الفصل العاشر

104 6 3
                                    

فى الشركة كان يجلس طارق بمكتبه يتابع عمله.. دخلت اليه بيدها بعض الاوراق وقالت بجدية:
- دى الاوراق اللى طلبتها.. وبفكرك ان عندك معاد بعد ساعتين..
نظر اليها مطولا.. ثم تناول الاوراق من يدها ووضعها على المكتب ثم وقف مواجها لها وقال:
- بردو مش عايزة تقوليلى مالك... بقالك يومين بتتعاملي معايا رسمى... وحتى مش عايزة تخرجي تتغدى معايا زى كل يوم... فى ايه..؟
ردت بجمود: مفيش حاجة... عن اذنك.. انا راجعة مكتبى..
قال بانفعال: استني.. رايحة فين.. انا لسة مخلصتش كلامى..
اخذ نفس عميق ليهدئ نفسه وقال: فهمينى.. ايه اللى مزعلك..؟
نظرت له بعتاب وقالت: انت يا طارق اللى مزعلنى..
قال بدهشة واستنكار: انا..؟ امتى زعلتك..؟ اخر مرة خرجنا فيها كنتى بتضحكى وانا بوصلك..
قالت بضيق: هى دى المشكلة.. انا بخرج معاك كل يوم ومعظم وقتى معاك.. لكن انت مش عايز تاخد خطوة حقيقية فى ارتباطنا... لحد ما ماما منعتنى انى اخرج معاك تانى قبل ما يكون فى بينا حاجة رسمى..
زفر بضيق وقال: ارتباط رسمى دلوقتى ازاى بس يا رنا..
انا مطلق من شهر يادوب... ازاى اقول لولادى انى هتجوز بسرعة كدة..
قالت بعصبيه: يعنى ايه... هنفضل كده سنة مثلا لحد ما يعدى الوقت اللى تقدر تواجه ولادك فيه... طيب وانا... مفكرتش فى شكلى قدام الناس..
قال بسرعة: انا مقولتش كده... سنة ازاى بس.. هو انا لسة هستنى سنة بحالها..
ثم ابتسم وقال بلهجه حانية: يعنى انتى مش عارفة اذا كنت مستعجل ولا لأ...؟
نظرت له بعتاب وقالت بدلال: مش باين..
نظر لها بدهشة وقال معاتبا: كل ده ومش باين... ده انا مقدرتش على بعدك يومين... اعمل ايه تانى..
قالت بنفس اللوم: ايوة اضحك عليا بكلمتين... لو كنت صحيح مستعجل كنت سرعت بجوازنا من غيرحجج..
قال بتبرير: مش حجج والله.. بس عايز تعدى فترة معقولة اقدر بعدها اقول لولادى... مش معقول اكون مطلق امهم وبعد شهر اقولهم هتجوز... مش عايز شكلى يبقى وحش قدامهم... ياستى اعتبرينا مخطوبين..
قالت باصرار: بس احنا مش مخطوبين... على الاقل تعالى اطلبنى من ماما ونعمل خطوبة على الضيق..
تنهد قائلا: حاضر ياستى... حددى ميعاد مع والدتك وانا هاجى اطلبك منها... ها.. مبسوطه كده...
أومأت برأسها وابتسمت له برقة فبادلها الابتسام وقال:
- سيبينى بقى اخلص شغلى.. لان الاجتماع ده مهم جدا
قالت برقة: ربنا يوفقك يا حبيبي..
خرجت وتركته فاطلق زفرة قوية وجلس مجددا خلف مكتبه ليكمل عمله..
        .........................................................

بعد عدة ايام... كان يجلس ببيتها مع والدتها فى الموعد الذى حددته له... كان يشعر بالتوتر فى جلسته معها.. فقد استقبلته ببرود ورحبت به بشكل رسمى خالى من الود..وبالرغم من وجود رنا التى بالغت فى الترحيب به.. والابتسامة التى لا تفارق شفتيها.. الا انه لا يشعر بالراحه..
خرجت رنا من غرفة الاستقبال وعادت ومعها بعض المشروبات والحلوى لتقدمها له... فسمعت امها تتحدث اليه قائله:
- انا عرفت من رنا كل ظروفك... عرفت انك مطلق وعندك اولاد فى سن الشباب... مش شايف ان فرق السن بينكم كبير..
هتفت رنا: ماما...
قاطعها طارق وهو يقول بهدوء: استني يا رنا... والدتك من حقها تسأل فى كل حاجة.. وتطمن عليكى بالشكل اللى يريحها... ايوة يافندم.. انا فعلا مطلق وعندى ولاد فى سن الشباب..لكن مش شايف ان فرق السن اللى بينا ممكن يسبب مشكله..
رفعت حاجبيها وقالت: ١٥ سنة مش فرق كبير...؟
قال بنفس الهدوء: لا مش كبير... اذا كان الاتنين متفاهمين وعايزين بعض... ومدام رنا قالت لحضرتك على ظروفى يبقى اكيد قالتلك اننا متفقين على الجواز.
قالت بغيظ ونظرات حادة:
- وعلى كده شايف انها هتقدر تعيش مع ولادك..؟
عقد حاجبيه وقال: مين قال اننا هنعيش مع ولادى..؟
عقدت حاجبيها وقالت:
- امال هتعيشوا فين... مش انت حاليا عايش مع ولادك
انا فهمت كدة لأنهم مش فى حضانة والدتهم دلوقتى..
اجابها بحزم: ولادى فى بيتهم مع امهم.. ودى حاجة مش هتتغير..
سألته بفضول: امال انت عايش فين دلوقتى.. عندك شقة تانيه..؟
اجابها بصبر: لا مش عندى شقة تانية... انا نازل فى اوتيل حاليا... لكن طبعا هشترى شقة علشان نتجوز فيها
اومأت برأسها وقالت باستفزاز:
- وطبعا الشقة دى هتكتبها باسم رنا..
اخذ نفس عميق محاولا التحكم فى اعصابه وهو ينظر لرنا التى ترقبت اجابته وقال:
- لأ طبعا.. اكتبها باسمها ليه..؟
توترت نظرات رنا فى حين قالت امها بقوة:
- عشان تأمن مستقبلها.. ايه اللى يضمن انك ماتسيبهاش بعد ما تزهق منها او تندم بعد شهرين تلاتة. ايه اللى يضمن لي انك......
قاطعها قائلا بحزم وقد استفزته لاقصى درجة:
- حضرتك فاهمة غلط... انا مش جاى اعرض صفقة بمقابل وشروط جزائية.. انا جاى اتقدم لست حبيتها وطلبت منها الجواز ووافقت... وبعدين على فرض انى جبتلها شقة باسمها وبعد كام شهر سيبتها زى ما بتقولى. يبقى هى كده اخدت التعويض الكافى من وجهة نظرك.. بنتك فى نظري اغلى بكتير من كدة..
ضغطت رنا شفتيها وهى تنظر الى امها بغضب... فصاحت والدتها بحدة وانفعال:
- طبعا بنتي اغلى من كنوز الدنيا كلها و هى مش بيعة وشاروة... انا عايزة اعرف انت بتفكر ازاى وناوي على ايه بعد كدة... انت واحد بعت ام ولادك فى لحظة.. ايه اللى يخليني اثق فيك..
هتف بحدة: انا مبعتهاش...
زفر بقوة وحاول السيطرة على انفعاله وقال بصدق:
- ربنا العالم انا مكنتش ناوى اطلقها.. ولولا انها أصرت على الطلاق ماكنتش طلقتها... ورنا عارفة ده كويس.. ووافقت عليه..
نظرت الى ابنتها بغيظ فبادلتها هى الاخرى نفس نظرتها فى حين اكمل طارق قائلا:
- كل اللى بينى وبين ام ولادى هو الاحترام والتقدير... اما رنا.. فانا جاي اطلبها على سنة الله ورسوله مع كامل حقوقها اللى ربنا امر بيها والمتعارف عليها فى اي جواز..
اخذت امها نفس عميق وقالت:
- اعذرني يا طارق بيه... انا أم وعايزة اطمن على بنتي.. وبصراحة كنت فاكراك من رجال الأعمال اللى مش فارق معاهم الفلوس وفاكرين انهم يقدروا يشتروا كل حاجة.. وهتقولي هجيبلها شقة بكذا ورصيد فى البنك مش عارفه ايه..
قاطعها طارق باسما وقال: انا مش رجل اعمال كل سنة يروح يتجوز واحدة عجبته ويصرف عليها ملايين... انا راجل عادي جدا.. صحيح ميسور الحال لكن مش ملياردير.. وحتى مش عندى شركة ولا حاجه.. انا مجرد موظف... اما موضوع الشقة ده.. فأنا ليا تفكير قديم شوية يخلينى مقدرش اعيش فى شقة باسم مراتي حتى لو كنت انا اللى جايبها... لكن بخلاف كدة كل طلبتها مجابة.. والشبكة اللى هتعجبها انا موافق عليها..
اومأت برأسها وقالت:
- طيب يابني.. ادينى كام يوم كده وبعدين هبلغك بالرد.
رد عليها بلباقة:
- خدى حضرتك الوقت اللى تشوفيه.. ولو عايزة تسألى عني فى مكان شغلي او فى عنواني القديم.. انا معنديش مشكلة..
قالت بهدوء: ربنا يقدم اللي فيه الخير..
قام طارق واستأذن فى الرحيل وما ان ذهب حتى قالت رنا بحدة: ايه اللى عملتيه ده يا ماما... مانا قولتلك كل حاجه.. لازمته ايه اللى عملتيه ده..
هتفت امها بحدة: كل اللى قولتيه يخليني ماوافقش اصلا انى اقابله..
هتفت بنفس الحدة: ليه.. عيبه ايه.. ده انسان ناجح ومستواه المادى كويس جدا ووسيم وحتى شكله مايديش سنه خالص..
هتفت امها: كل دى شكليات مش مهمة بالنسبة لي اد ما يهمنى شخصيته واخلاقه..
قاطعتها رنا: شخصية محترمة و أخلاقه عالية وسمعته مفيش عليها غبار... عايزة ايه تانى يا ماما..
اخذت امها نفس عميق واخرجته ببطء وقالت:
- عايزة اطمن عليكي.. مش حاسة انكم مناسبين لبعض
ثم نظرت لها بعمق وقالت:
- رنا... انتى فعلا بتحبيه...؟
اهتزت نظراتها قليلا وقالت: ايوة بحبه.. وهو كمان بيحبني جدا..
هزت امها رأسها نفيا وقالت:
- مافتكرش... الاقرب انك معجبة بيه... واظن هو كمان.. اللى بينكم اعجاب اترجم غلط..
نظرت لها رنا باستنكار وقالت: ايه اللى يخليكى تقولي كده..
اجابت امها بثقة: لما قولتله انه باع مراته قبل كده.. ورد بسرعة انه مابعهاش قريت فى عينيه نظرة.. مقدرتش اترجمها غير بحاجة واحدة... ان الست دى ليها جواه مكانة صعب تكون لحد تانى..
ابتسمت رنا بسخرية وقالت:
- لو كان كلامك صح ماكنش طلقها ولا طلب يتجوزني.. اللى بينهم احترام وتقدير للعشرة وبس زى ماهو قال.. الحب بتاع الروايات والأغاني وهم مش موجود فى الحقيقة يا ماما..
هتفت امها: يمكن.. انا معرفهوش كويس عشان احكم عليه... انا بقولك احساسي وبس..
ثم ضيقت عيناها وقالت: وبعدين لما الحب وهم ومش موجود غير فى الروايات.. امال ازاى بتقولى انك بتحبيه..
زفرت رنا وقالت: ايوة بحبه.. لان مستقبلي معاه.. لأن حياتي معاه هتكون احسن.. لأنى هقدر احقق طموحي فى شغلي ومستوايا الاجتماعي هيكون افضل..
هتفت امها بعدم تصديق: كده مبقاش حب بقى مصلحة ومبقاش جواز وحياة..بقت صفقة بشروط زى ما قال..
نظرت لأمها بحدة وقالت:
- لا يا ماما... لو كانت صفقة زى ما بتقولى كنت حاولت اقرب من اى رجل اعمال.. او وافقت على حد اغنى منه من اللى اتقدمولي... لكن انا عايزة اعيش حياة كاملة مع انسان مناسب.. يحققلي طموحي من غير ما يفكر انه اشتراني بفلوسه... وطارق حل المعادلة الصعبة..
ثم اكملت وكأنها تحادث نفسها:
- طارق اهم من اى رجل اعمال.. اى حد معرض انه يخسر فلوسه... لكن طارق ثروته فى ذكاؤه.. انا اتعلمت منه كتير.. ولسه بتعلم... حققت دخل خاص بيا فى وقت قياسي من خلاله.. هيساعدنى اتعرف على ناس كتير واوصل اكتر فى شغلي... مكانتى هتعلى وانا جنبه يبقى ازاى مش بحبه..
امسكت امها كتفيها وقالت: ده مش حب يا رنا... الحب مش ممكن يكون مشروط..
هتفت بحدة: مانا حبيت قبل كدة... عملي ايه الحب يا ماما ولا نسيتي اللى حصلى..
صاحت امها بذهول: ايه اللى حصلك... جوزك كان محترم وابن حلال... وبيحبك.. وكان بيتمنى رضاكى..
صاحت بانفعال: وكان فاشل حياتى كانت هتضيع معاه ع الفاضي..
هتفت باستنكار: فاشل..؟.. هو علشان اتعرض لمشكلة فى شغله يبقى فاشل.. انتى اللى ماصبرتيش عليه..
هتفت بعناد: واصبر ليه... انا مالي ومال مشاكله.. حياتي هعيشها مرة واحدة... ليه افضل اقدم تضحيات..
قالت امها مشفقة على حالها:
- يبقى هو كمان مكنتيش بتحبيه... انتى فى الحقيقة بتحبى نفسك وبس... على العموم هو دلوقتى فى شغل احسن ومستواه بقى افضل مما كنتى معاه... وربنا رزقه ببنت الحلال..
قالت رنا باضطراب: هو... عمر.. اتجوز..؟
أومأت برأسها وقالت: ايوة اتجوز... وخلف كمان من كام شهر.. مانتى عارفة مديحة صاحبتي تبقى جارتهم... قابلتها من اسبوع وقالتلي..
اشاحت برأسها وقالت: ربنا يسعده..
هتفت امها بضيق منها: اكيد ربنا هيسعده... لانه انسان كويس ويستاهل يعيش مع ست تتحمل مشاكل الدنيا معاه... مش ست تاخده على الجاهز..
نظرت لها رنا بسخرية وقالت:
- مشكلتك يا ماما انك مثالية زيادة عن اللزوم.. الحياة مش كدة... انتى عارفة... طارق حكالي انه مر بظروف صعبة وان مراته اتحملت معاه حاجات كتير لحد ما وصل للى هو فيه دلوقتي... واهو فى الاخر سابها ودور على واحدة اصغر واحلى يعيش معاها حياته... عرفتى بقى الدنيا ماشيه ازاى... هى ضحت وتضحيتها راحت على مفيش..
مطت امها شفتيها وقالت: الزمن هو اللى هيجاوبك على كلامك... وانا ست كبيرة... عشت كتير وشفت كتير... ومتأكده ان مفيش حاجه بتروح على مفيش..
هتفت رنا: خلينا فى موضوعنا يا ماما.. انا مقتنعة بطارق وعارفة انى هكون مبسوطه معاه... ارجوكي بلاش توقفي فى طريقى..
قالت امها بقلة حيلة: انا مقدرش اقف فى طريقك يا رنا ولا اقدر امنعك.. انتى كبيرة كفاية انك تاخدى قراراتك بنفسك.. انا نصحتك وانتى حرة..
      ..............................................................

فرصة تانيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن