الفصل التاسع والعشرون

862 69 0
                                    

"صَلَّى عَلَيْكَ اللَّهُ يَا مَنْ جَاءَنَا
‏سَهْلاً عَلَى الضّعَفَاءِ لَا تيّاها"💙!

•ﷺ.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}💙


**************************************
#غيبوبة.
#ليصبح_كل_ما_تعيشه_غيبوبة_في_الحياة.
#زينب_إسماعيل.
#الفصل_التاسع_والعشرون.

"فليحدث شيئًا واحدًا مُبهرًا يعكس كلُ هذا الانطفاء الذي الفصل التاسع والعشرون/
"الأزمات تصقلك من الداخل وتهيئك لتخوض غمار المستقبل بلا خوف!"
                                                                  إيمان الهادي.

بدأ الجميع تمثيل تجاوز ما مروا به، رغم علمهم تمام العلم أنه سيظل تاركًا أثره فيهم، ظهرت عين بإطلالتها المشرقة من خلف أحمد الذي سلمها لعز وكأنها شقيقته بالفعل، ليبتسم الأخير بسعادة لا مثيل لها.
وبعد أن أتما صلاة الركعتين اللتان بدءا بهما حياتهما، جلس عز ممسكًا بكف عين الرقيق، ليطبع عليه قبلة هادئة ثم قال:
_من ساعة ما قربنا من بعض وأنا بتمناكي بس مكسوف أطلبك من ربنا وأنا مستاهلكيش، بس النهاردة؛ اتأكدت إني عملت حاجة حلوة في دنيتي عشان أتكافئ بيكي، صح أنا مش عارف عملت إيه كويس في حياتي، بس أكيد فيه حاجة كويسة!
ابتسمت عين قائلة:
_صدقني هاد نفس الشيء اللي أنا حاسة فيه، أنا كتير مبسوطة إنه الله عوضني فيك.
قربها إليه هامسًا:
_أنا طاير من الفرحة، مش مجرد مبسوط، أنا حاسس إن السعادة اللي في الدنيا كلها اتجمعت بين إيديا النهاردة، أنتي مش متخيلة أنا بحبك قد إيه.
اتسعت ابتسامتها وهي تقول:
_قديش بتمنى كون حلوة هالقد، صرت حبّها لعين اللي شايفها فيني!
أسمى أنواع الحب، هو الحب غير المشروط، والذي يحيي علاقات شتى لا يشوبها أي سوء؛ حيث لا انتباه للمظهر، ولا اكتراث للماضي!

************************
ظلت نور تفكر في أمر تجنب فارس لها وكأنها قتلت له قتيلًا، تذكرت هروبه من الحديث معها يوم زفاف عز وعين بشتى الطرق، فعقدت الأمر على مواجهته؛ حيث اتفقت مع الجميع أن يفاجئوا ريم بزيارتهم لها بحجة عيد ميلادها الذي قضته في سفرة مع فارس وحدهما، وبالفعل؛ حضروا جميعًا وكانت مفاجأة محببة لها، على عكس فارس الذي لم يستلطف وجود نور على الإطلاق!
_امال ابنك فين يا فارس؟ أنا مشفتهوش من ساعة ما جينا وكمان.. فارس!
انتبه فارس من شروده على نداء أحمد ليتساءل:
_هه، أنت بتقول حاجة؟
_بقول حاجة! أنا برغي بقالي نص ساعة.
ثم نظر لريم بجانب عينيه قائلًا بمراوغة:
_اللي واخد عقلك يتهنى بيه.
ابتسمت ريم ومدت كفها لتمسك بيد فارس وقالت:
_ابنه يا سيدي في رحلة، وعمته راحت معاه مرافق.
دق هاتف فارس فاستأذن للإجابة عليه وذهب لحديقة المنزل كي يبتعد قليلًا عن محيط نور، وما إن انتهى حتى وجدها أمامه ضامة كلتي يديها أمام صدرها، ظلا لدقيقة كاملة لا يتحدثان سوى بنظرات الأعين، حتى تشجع فارس ليسألها:
_خير يا نور، فيه حاجة؟
_نفس السؤال اللي عايزة أسألهولك، فيه إيه يا فارس؟
أدار ظهره متظاهرًا بانشغاله في الهاتف وهو يردد:
_مش فاهم.
تحركت لتكون قبالته، ثم تحدثت بعصبية:
_لأ فاهم بس بتستهبل، أنت ليه لما اتجوزت ريم خدتها بعيد، ليه مخدتش ڤيلا معانا في الكمباوند أو أي مكان قريب لينا وللمستشفى بتاعتك، ليه من أكتر من عشر سنين بتتجنبني وكأني شيطان، ليه موصلي إحساس إنك بتبعد عن الشر وتغنيله، هو أنا أذيتك في إيه!
_أذيتيني في إيه! ده بجد؟ بتسألي عن السبب وأنتي الإجابة النموذجية ليه!
تسمرت مكانها على صراخه، فتابع وهو يقترب:
_مستغربة ليه؟ آه أنتي السبب، كل ده عشان مشوفكيش، نفسي أنساكي، أسمى أمنياتي أشيلك من جوّا قلبي اللي برغم كل اللي شافه منك لسة بيدقلك، عايز أشيلك من تفكيري اللي أنتي محتلاه أربعة وعشرين ساعة، محتاج أفضل بعيد عشان مرجعش أحنلك رغم إني عمري ما قسيت عليكي!
ثم ابتلع غصة في حلقه ودمعة تخونه في الهبوط:
_رنا راحت مني وهي مقهورة لأنها عارفة إني بحبك، وأنا مش هستحمل شعور سيء يخنقني من تاني لما أحس إني بخون ريم ولو بنظرة ليكي!
تصنم عز محله وهو يستمع لحديثهما، وقد أتى ليخبر فارس بأن ريم تناديه، ثم تحرك حين رأى فارس يوليهما ظهره ليواسي نور التي بدأت تبكي، ليجدها تصرخ فيه:
_أنا عملتله إيه؟ مش أنت السبب في كل ده! المفروض يكرهك أنت، أنت اللي أذيتنا من البداية!
ورغمًا عنه شعر بألم يخترق صدره ليرد بنبرة لينة منكسرة:
_أنا حبيتك! طريقتي كانت غلط بس حبيتك بجد.
بدأ بكاؤها يزداد، وعلى الصراخ أتى الجميع، كما ريم التي سبقتهم لترى سبب تأخر عز عند مناداة فارس، فاقترب أحمد ليقف بجانب نور كما اعتاد، موجها نظرات حارقة لكل من عز وفارس، بدأت نور تشعر بالدوار، وحين كادت تقع تحركا نحوها تلقائيًا، ولكن نظرة أحمد كانت كفيلة لإبعادهما؛ حيث ابتعد فارس للخلف بتيه، فيما حاول عز تبرير موقفه:
_أحمد أنا..
قاطعه أحمد هامسًا:
_اسكت ولا كلمة، كل اللي مانعني أخنقك دلوقتي بإيدي هو إني في يوم من الأيام قلتلها بحبك وعايز أتجوزك وهي على ذمتك، وأنا مقتنع إنه كما تدين تدان!
ثم صرخ وهو يضرب صدره بقبضته:
_اوعى من وشي!
عاد عز بضع خطوات للخلف كردة فعل طبيعية لدفع أحمد له، فاصطدم بعين التي لم تتوانَ دمعاتها عن الهطول، دمعاتها التي وعدها قبل زفافهما ألا تعرف لعينيها طريقًا!
_عين..
لم يستطِع إكمال جملته من هيئتها، لكنها تداركت الموقف لتمسح دموعها قائلة:
_خلينا نروح من هون.
تحرك عز مسلوب الإرادة خلفها وهي تمسك بيده ليظهر من خلفه فارس الذي بدا تائهًا، ليصطدم بنظرات ريم ودموعها!
مر الكثير على آخر مرة رآها تدمع، وسنوات عليه هو الآخر بعد آخر مرة بكى فيها، لم يستطِع كتمان دموعه أكثر، ولم يكن هنا أحد سواها، ولا أقرب منها!
تحرك فارس نحوها بخطوات محملة بالخيبة والهزيمة، ثم وقف أمامها مباشرة ليقول بصوت مختنق:
_أنا آسف!
ثم ارتمى بين أحضانها يبكي بشدة، حتى علا صوت بكائه لتغادره آهٍ عالية حاول أن يدفع بها بعضًا مما بداخله للخارج، ويا للعجب؛ بادلته ريم ضمته وربتت على ظهره ليخرج ما بداخله!
شدد من ضمها حين شعر بيدها تربت عليه ليقول ببكاء:
_أنا آسف يا ريم، والله ما كنت عايز أجرحك، أنا كنت بعيد عشان محسش إني أذيتك، حقك عليا والله.
أبعدته ريم عنها بعد دقائق قضاها في البكاء لينفِّس عن روحه، ليجد دموعها قد اختفت، وابتسامة كاذبة مرسومة على ثغرها وهي تقول:
_يلا عشان ننام.
ثم تحركت صوب غرفتهما، ليتبعها سريعًا حتى لحق بها قبل أن تدخل، فأمسك بيدها ليديرها إليه قائلًا:
_ريم قولي أي حاجة، عاتبيني، صرخي فيا، قوليلي إني كداب عشان وعدتك مجرحكيش وجرحتك، اعملي أي تصرف خرجي بيه اللي جواكي.
_هيفيد بإيه؟ ما أنت عارف!
قالتها ببساطة لا تلائم الجو المشحون المحيط بهما ليقول فارس:
_لأ يا ريم لأ، أنتي عارفة إني بحبك، والله العظيم بحبك، بس أنا..
أكملت عنه حين عجز عن التكملة:
_مش قادر تنساها، بتحبني شفقة، مش عايز تخلق رنا تانية تموت بسببك وبسبب حبك ليها!
_لأ، لأ!
_متخافش؛ أنا أصلا مبخلفش فمش هموت وأنا بولد، ومفيش حد بيموت من الحب!
ثم اندفعت نحو غرفتها لتغلق بابها بالمفتاح قبل أن يدخل إليها، لتستند بظهرها إلى الباب وقد تحررت أولى دمعاتها لتليها أخريات لا يحصى عددها!
فيما بدأ هو بطرق الباب بكلتي يديه صارخًا:
_ريم عشان خاطري بلاش تعملي فيا كده، أنا عارف إن أنا مستحقش حبك وإخلاصك ليا، بس صدقيني كان غصب عني!
أصاب الوهن قدميها فخارت قواها لتضم كلتي قدميها بيديها جالسة خلف الباب، فيما جلس هو من الناحية الأخرى محتضنًا ساقيه بذراعيه قائلًا:
_والله العظيم بحبك!
"رنا راحت مني وهي مقهورة لأنها عارفة إني بحبك، وأنا مش هستحمل شعور سيء من تاني يخنقني لما أحس إني بخون ريم ولو بنظرة ليكي!"
ظلت الكلمات تعاد داخل رأسها لتزيد من تدفق الدمع داخل عينيها، ليمر الليل على الجميع حَزَانَى!
جلست ريم على سجادة الصلاة في غرفتها بالمنزل الذي كانت تقاسمه عين قديمًا - قبل زواج كل منهما - تبكي بصوت مسموع، بيد أنه لا أحد بالمنزل ليسمع!
_يارب، يارب انتزع الوجع ده من قلبي، مبقتش قادرة أستحمل!
ثم نامت على الأرض محتضنة ذاتها وهي تذكر كيف انتظرت نوم فارس الناتج عن إرهاقه الشديد لتغادر المنزل دون أن يدري، ولا تعلم كيف وصلت إلى هنا سالمة وهي وحدها طوال الطريق بعد منتصف الليل!

غيبوبة "ليصبح كل ما تعيشه غيبوبة في الحياة" {مكتملة}💙! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن