الفصل الثاني عشر

133 6 1
                                    

ابتسم طارق وهو يضع فنجان القهوة بعد تناوله وقال:
- تسلم ايدك يا كريم... القهوة مظبوطة جدا..
ابتسم كريم وقال: بالهنا يا بابا... ماما كمان بتحب تشربها من ايدي..
نظر طارق لهبة وقال بود:
- لا... بس القهوة بتاعة ماما حاجة تانية... زى الاكل تمام... محدش يعرف يعمله زيها... انا بقالي كتير ماكلتش اكلة حلوة بالشكل ده..
هتفت آية بمرح: ازاي بس يا بابا... ده انت نازل فى اوتيل كبير وأكيد الشيفات هناك ممتازين وأكلهم حلو..
نظر اليها وقال:
- بردو مش زى اكل البيت يا آيه... البيت حاجة تانية..
ثم اعاد النظر الى هبة وقال باسما:
- تسلم ايدك على الغدوة الحلوة دي..
ردت هبه بهدوء: تسلم.... بالهنا والشفا..
اطال النظر اليها ثم وضع يده فى جيبه واخرج بطاقة الفيزا الخاصة بها ووضعها أمامها على الطاولة وقال:
- خدي قبل ما انسى..
نظرت اليها ثم رفعت عينيها اليه وقالت:
- احنا مش اتكلمنا فى الموضوع ده قبل كده وقفلناه..؟
قال طارق باستعطاف:
- انا جاي اديهالك بنفسي... معقول تكسفيني..
قالت هبه بحسم: اسفة يا طارق... زى ما قولتلك قبل كده... الموضوع ده غير قابل للنقاش..
اخذ نفس عميق ثم قال:
- انا سيبتك الفترة اللى فاتت لحد ما تهدى... ممكن دلوقتي نتكلم بالعقل... تقدري تقوليلي بعد الفلوس اللي معاكى ما تخلص هتعملي ايه..؟
قالت ببساطة: هشتغل..
نظر لها بتعجُب وقال بسخرية:
- وهتشتغلي ايه بقى ان شاءالله... هتقدمي طبق اليوم ولا هتشتغلى مساعد شيف فى مطعم..
احتقن وجهها بشدة وشعرت بالإهانة من حديثه... هى بنظره لا تصلح لشئ سوى المكوث بالبيت واعداد الطعام... حاولت السيطرة على اعصابها وقالت بهدوء:
- رغم انها مهنة محترمة والشيفات دلوقتى بينافسوا نجوم الفن والرياضة ولهم معجبين... لكن لا يا طارق... مش هشتغل مساعد شيف ولا هقدم طبق اليوم... هدور على شغل فى اى شركة بشهادتي... ولا انت ناسي ان معايا بكالوريوس تجارة..
ابتسم بسخرية وقال:
- ومتصورة ان البكالوريوس بتاعك ده هيشغلك من غير خبرة وبعد عشرين سنة فى البيت... اذا كان الخريجين مش لاقيين شغل... مين اللى هيشغل واحدة عندها ٥٠ سنة..
مرة أخرى يجرحها... يصر ان يذكرها انها اصبحت عجوز لا تصلح لشئ... لم يكن ابدا فظا هكذا... هل اصبحت اهانتها تسعده..؟.. لكنها لن تتركه يهينها اكثر..
نظرت اليه بحدة وقالت:
- انا عمرى ٤٦ سنة مش ٥٠ لو كنت ناسي... اما بقى مين ممكن يشغلني فدي مسألة رزق ربنا هو اللى بييسره للناس وبيسبب الاسباب... وانا هحاول وهدور وان شاءالله هلاقي..
ضغط على أسنانه بغيظ ثم نظر الى كريم الذى كان يتابع الحوار هو وآية بصمت وقال:
- ما تقول حاجة لمامتك يا كريم... فهمها ان سوق العمل بيطلب مواصفات معينة والدنيا مش بتمشي فيه بالنوايا الحسنة..
اخذ كريم نفس عميق وقال بتعقل:
- بابا عنده حق فى النقطة دى يا ماما... الشغل محتاج مقومات معينة والمؤهل لوحده مش كفايه... على الاقل لازم يكون معاكي كورسات فى الكمبيوتر واللغة بجانب المؤهل ده لو هنتغاضى عن موضوع الخبرة..
نظرت هبه الى كريم وقالت:
- تمام انت ممكن تساعدني فى ده... بحكم دراستك انت عارف ايه الاماكن اللى ممكن اخد فيها كورسات معتمدة وتساعدنى فى موضوع الشغل..
قال كريم بتفكير:
- ايوة بس الكورسات دى هتبقى كتيرة لانك هتبدأي من الاول... وعشان توصلي لمستوى معين يبقى مناسب للشغل ده هياخد منك وقت ومجهود كبير..
قالت باحباط: يعني مفيش مكان اقدر اخد فيه كورسات مكثفة تفيدنى بسرعة..؟!
ابتسم كريم وقال:
- مش عيب يبقى ابنك مهندس كمبيوتر قد الدنيا وتسألى سؤال زي ده..
ابتسمت هبه وقالت بأمل: يعنى انت تعرف مكان مش كده..
اجابها كريم: اعرف اماكن كتير... بس مش ده قصدي... انا اقصد انى هدربك انا هنا.. وهأهلك للهاي ليفل... وبالشكل ده تقدري تاخدي الكورس النهائي عشان يبقى معاكي شهادة تثبت انك حاصلة على كورس عالي فى الكمبيوتر... وبيها تقدري تقدمي فى اي شركة..
اتسعت ابتسامة هبه وقالت:
- بجد يا كريم... يعني انت اللى هتعلمنى وتدربني على كل حاجة..
ابتسم كريم وقال بتأكيد: ايوة... وهفضل معاكي لحد ما تجتازي الهاي ليفل كمان..
هتفت آية بحماس:
- واذا كان على اللغة.... انا كمان ممكن افيدك فيها... انتى اصلا الانجلش بتاعك كويس... محتاجة بس تركيز على تركيبات الجمل ومع حصيلة كلمات هتبقى بتتكلمي كويس جدا... وبردو ممكن تاخدي كورس الهاى ليفل ويبقى معاكى شهادة فيه.
صاح طارق بحدة:
- ده بدل ما تقنعوها تصرف نظر... بتشجعوها على الجنان اللى بتقوله.. ولا كلامي بالنسبة لكم مالهوش قيمة..
ثم وقف وقال بغضب:  انا مش موافق على الكلام الفارغ ده... مفيش شغل يا هبه..
تبادل كريم وآية نظرات متوتره فى حين وقفت هبه امامه وقالت بتحدي:
- وانا ماطلبتش رأيك يا طارق..
اتسعت عينا طارق بذهول وقال:
- يعنى ايه... رأي عندك مش مهم... من امتى بتعملي حاجة من غير موافقتي..؟
قالت بقوة وهى تنظر فى عينيه بنفس التحدي:
- من يوم مابقيت حرة... انا حرة يا طارق اتصرف زي ما انا عايزة... وموافقتك فعلا ماتهمنيش... انت فقدت الحق ده..
نظر لها بصدمة وتلجم لسانه فلم يستطع النطق... ضغط على أسنانه وهو ينظر لها ولأبنائه بحدة وغضب.. ثم اخذ متعلقاته من فوق الطاولة وغادر صافعا الباب خلفه بقوة..
اخذت نفس عميق واخرجته ببطء وهى تعاود الجلوس وتنظر لكريم وآية وترى الارتباك والتوتر جليا على ملامحهما فقالت بهدوء:
- مش عايزاكم تتضايقوا من اللى حصل... المواجهة دى كانت لازم تحصل وانا كنت مستعدة ليها... بس مكنتش فاكرة انه هيتعصب كده ولا هيتصدم من كلامي... خصوصا انه فاهم الوضع بقى ازاي..
قالت آية بتردد: يمكن لأنه شايف ان ده وضع مؤقت يعني... وانكم ممكن ترجعوا لبعض..
هتفت هبه بحدة: الوضع ده مش مؤقت يا آيه... ومفيش رجوع بينا خلاص..
قالت آية باستعطاف: ليه يا ماما... انتوا طول عمركم بتحبوا بعض... ليه قافلة الموضوع بالشكل ده... وليه مش عايزة تقوليلنا..
اغمضت هبه عينيها محاولة السيطرة على انفعالاتها وقالت: مفيش داعي للكلام فى الموضوع ده يا آيه... اللى حصل حصل وخلاص... خلينا نتكلم فى الجاي..
هتفت آية:  بس يا ماما...
قاطعتها هبة قائله: مفيش بس... وقوليلي.. انتى فعلا ممكن تساعديني اتحسن فى اللغة ولا دى عزومة مراكبية..
تنهدت آيه وقالت: لا طبعا مش عزومة مراكبية... انا اقدر اوصل معاكي لمستوى كويس... ولو حابة تتعلمى الماني كمان معنديش مانع..
ابتسمت هبة وقالت: لا... كفاية عليا الانجلش دلوقتى..
ثم نظرت الى كريم وقالت: وانت يا باشمهندس... هتبدأ معايا من امتى..؟
ابتسم كريم وقال: لو تحبي من بكرة..
اومأت برأسها وقالت: احب جدا... انا مش عايزة اضيع وقت اكتر من كده..
              ......................................................

فرصة تانيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن