثًا).

ــــــــــــــــــــــــــ

بعد مرور أشهر قليلة منذ تلك الحادثة خرجت الجوهرة الرمادية من المستشفى بعد ان تبينت ان جميع فحوصاتها انها على خير مايرام، ولكن سيباشر الطبيب بفحوصاته لها حيث ما زالت تلك الرصاصة في قلبها، وبما انها ما تزال هناك سيقوم بالبحث عن متبرع بالقلب لها، فبقاء تلك الرصاصة في قلبها ستسبب في هلاكها. ومن خلال تلك الأشهر ايضًا قد أستطاعت الجوهرة الرمادية من توطيد علاقتها بالطفلة "Liza"و"Lucas" وزوجته، و"Sara" ايضًا مع القليل من الشكوك التي كانت تحوم حولها، وبسبب شعور الجوهرة الرمادية بالذنب لما حدث لوالدا الطفلة "Liza" ظننًا منها بأنها سبب موتهما، قررت الإعتناء بها وقد ساندها بذلك القرار زوجة "Lucas"، لطالما ارادت ان تحظا بطفل والان أصبح لديها طفلتان يمكنها الاعتناء بهما.

 كانت "Shiri" تظن بأن تركيزها على الماضي لن يفيدها بشيء، لذلك ستحرص على تركيزها بالمستقبل، فإن قامت بمطاردة ماضيها لن تستفيد من ذلك شيئًا، وبالنسبة الى الشابان  "Jack" و "Don" أستطاعا العودة الى والد "Don" وشقيق "Jack" بعد ان استطاعا العثور عليهما، واتضح للثلاثة بأن الرئيس الأكبر لم يكن يشك مطلقًا في الجوهرة الرمادية، بل كل ما في الأمر هو انه قام بملاحظة وجود شخصية جديدة بين أفراد عائلته لذلك كان شديد الحرص.

وبالفعل رحب بوجود الاثنتان بين عائلته، وساعد "Liza" و الجوهرة الرمادية على التأقلم أكثر بين تلك العائلة، وحاول اقناع "Shiri" من ان تتسع في مجالها وعملها بعد ان تتلمذت على يد ابنه "Lucas" وان تترك الأعمال الغير قانونية التي كانت تقوم بها لـ"Lucas"، خاصة بعد اتخاذها قرار الاعتناء بالطفلة يجب عليها ان تسير في الطريق الآمن، كان الأمر في البداية صعب بالنسبة لها ظنًا منها بأن والدها "Lucas" سيغضب ويحزن لتركها مجال أعماله، لكنه تركها تسير خلف الاختيارات التي تتخذها، وقد ساندتها زوجة "Lucas" بذلك ايضًا، وكانت الجوهرة الرمادية تحبذ الابتعاد عن تلك العائلة، ليس ارادةً منها بالاستقلالية، او التخلي عن تلك العائلة الرائعة في نظرها، بل شعرت بأن الخطر ما يزال يحوم حولها.

كانت الجوهرة الرمادية تشعر بهالات مشؤومة بجوارها طوال الوقت كما شعرت بهالات "Liza" ولكن تلك الهالة كانت كريهة ومشؤومة، لم تحبذها ولم تستطع التأقلم معها، لذلك لم ترد ان تضع حياة تلك العائلة في خطر، لربما كان الخطر والحظ النحس ملاصقًا بها هي والطفلة "Liza" المسكينة، لذلك قررت الانتقال الى منزل اخر بمساعدة والدها "Lucas" وجدها الرئيس الأكبر، وبالفعل بعد انتقالها لذلك المنزل لتعيش فيه هي والطفلة "Liza" لم تعد الجوهرة الرمادية تشعر بتلك الهالة بعد الان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبعد مرور السنين سريعًا دون حدوث أي تطورات ما عدا اتساع مجال عمل "Shiri"، وأصبحت ذات صيت عالي بين التجار، وتمكن زوجة "Lucas" من الحمل وقد انجبت طفلة صغيرة وقد أطلقت عليها اسم "Hope" والتي كانت اسم على مسمى، حيث بعثت الأمل في انفس العديد من الاشخاص في هذه العائلة وخارج العائلة، يمكن للمستحيل ان يحدث ويصبح واقعًا، دائمًا يوجد بصيص أمل في إحدى زوايا هذه الحياة، ليس على الانسان الاستسلام من أول خيبة امل قد يحصل عليها، ففي تلك خيبة الأمل ما يزال هناك جزء صغير يشتعل أملًا مطلقًا، ذلك الأمل الذي يحتاج الى الصبر والتحفيز، فلن ينهض ذلك الأمل من تلقاء نفسه من دون محاولات الانسان لتحفيزه والوصول اليه، ولا يمكن للانسان ان ينسى بأن الأمل هو أحد الأجزاء المهمة لتبيقه على قيد الحياة بعد الأكسجين والغذاء والماء بالطبع، فإنعدام الأمل يعني إنعدام الشغف وإنعدام السعي والتحفيز في الحياة، فسيصبح الإنسان كالتمثال لا حياه له.

بصيص املحيث تعيش القصص. اكتشف الآن