الفصل التاسع

96 6 4
                                    

مرت عدة ايام انشغل خلالها كل بعمله ودراسته..
رنا مع طارق اغلب الوقت.. بالعمل وخارج العمل.. لا تفارقه الا مساءً يوصلها الى بيتها ويذهب هو الى الفندق.. يوم العطلة اتصل بكريم واتفق معه ان يقابله هو وآية بالنادى فقد اشتاق اليهما .
اما هبه فلا تخرج من البيت ولا تحاول الاتصال بأحد
الى ان اتاها اتصال هاتفي من صديقتها (صفاء) التى استمرت صداقتها بها حتى بعد ان تركت العمل..
ردت هبه بلهفة: صفاء... حمدالله على السلامه... رجعتى امتى من السفر...؟
اجابت صفاء بنفس اللهفة:
- لسة راجعه من يومين.. المهم طمنيني عليكي.. انتى كويسة... وايه اللى حصل بينك وبين طارق ده... ازاى اتطلقتوا...؟
صمتت هبه وشعرت بغصة بحلقها وقالت بصوت مختنق: النصيب يا صفاء
سألتها صفاء باستنكار:
- نصيب ايه... انا مش فاهمه حاجه... اسمعى... الكلام مش هينفع فى التليفون... انا جيالك.. الاول فى حد عندك..
اجابت هبه: لا... الولاد فى كلياتهم لحد آخر النهار..
فقالت صفاء: خلاص.. مسافة السكة واكون عندك.. سلام..
بعد قليل كانت صفاء تدق جرس الباب.. وما ان فتحت لها هبة حتى عانقتها بقوة وكأنها كانت بحاجة لهذا العناق... اغمضت صفاء عينيها بحزن وقد شعرت بما تشعر به صديقتها من الم.. فأخذت تربت على ظهرها برفق... خرجت هبه من حضنها ثم جذبتها للداخل وهى تقول:
- وحشتيني اوي يا صفاء... ايه يا بنتى.. هو اللي يسافر يعمل عمرة يغيب كل ده..
وضعت صفاء حقيبة يدها وحقيبة اخرى كانت معها وجلست مقابل هبة وقالت:
- اعمل ايه فى حسام اخويا... اول ما عرف ان انا وشريف طالعين عمرة.. صمم اننا نقعد عنده شويه.. ما انتى عارفة بقاله سنين مش بينزل وما صدق اننا نروح فمسك فينا وعمل الاجراءات المناسبة لزيارة.. وبصراحة هو كمان كان واحشنى اوى هو وولاده..
ابتسمت هبة وقالت:
- ربنا يخليكم لبعض.. كويس انك قعدتى معاهم شوية وشبعتى منهم... الفرقة صعبه.. ده انا لو محمود لو محمود غاب عني شوية بتجنن.. الله يكون فى عونك..
تنهدت صفاء وقالت:
- شغله بقى هنعمل ايه واهو احنا بردو بنتكلم فيديو كول وبنتواصل على قد ما نقدر...
سيبك من الكلام ده... ايه اللى حصل بينك وبين طارق..
وازاى وصل للطلاق..؟
ابتلعت هبه ريقها وقالت بحزن: انتى عرفتى منين..؟
اجابتها صفاء: بعد ما رجعت بيوم... كلمت هدى مرات احمد اخو جوزك... كانت موصيانى على حاجات اجيبها لها من هناك... وجات زارتنى امبارح عشان تاخد حاجتها واحنا بنتكلم بسألها عنك.. قالتلي اللى حصل.. مكنتش مصدقاها وسألتها طب ليه... وازاى محدش قدر يحل المشكلة بينكم وسابوها توصل للطلاق..
قالتلي محدش يعرف ايه اللى حصل.. هبه رفضت اى كلام فى الموضوع وقالت ايا كان السبب فهو يخصنا احنا الاتنين وبس..
نظرت لها هبه بحزن وقالت:
- فعلا انا قلت كده..
مطت صفاء شفتيها وقالت:
- بس مش هتقوليلى انا كده..
تنهدت هبه وقالت: هيفيد بايه يا صفاء.. خلاص النصيب حكم وخلاص..
عقدت صفاء حاجبيها وقالت:
- نصيب ايه ده اللى يفرقكم بعد العمر ده كله.. وبعد الحب اللى كان بينكم... لو مكنتش اعرف طارق كويس.. كنت قولت انه خانك..
وكأنها لمست وتر حساس لديها بكلمتها.. فما كان من هبه الا ان نظرت الى الاسفل واغمضت عينيها بألم وقد انسابت منها الدموع..
اتسعت عينا صفاء وقامت بفزع وجلست بجوارها وهى تقول غير مصدقة:
- لأ.. مستحيل... طارق...؟ لأ..لأ مش ممكن يعمل كده... انتى متأكده..؟
هزت هبه رأسها نفيا وقالت بصعوبة:
- لأ يا صفاء... ماخاننيش..
زفرت صفاء بقوة وقالت بصبر:
- امال ليه بتعيطى بالشكل ده... وايه اللى حصل بينكم.
قالت هبه بصوت مختنق: خلاص يا صفاء.. اصلا اى كلام مش هيفرق..
هتفت صفاء: لأ.. هيفرق.. وضعت يدها على كتفها باحتواء واكملت:
- هيفرق معاكى انتى.. خرجيه من جواكى يا حبيبتي عشان تستريحى... فضفضي واللى تعبك نشيله سوا... ده احنا أصحاب عمر... فضفضي يا حبيبتي..
مسحت هبه دموعها وقالت بحزن:
- اقولك ايه يا صفاء... انا لحد دلوقتي.. والله ما مصدقة اللى حصل..
قالت صفاء مستفهمة: طيب مين اللى غلط فى حق التانى..
قالت هبه بتيه: مش عارفه... صدقيني مش عارفه... من يومها وانا بسأل نفسى... نفس السؤال.. ياترى انا غلطت لما فضلته على نفسى واديت كل اهتمامى ليه ولولادى ومهتمتش بنفسى اد اهتمامى بيهم... ولا هو اللى غلط لما نسى كل اللى بينا واللى عشناه مع بعض وقدر يستبدلنى بواحدة تانية..
اتسعت عينا صفاء وقالت بذهول:
- واحدة تانية... امال ازاى بتقولى انه ماخنكيش... انا مش فاهمه حاجه..
أومأت هبه برأسها وقالت بتأكيد:
- هو فعلا ماخننيش... جه وقالى..
قامت صفاء وجلست بمقابلها مرة اخرى وهى تضع يدها فوق رأسها وتقول:
- لأ... براحة عليا... واحدة واحدة كده وفهمينى ايه الحكاية..
تنهدت هبه بألم وقالت بشرود:
- من فترة وانا حاسة انه متغير... دايما سرحان.. واحيانا عصبى.. مفيش حاجة بترضيه.. كل ما احاول اسأله يقولى مشاكل فى الشغل.. بقيت احس انه بعيد.. حتى وهو معايا.. باله دايما مشغول.. فكرت فى كل حاجة ممكن تكون سبب فى حالته دى.. ولما خطر فى بالى انه يمكن فى حد تانى فى حياته.. استبعدت الفكرة وانا متضايقه من نفسى وبقول بثقة: مستحيل.. طارق مش ممكن يعرف حد عليكى ولا قلبه يميل لغيرك..
اكملت بسخرية مريرة: كانت ثقتى فيه اكبر من ثقتى فى نفسى... مكنتش اعرف انه عاملى مفجأة.. وان ده اللى حصل فعلا..
نظرت لها صفاء بصدمة ولكن لم تحاول مقاطعتها.. تركتها تتحدث بحريه وتخرج كل ما يؤلمها..
اكملت هبه حديثها:
- فى يوم رجع بدرى من الشغل.. وقتها الولاد كانوا فى رحلة مع الجامعة للاقصر واسوان لمدة أسبوع..
دخل وفضل قاعد سرحان.. وبعدين قاللى انه محتاج يتكلم معايا..
* فلاش باك *
                                      ...................................
ردت هبه قائلة:
- ياريت... انا من بدرى مستنيه انك تتكلم وتعرفنى مالك..
نظر اليها طارق بتردد وقال بلهجه مترجيه:
هتكلم يا هبه.. بس قبل ما اتكلم عايزك تسمعينى كصديقة مش كزوجة..
نظرت له باستغراب وقالت: طول عمرى بسمعك كصديقة وحبيبة مش بس زوجة... ايه اللى هيتغير دلوقتى..؟
ابتلع ريقه وقال: لكن المرة دى عايزك تسمعينى كصديقة وبس..
شعرت بانقباض قلبها لكنها حاولت تجاوز الامر ورسمت بسمة على شفتيها وقالت:
- حاضر... انا سامعاك... قولى ايه اللى مغيرك..
كانت نظراته بكل مكان الا عينيها وكأنه يتحاشى النظر بداخلها.. وكانت لهجته مضطربة وهو يتحدث قائلا:
- من فترة وانا عايز اتكلم معاكي بس مش عارف ابدأ ازاى.. واقولك ايه.. انا نفسي مستغرب اللى حصلى ومش عارف حصل ازاى..
انتى عارفة مكانتك عندى.. وعارفة انى مقدرش اتسببلك فى اى حزن او الم.. لكن غصب عنى.. غصب عنى لاقيت نفسى بتشدلها.. برتاح وانا بتكلم معاها.. ببقى مبسوط لما بشوفها....
نظرت له بصدمة وقلب يخفق الما بشدة وانفاس متسارعة... لم تسمع باقى حديثه وهى تفكر فيما قال... ماذا يعنى.. انه مشغول بأخرى.. هل هذا سبب تغيره معها...
لكن مهلا... ربما جاء نادما.... يعتذر عن مجرد تفكير عابر بامرأة اخرى وقد فاق منه.. لكنه يؤنب نفسه على مجرد التفكير ويعتبره خيانة...
حسنا.... يكفى اعتذاره هذا... لن تلومه وتوبخه... ستخبره أنها تسامحه... نعم... ستحتويه وتتجاوز هذه الازمة معه... لن تضحى بالحب بينهما وبالعمر الذى عاشاه معا من اجل نزوة... هو بالنهايه بشر ولم يخطئ سوى بمجرد تفكير.. واحساس واهى مؤقت وقد فاق منه... هتفت محاولة اسكاته عن الحديث الذى لم تسمع باقيه: يا طارق... انا....
فاجأها وهو ينظر الى عينيها ويقول بحسم:
- انا هتجوز يا هبه..
تجمدت ملامحها وعلت الصدمة وجهها وشعرت بالاختناق الشديد... ماذا قال... ماذا يعنى... لم يأتي معتذرا كما ظنت.. وليس نادما على شئ... لقد اتاها حاسما امره... متخذا قراره... يا الله... كم هى ساذجة.. حمقاء... قالت بصعوبة بالغة: هت...تتجوز..؟
نظر اليها فوجد كل معانى الالم والذهول والصدمة تتجسد بملامحها..
فقال مبررا بتعب: صدقيني حاولت... حاولت ابعد... حاولت ابطل تفكير فيها... بس مقدرتش... غصب عنى مقدرتش... انا.. انا بحبها..
وكأنه شطر قلبها نصفين بكلمته هذه... فوجدت نفسها تضع يدها فوق صدرها وتخرج منها آه الم وتقول بصراخ وسط دموعها المنهمرة:
- بتحبها...؟ وانا...؟ انا ايه بالنسبة لك... مش كنت دايما بتقول انى حب عمرك... ان قلبك ليا ومستحيل يكون لحد غيرى... ايه اللى حصل... ايه اللى انا قصرت فيه...
ايه اللى كنت محتاجه ومقدرتش اديهولك... بعد كل العمر اللى بينا لسه بتحب من جديد يا طارق..
اغمض عينيه بألم وقال:
- عمرك ماقصرتي... طول عمرك زوجة اصيلة وام عظيمة.. بس انا... المشكلة فيا انا... غصب عنى.. محدش بيتحكم فى مشاعره ومفيش على القلوب سلطان..
رددت كلماته هازئه: مفيش على القلوب سلطان...؟
وكمان مفيش قلب بيساع اتنين... وعشان تكون بتحب.. يبقى حبك ليا كان ايه.. وهم..؟
صاح بانفعال: كان حقيقة... لكن ادارت ورا سنين الشقى والتعب.. والجرى ورا لقمة العيش... سنين وانا بلف فى ساقيه وبتبهدل من مكان لمكان علشان بس اقدر اوفر الاحتياجات الاساسية لولادى من غير ماقدر اجبلهم اللى نفسهم فيه... ولما ابتديت ارتاح وقدرت اعوضهم عن كل سنين التعب والحرمان... اكتشفت اني كبرت.. وان اجمل سنين عمرى راحت فى الشقا... من حقى اعيش.. واخد من الدنيا اللى اتحرمت منه..
نظرت له بذهول غير مصدقة وقالت:
- ايه هو اللي اتحرمت منه... رغم سنين الشقا والتعب اللى بتقول عليها.. احنا كنا راضيين وسُعدا عشان مع بعض... ولادك ماكنوش حاسين بحرمان لمجرد وجودك انت معاهم... بيتنا صحيح كان ناقصه كتير لكن مليان حب ودفا... وعلشان كده ولادك طالعين ناجحين وشبعانين وكل الناس بتحلف بأخلاقهم....
ودلوقتي بعد ما استقرينا وامورنا اتحسنت.. انت لسة عايز الاكتر... ايه هو اللى اتحرمت منه وعايز تعوضه..؟
اجابها بانفعال:
- شبابى... عمرى اللى راح.. مش عايز باقى عمرى يعدى وانا بتحسر عليه..
هتفت بألم: وطبعا احساسك ده بيزيد كل ماتبص فى وشى وتشوف عليه ملامح الزمن..
اشاح بوجهه وقال:
- احنا الاتنين كبرنا... يبقى على الاقل نساعد بعض ان كل واحد فينا يوصل للى يرضيه ويسعده..
مسحت دموعها بكلتا يديها وهى تنظر له بخذلان وقالت: عندك حق... انت وصلت للى يريحك.. فاضل انا..
قال بتوجس: قصدك ايه...؟
اجابت بحزم: طلقنى..
هز رأسه نافيا وقال برفض تام:
- لأ... مفيش طلاق..
اكتسب صوتها قوة وهى تقول:
- مش من حقك... ده قرارى انا.. وانت هتنفذه..
هز رأسه مرة اخرى وقال مترجيا:
- لا يا هبه... انا مقدرش استغنى عنك... اطلبى اى حاجه تانيه وانا مستعد انفذها فورا... الا الطلاق.. ارجوكى..
ردت من بين دموعها التى لم تتوقف عن الانهمار:
- ارجوك انت يا طارق.. نفذلى رغبتى.. انت خلاص قدرت تستغنى عنى لما قررت تستبدلني بواحدة تانية..
نظر الى عينيها فوجد نظره لم يستطع ابدا مواجهتها...
اخفض عينيه بخزى وقال: طيب... طيب والولاد..؟
اجابته مستفهمة: مالهم... الولاد كبروا خلاص... وهيقدروا يستوعبوا... ولو قصدك هيعيشوا مع مين فينا... فأنا مش حاضنة ليهم دلوقتى.. ولو تحب تعيش معاهم.. فانا ممكن....
قاطعها بسرعة وحسم: لا طبعا.. ده بيتك وبيت ولادك ودى حاجة مش هتتغير... انا قصدى ازاى هنقولهم..
ابتسمت بسخرية وقالت:
- هنقولهم سوا... زى ما تعودنا نشاركهم فى كل قرار سوا... بس مش هنقول السبب..
قال بتلعثم: امال.. هنقول ايه..
ردت بحسم: مش هنقول غير اننا اتفقنا على كده... ومش قادرين نعيش مع بعض كزوجين... السبب يخصنا احنا الاتنين وبس..
بس ياريت ماتممش جوازك الا بعد طلاقنا بفترة كافية..
انا مش عايزة ولادى يتصدموا فى ابوهم.. ولا يعتبروه خاين..
قال لها بحزن: انا ماخنتكيش يا هبه... انا جيت اتكلمت معاكي لانى بحترمك وبقدرك..
قالت بجمود: وانا متشكرة جدا... بس هما لسه ماكبروش للدرجه... ولا فهموا الدنيا... واللى ممكن انا افهمه.. صعب هما يفهموه..
اومأ برأسه وقال: انا هسيب البيت اليومين دول... هسيبك براحتك تفكري.. وياريت تغيري رأيك بخصوص الطلاق... وصدقيني.. انا هفضل معاكم ومش هقصر نحيتكم..
نظرت اليه بجمود وقالت: مش هغير رأيى يا طارق.. لما يرجعوا الولاد هكلمك عشان تيجي ونتكلم معاهم سوا..

فرصة تانيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن