الفصل الثامن

101 7 4
                                    

كانت صورة طارق تتلاشى شيئا فشيئا فنادته بهمس:
- طارق.... طارق..
سمعت صوت كريم يناديها:  ماما.... ماما... فوقى يا حبيبتي..
فتحت عينيها ونظرت أمامها لتجد كريم هو من يمسك يدها بين يديه وهو جالس بجوارها... وان ما رأته مجرد حلم ساذج كحالها تماما..
بللت شفتيها فهى تشعر بالعطش الشديد... فأسرع كريم يناولها كوبا من الماء ويساعدها على الاعتدال قليلا وارتشاف القليل منه..
سألته بعد ان شربت: هو ايه اللي حصل...؟
ابتسم لها بحنان وقال: خضتينا عليكى..
نظرت الى ابرة المحلول الموصلة بيدها وقالت باستفهام: مين اللى علق لى المحلول ده..؟
عدل كريم من وضع الوسادة خلف ظهرها لتجلس براحة اكبر ثم ازال عن يدها ابرة المحلول وقال:
- وقعتى مرة واحدة وغيبتى عن الوعى... جبتلك دكتور
وقال ان ضغطك واطى وعلقلك المحلول ده
اومأت برأسها ثم سألته: امال آية فين...؟
قبل ان يجيبها رأت آية تدخل الغرفه وتحمل صينية عليها بعض الاطعمة والمشروبات وتقول بلهجه مرحة قدر الامكان: ايوه جاااى.... مين بينادى..
وقف كريم سريعا وحمل الصينيه بدلا منها.. فاتجهت هى الى امها وقبلت وجنتها قائله: الف سلامه عليكى يا ماما... عاملة ايه دلوقتى..
ابتسمت لها هبة وقالت: الحمدلله يا حبيبتي
وضع كريم الطعام على مائدة بجوار الفراش وقال:
- يالا يا ماما عشان تاكلى..
امتنعت هبة وقالت: مش قادرة يا كريم... ماليش نفس..
هتف بها كريم: لا... مفيش الكلام ده... الدكتور قال ان ضغطك واطى من قلة الاكل... هتاكلى يعنى هتاكلى..
نظرت لها آية برجاء وهى تضع يدها فوق معدتها وتقول: ماما.. احنا مش هناكل من غيرك... وانا خلاص والله هموت من الجوع... انا وكريم مأكلناش حاجه من الصبح..
اتسعت عينا هبة وقالت: ومذنبين نفسكم كل ده ليه..
رد كريم وهو يقدم لها شطيرة من الجبن:
- قالتلك مش هناكل من غيرك... وبعدين احنا عاملين عشا خفيف اهو..
قالت آية باستنكار: احنا عاملين...؟ انا اللى عملت على فكره..
نظر لها هازئا وهو يتناول احدى شرائح الجبن وقال :
- قال يعنى طبخت لنا... دول شوية جبن وسلقتى بيضتين..
هتفت بغيظ: واللبن وعصير البرتقان اللى قاعدت اعصر فيه ساعة عشان سعادتك بتحبه فريش..
ثم نظرت بزهو للطعام وقالت: ده كفاية رصة الصينيه لوحدها تفتح النفس..
ابتسم كريم بسماجة وقال: شاكرين افضال سيادتك..
ثم نظر لامه التى تراقبهما بابتسامه حانية وقد اسعدتها مشاكستهم التى لا تنتهى..
مال عليها هامسا: خفى بسرعة بقى... عشان مانتحوجش للي يسوى واللى مايسواش
سمعته آيه فهتفت بتحذير: بتقول حاجة يا كريم..
رفع يده وهو يقول بخوف مصطنع:
- بقول تسلم ايدك يا يويو..
افلتت ضحكة خافتة من هبه فمال عليها كريم مقبلا وجنتها وقال:
- ايوه كده... اول مرة اشوف الشمس طالعة بالليل..
قرصت هبه وجنته وقالت: بطل بكش يا واد انت..
فأشار الى نفسه بدهشة وقال:  انا بكاش..؟ الله يسامحك يا بيبو... طب والله الدنيا نورت لما ضحكتى
مش كده يا آية... آية...؟
نظر اليها فوجدها تلوك الطعام بفمها باستمتاع وتمسك احدى البيضات وهى تقشرها بتركيز غريب.. فنظرت اليه وهى تحاول الحديث بفمها الممتلئ:
- امممم... ايه... بتزعق ليه..
نظر اليها بذهول وقال: لا.. ولا حاجة... ركزى فى اللى انتى فيه... انا نفسي افهم الاكل ده كله بيروح فين... بردو مسلوعة ومعصعصة..
قالت بلا مبالاة وهى تستعد لوضع نصف البيضه التى بيدها داخل فمها وترفع اصابعها الخمسه بوجهه:
- الله أكبر... الله أكبر... افضل احسدنى واحقد عليا كده.
هز رأسه بيأس ثم اخذ كوب اللبن وقربه من هبه التى امتنعت قائله:
- كفاية يا كريم انا شبعت خلاص.
قال كريم باصرار: شبعتى ايه... ده يدوب ساندوتش جبنه... على الاقل اشربى كوبايه اللبن.
هتفت به: مش عايزه يا حبيبي... كُل انت... انت ماكلتش حاجة خالص..
نظر بحسرة الى آيه ثم الى اطباق الطعام وقال: وشكلى مش هلحق اكل حاجة خالص... يأجوج ومأجوج قاموا بالواجب..
نظرت له آية بشر وقالت: نعم...!
قال بخوف: صحة وعافية يا معلم... الف هنا..
ضحكت هبه فنظر لها بابتسامة وقرب منها الكوب مرة اخرى وقال: عشان خاطري يا حبيبتي... اشربى عشان تبقي كويسه.
شردت هبه فى وجه كريم الذى يشبه طارق كثيرا وتذكرت موقف مشابه من فترة ليست بعيدة... ففى بداية فصل الشتاء كانت قد اصيبت بنزلة برد شديدة الزمتها الفراش لعدة ايام... لم يذهب فيها للعمل حتى يعتنى بها رافضا ان يتغيب ابناؤه عن دراستهم
كانت لا تقدر على ابتلاع الطعام بسبب الاحتقان الشديد بالحلق وكان يجلس بجانبها ويحاول اطعامها اى شئ ثم يعطيها كوب من الأعشاب الدافئة ويقول نفس العبارة التى قالها كريم الآن: عشان خاطري يا حبيبتي
اشربى عشان تبقى كويسه..
اين ذهب هذا الحب... كيف تبدل... كيف تغير الى هذا الحد... كيف تركها بعد هذا العمر... بِمَ أخطأت...و لماذا يكون عقابه قاسيا هكذا..
اغمضت عينيها وقد فرت منها دمعة هاربة... تبادل كريم و آية نظرات حزينة... وضع كريم الكوب جانبا واحاط وجه هبه بيديه ومسح دموعها بانامله وقال:
- ليه الدموع دلوقتى يا ماما..
اجابت هبه باختناق: يا كريم... انا... انا وبابا...
قاطعها قائلا: احنا عارفين يا ماما... ماتتعبيش نفسك فى الكلام..
نظرت له بدهشة فاومأ برأسه مؤكدا: ايوة عرفنا امبارح
انسابت الدموع من عينيها أكثر وحاولت التحدث لكنه اوقفها وقال:
- بعدين... هنتكلم بعدين... دلوقتى اهم حاجة صحتك... عشان خاطرنا احنا..
ونظر لآيه وجد الدموع تترقرق بعينيها فأشار اليها الا تبكى أمامها لكنها اندفعت فجأه تعانق امها بشدة وتقول: عشان خاطرنا يا ماما بلاش تقلقينا عليكى تانى.
ربتت هبه على ظهر ابنتها وقالت: ماتقلقوش يا حبيبتى انا كويسه..
ثم اخرجتها من حضنها وقالت ممازحة: يالا كملى اكلك..
قالت آية بامتعاض: لا خلاص.. كريم فضل يقر عليا نفسي اتسدت..
قال كريم بدهشة وهو ينظر للاطباق الفارغة:
- الحمدلله انها اتسدت... هنشيل الاطباق سليمة.. اشربى يا ماما اللبن انا انقذته فى اخر لحظة..
ابتسمت هبة وقالت وهى تفتح ذراعيها لهما:
- مين اللي ممكن يزعل وعنده ولاد زيكم... ربنا يحفظكم ليا..
هتف كلاهما داخل حضنها: ويحفظك لينا يارب..
             ................................................

فرصة تانيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن