الفصل العشرون

98 7 2
                                    

دخل عاصم الشركة بهيبته المعتادة وابتسامته الجذابة وما ان مر بمكتب هبه المؤدي الى مكتبه حتى اختفت ابتسامته.. وقف قليلا ينظر الى مكتب هبه الفارغ وشعر بضيق لعدم وجودها...فمنذ ما يقرب من شهر وهو يراها كل يوم..صحيح انها استأذنت منه الأسبوع الماضي انها ستتأخر عن موعدها لساعتين بهذا اليوم وهو سمح لها.. لكنه الان يشعر بالضيق فقد اعتاد ان يراها قبل الدخول لمكتبه.. دخل مكتبه وتبعته سها التى قالت باحترام:
- مدام هبه رتبت مواعيد سيادتك وطلبت منى اكون موجودة بدالها لانها هتتأخر شويه..
اومأ برأسه وقال وهو يجلس خلف مكتبه:
- ايوه يا سها.. هى بلغتني..
بدأت سها بسرد جدول مواعيد اليوم.. لكنه كان بمزاج سيئ فقاطعها قائلا:
- خلاص يا سها...اتفضلي انتى على مكتبك ولو احتجت حاجة هاطلبك..
هتفت باستغراب:
- فى حاجة يا عاصم بيه...حضرتك تعبان ولا حاجه..
قال عاصم باختصار:
- عندي صداع مضايقني..
هزت رأسها متفهمة وقالت:
- طيب تحب اجيب لحضرتك مسكن..
قال بهدوء: لأ.. اطلبيلي قهوتي بس.. واجلي اي حاجة دلوقتى..
قالت سها باحترام:
- حاضر يا فندم..
خرجت سها وفتح عاصم جهاز الحاسوب الخاص به وبدأ فى متابعة عمله محاولا التركيز فيما يفعل..
    ..................................................................

فى المطار....
- كفاية يا ماما عشان خاطري... بلاش تبقى دموعك اخر حاجة اشوفها..
هتفت آيه بهذا وعيونها تلمع بالدموع تأثرا ببكاء هبه الشديد..
قالت هبه وهى تحاول الكف عن البكاء:
- خلي بالك من نفسك... واوعي تثقي فى حد.. انتى هناك لوحدك...خلي علاقاتك دايما فى حدود... وكمان تحركاتك تبقى محسوبه... بين الجامعة والسكن واقرب ماركت ليكي.. بلاش تغامري وتروحي اماكن ماتعرفيهاش..
ابتسمت آيه وقالت بقلة حيلة:
- حاضر يا ماما...انتي بقالك شهر بتوصيني... فهمت والله..
اكملت هبه بحنان : وكلي كويس.. وبلاش تعتمدي على اكل الشارع طول الوقت عشان ماتتعبيش...اعملى انتى اكلك بنفسك..
قال كريم بمرح:
- لا اطمني...هى فى موضوع الأكل ده مش محتاجة توصية..
قالت آية بحنق مصطنع:
- طبعا انت مبسوط عشان مش هتلاقي حد ترخم عليه
هتف كريم بسماجة:
- لأ مبسوط عشان هلاقى حاجة اكلها..
لكزته آيه بكتفه وقالت بغيظ:  رخم..
اقترب منها وعانقها قائلا بحب:
- هتوحشيني اوى يا يويو... اوعي تنسي تكلمينا كل يوم زى ما اتفاقنا..
ابتسمت آيه وهى تبادله العناق وتقول:
- انت كمان هتوحشني... متقلقش كل يوم هنتكلم فيديو..
خرجت من عناق اخيها فاحتضنها طارق وهو يقول :
- اول ما توصلي بالسلامة تشتري خط تليفون وتشغليه على اعلى باقة وتتصلي بيا على طول تطمنيني..
هزت رأسها وقالت:
- حاضر يا بابا..
اخرج طارق من جيبه ظرف اعطاه لآيه وقال:
- انا غيرتلك المبلغ ده باليورو عشان تقدري تستخدميه هناك...وبكرة ان شاءالله تفتحي حساب فى البنك وتحطي فيه جزء من المبلغ ده..وابعتلي رقم الحساب عشان اقدر احولك عليه بسهولة..
ابتسمت آيه وقالت :
- حاضر يا بابا...بس ده مبلغ كبير..أكيد هيكفي لفترة طويلة..وكمان الجامعة هتبعتلي تحويل كل شهر وكمان معايا جزء من فلوس المنحة..
ربت طارق على وجنتيها وقال:
- خلي معاكي بزيادة...الحياة هناك غالية.. وان شاءالله فى اقرب وقت هتلاقيني عندك..
عانقته بحب ثم التفتت الى هبه وعانقتها بشدة وقالت:
- عشان خاطري اهدي ومتخافيش عليا..وانا هكلمك كل يوم واطمنك..
قالت هبه بلهفة ام:
- ربنا يحميكي ويحفظك... توصلي بالسلامة...وترجعي بالسلامه يا قلبي..
وقفت امامهم آيه وابتسمت وهى تمسح دموعها وتقول:
- لا إله إلا الله..
هتفوا بصوت واحد:
- محمد رسول الله..
اتجهت آيه لانهاء إجراءات السفر... وما ان اختفت حتى اجهشت هبه بالبكاء من جديد.. ربت كريم على كتفها وقال:
- كفاية يا حبيبتي..هى مش رايحة تحارب..
قالت هبه من بين دموعها:
- خايفه عليها اوى يا كريم..
قال كريم بثقة:
- ماتخافيش يا ماما..دى تربيتك..
نظر لها طارق بتعاطف وتمنى لو يستطيع ان يضمها هو ويحتوي حزنها هذا بين ذراعيه...اخرج منديلا واقترب منها وهو يقول بحنان:
- كفاية عشان خاطري.. انتى عارفه اني مش بستحمل دموعك..
رغما عنها ارتسمت ابتسامة ساخرة على جانب شفتيها.. اخذت منه المنديل ومسحت عينيها وانفها وهى تحاول الكف عن البكاء دون جدوى..
فهتف كريم بعبوس:
- هاروح اجيبلك مايه..
اوقفه طارق قائلا :
- لا خليك انت.. انا هروح اجيبلها..
ذهب طارق وبقي كريم معها يحيط كتفيها بذراعه محاولا تهدئتها... فى نفس الوقت كان شهاب يدخل صالة المطار استعدادا لرحلة سفره.. وما ان دخل حتى لمحها.. ضيق عينيه وقال بإستغراب:
- الله.. مش دى القطة السيامي.. بتعمل ايه هنا.. ومين اللى معاها ده..
تمعن بالنظر اليها فلاحظ بكائها..عقد حاجبيه واتجه اليها دون تردد وما ان اقترب حتى هتف باسمها:
- مدام هبه..
التفتت الى مصدر الصوت وقالت بدهشة:
- شهاب بيه..
قال شهاب بتساؤل:
- انتي كويسة... انا كنت داخل المطار ولمحتك... هو فى مشكلة ولا حاجة..
هزت رأسها نفيا وقالت بحرج:
- لا ابدا... انا كنت بوصل بنتي... مسافرة للدراسة..
اومأ برأسه متفهما وقال بمرح:
- آه تمام... تبقى الدموع دي ظاهرة طبيعية... ماهي دي عوايدنا كمصريين...  لما نودع حد بنحبه نفضل نعيط لحد مايوصل بالسلامة البلد اللي رايحها ويتصل يطمنا.. سلو بلدنا كده..
ابتسمت هبة رغما عنها وهى تمسح بقايا دموعها فابتسم هو ايضا وقال بود:
- ربنا يطمنك عليها...
فقالت هبه:  متشكرة..
قال كريم بتساؤل: مش تعرفيني..
هتفت هبه بتدارك وهى تشير الى شهاب:
- شهاب بيه شريك عاصم بيه صاحب الشركة..
قال كريم بلباقة : اهلا وسهلا..
بادله شهاب تحيته بابتسامة وقال : اهلا بيك
فاشارت هبه الى كريم واكملت : وده يبقى كريم...ابني..
اتسعت عينا شهاب وقال بذهول:
- ابنك...مش معقول..
نظر له كريم بإستغراب وقال: ايه الغريب فى كده..
هتف شهاب بتعجب:
- اصل شكلها صغير اوى..
وجه نظره لها واضاف : الحقيقة شكلك مايديش ان عندك ولاد فى سن الشباب كده..
- لا...متخليش المظاهر تخدعك..
التفت شهاب الى المتحدث فوجد طارق ينظر له نظرات ثاقبة بعد ان القى عبارته بحده..
هتف شهاب بإستغراب:
- طارق بيه..ازيك.. انت تعرف مدام هبه...؟
اجابه طارق بغيظ مكتوم وهو ينظر لهبه: المدام..
ارتفع حاجبا شهاب لكنه سرعان ما اخفضهما وضيق عينيه حين هتفت هبه بسرعة وهى تنظر لطارق بحدة:
- طارق بيه يبقى ابو ولادى..
لاحظ شهاب تبادل النظرات الحادة بين هبه وطارق وقد ادرك من عبارتها انها لم تعد زوجته.. فابتسم قائلا بهدوء :
- على العموم دى فرصة سعيدة جدا..
ابتسم طارق ابتسامة صفراء وقال :
- احنا اسعد...بس واضح انك مش جاي تودع ولا تستقبل حد...
رد شهاب : لا..انا اللى مسافر ورحلتي كمان ساعة تقريبا...
قال طارق بسماجة: يادوب تخلص الإجراءات...مفيش داعي نعطلك اكتر من كده..
شعر شهاب برغبة طارق فى انهاء هذا اللقاء لكنه رد بابتسامة هادئه بدت لطارق فى غاية السماجة:
- فعلا... يادوب الحق وقتي.. وكفاية انى قابلتكم قبل ما اسافر..
نقل نظره لهبه وهو يضيف: يظهر ان حظي حلو جدا.. اشوف وشكم بخير..
بادلته هبه تحيته قائله بهدوء:
- مع السلامه..
هتف طارق من بين أسنانه وعلى وجهه ابتسامة لم تتعدى شفتيه: مع السلامه..
غادر شهاب الى وجهته فى حين اختفت ابتسامة طارق واحتل الغضب ملامح وجهه وهو ينظر لهبه قائلا:
- انتى تعرفي شهاب النجار منين..
شعرت هبه بضيق من لهجته الحادة ولكنها اجابته ببساطة:
- شوفته مرة فى الشركة اللى بشتغل فيها..
هتف طارق باستنكار:
- شوفتيه مرة وعلقتي فى دماغه لدرجة انه لما يشوفك صدفة يجي يسلم عليكي..
قالت بضيق:
- مكانش بيسلم.. هو لمحني من بعيد واخد باله انى بعيط..افتكر ان فيه مشكلة معايا فا....
قاطعها طارق بتهكم غاضب:
- فاجه يعرض خدماته..مش كده.. يظهر ان البيه معجب..
هتفت هبه بغضب:
- اتكلم كويس يا طارق.. عيب تقولي الكلام ده.. وبعدين انت ازاي تقوله اني المدام..
قال طارق بحده:
- عشان احميكي طبعا...يظهر انك ماتعرفيش مين هو شهاب النجار... ده واحد زير نسا وصايع...ورغم انه رجل اعمال ناجح لكن ماعندوش اخلاق وسمعته زى الزفت..
هتفت بضيق:
- وانا مالي ومال ده كله.. هو حر فى حياته..انا داخلي ايه..
صاح طارق بغيرة لم يستطع السيطرة عليها:
- انتي ماشوفتيش نظرته ليكي عاملة ازاي...واضح انه حاطك فى دماغه..
قالت هبه بتحدي:
- انا مش عيلة صغيرة.. واظن انت عارف كويس اني اقدر اوقف اي حد عند حده..
هتف طارق بانفعال:
- اسمعي يا هبه...اذا كان الشغل هيجيب لك مشاكل يبقى بلاش منه احسن..
هتفت بعناد:
- انا مش هسيب شغلي يا طارق... وانت مش واصي عليا عشان تقولي اعمل ايه وماعملش ايه..
ضغط على أسنانه بغيظ وقال:
- بلاش تستفزيني يا هبه..
هتف كريم الذى كان يتابع شجارهم بنفاذ صبر:
- انا بقول نهدى شويه ونكمل المناقشة اللطيفة دى فى مكان تاني..خصوصا ان صوتكم بدأ يعلى والناس ابتدت تاخد بالها..
تبادل طارق وهبه نظرات حانقة قبل ان تذهب هى فى اتجاه الخروج... نظر طارق بحدة الى كريم فاشار اليه بعينيه ان يهدأ ثم جذبه من يده وخرجا خلفها..
وجدها تهم بالاشارة الى احدى سيارات الاجرة فاقترب منها طارق وقال بحنق:
- انتى هتعملي ايه..
قالت هبه بضيق : هاخد تاكسي..
قال طارق بنفاذ صبر:
- انا هوصلك انتي وكريم..
قالت هبه بتحدي : مش هركب معاك..
هتف بحده : اركبي وخلي يومك يعدي على خير..
قالت هبه بعناد: قولت مش هركب معاك... وبعدين انا رايحة الشغل مش هروح..
قال بعصبية: هوصلك الزفت..اركبي..
هتفت هبه بانفعال:  لأ يعني لأ...تاكسي..
اشارت الى احدى السيارات فتوقفت بالقرب منها واسرعت هى بالركوب بها واخبرت السائق ان يذهب على الفور تحت نظرات طارق الغاضبة التفت الى كريم وقال بحنق :
- عجبك عمايل امك..
مط كريم شفتيه وقال بتهكم:
- هقولك ايه...ربنا ما يقطعلك عادة..
هتف طارق باستنكار: نعم...تقصد ايه..
قال كريم بسخرية:
- اصل من وقت ما سيبت البيت وانت كل ما تتقابل مع ماما تبدأ المقابلة كويس وبعدين تقلب نكد وتمشي وانت زعلان...مفيش غير يوم العزومة اللى بدأ وخلص من غير خناق...انا حتى يومها قلقت عليك...بس انت عوضتها النهاردة الحمد لله..كده طمنتني انك كويس...
هتف طارق بغيظ شديد:
- وكمان فايق وبتهزر... اخرس يا كريم واركب بدل ما اطلع جناني عليك انت..
ركب كريم السيارة وهو يقول بمرح:
- لا وعلى ايه الطيب احسن يا بوص..
قاد طارق سيارته وهو يحاول السيطرة على توتره ثم قال: قولت لصاحبك اننا هنروح نشوف مكان السنتر..
قال كريم بهدوء:
- ايوه قولتله...بس لو مش هتقدر دلوقتى مش مشكلة..
قال طارق باصرار:
- لا خلينا نشوفه ونكسب وقت...انا كويس متقلقش..
       ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

فرصة تانيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن