الجزء الثاني الفصل الأول

766 53 9
                                    

صلَّى عليكَ الله مَا خَفقَت بِنا
أرواحنَا تَرجُو جِواركَ مَوعِدًا💙

•ﷺ.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}💙

**************************************
#غيبوبة.
#ليصبح_كل_ما_تعيشه_غيبوبة_في_الحياة.
#زينب_إسماعيل.
#الجزء_الثاني.
#الفصل_الأول.

"إرضاء النساء هي أسهل مهمة مستحيلة في الدنيا!"
                                               أحمد عصام الدين.

الحياة لا تقف على أحد؛ ورحيل موسى رغم أنه ترك ندبة في قلوب الجميع وأولهم بشرى، إلا أنه خلّف ورائه موسى صغير يذكرهم به دائمًا بعد محاولات عدة لكي تحمل بشرى التي تمتلك بطانة رحم مهاجرة.
ورقية التي لم تكن تأمل أن تصبح أما لغير فارس بعد وصولها سن الأربعين، دعمها زوجها لتمسي أُمًّا لجميلة صاحبة الأعين الكحيلة التي يأبى طارق تسليمها لأي من الخطاب الذين يتقدمون لها منذ خطت قدماها بوابة الجامعة.
استقرت حياة نور بعد سنوات من الحزن، كما الحال مع ريم، ليشعر كل من أحمد وفارس بالراحة أخيرًا، بينما بات شاغل عز الوحيد هو أسرته المكونة من زوجته الرائعة وفتاتاه الجميلتين وطفله الذي لم يعُد طفلًا.
تخرجت شيرويت في كلية الطب كما والديها، وبنفس الوقت تخرج ياسين في كلية الطب أيضًا مخالفًا أبوه، ومرت الأيام..
حل الصباح والتف الجميع حول مائدة الطعام؛ الرجال في غرفة والنساء في أخرى، بعد أن مرت سنوات بلغ فيها الصغار وصاروا كبارًا مكلفين.
جلست نور على الطاولة موجهة نظراتها إلى ابنتها التي تظاهرت بأنها لا تراها، في الوقت الذي كان الجميع يتأهب فيه لبدء المشاجرة الصباحية بين الفتاة وأمها.. وبدأت!
_الحمد لله، سفرة دايمة.
قالتها شيرويت وهي تغادر مقعدها الذي كانت جالسة عليه، وقبل أن تتحرك استوقفتها نور متسائلة:
_شيري استني، أنتي رايحة فين؟
أغمضت شيرويت عينيها لثانيتين قبل أن ترسم ابتسامة مزيفة على شفتيها وهي تلتفت لنور مجيبة:
_رايحة الجامعة يا ماما وبعدين هطلع عالمستشفى، خير في حاجة؟
هتفت نور من بين أسنانها:
_احنا هنفضل لحد امتى في الدوامة دي أنا مش فاهمة!
قلبت شيرويت عينيها بملل وهي تسمع حديث نور المعتاد:
_شيري يا حبيبتي أنتي بقى عندك ٣١ سنة، فاهمة يعني إيه؟ هتفضلي ترفضي عرسان لحد امتى؟ اتحججتي بالدراسة شوية وبعدين بالماجستير ودلوقتي؟
عادت شيرويت لابتسامتها المصطنعة وهي تجيب:
_دلوقتي الدكتوراه، وببني كياني يا ماما وبثبت نفسي في شغلي.
تحدثت نور بغيظ:
_ وإيه المانع لما ده يحصل وأنتي متجوزة؛ ما أنا اتجوزت أبوكي وأنا بدرس.
_آه واتطلقتوا بعدها بسنة وكنت أنا الضحية عشر سنين!
_شيري!
التفتت شيرويت على هتاف أحمد الحاد باسمها بعد أن أتى على صوتها هي ونور من الغرفة المجاورة، وقد انتبهت لتوها لحديثها غير المقبول، فتنهدت قائلة:
_أنا آسفة، بس من فضلكم دي حياتي، وأنا بس اللي من حقي أقرر تمشي إزاي.
ثم التفتت لنور بأعين راجية:
_ماما أنا آسفة، بس من فضلك؛ بلاش تضغطي عليا أكتر من كده.
أنهت حديثها ثم استئذنت دون أن ترفع عينيها في عيني أحمد لأنها كانت تدرك بشاعة ما قالته في حقه، وتجاوز أحمد ذلك عن يقين بأنها أدركت خطئها وستأتي لتحادثه بعد أن ترتب اعتذارًا تكفر به عما ارتكبت.
يقال أن الأب الحقيقي هو من يربي، وأحمد لم يكن يعتبر شيرويت ابنة زوجته، بل كانت أقرب له من ابنته التي لم يكتب له أن ينجبها!
التفت أحمد ناظرًا إلى نور التي غادرت الدموع عينيها دون إرادة منها، ليواسيها بعينيه، قبل أن تستئذن هي من الجميع كي تتجهز للعمل، بينما لمعت العبرات في مقلتي عين التي مسها الحديث الذي دار دون أن تكون طرفًا فيه، في الوقت الذي تنهدت فيه ريم بلا أمل في شيرويت وعنادها.
تحركت رقية تنوي العودة لمنزلها في الوقت الذي أحضرت فيه بشرى الطعام الذي أعدته السيدة زينب من أجل موسى كي يأخذه معه إلى المدرسة، فيما ضغطت نور الصغيرة على يد جميلة هاتفة بصوت منخفض:
_يلا احنا عشان منتأخرش على محاضراتنا.
غادرت الفتاتان الغرفة لتشير نور إلى أخيها زين كي يقلهما إلى كليتهما، فتحرك خلفهما قبل ثوان من أن يسبقهما بسبب سرعة خطواته.
جلس عز واضعًا رأسه بين كفيه وهو يحاول أن يمد أعصابه بعض الهدوء الذي تتفنن ابنته الكبرى في سلبه إياه بعنادها اللامتناهي، ليربت فارس على كتفه برفق وهو يحثه على القيام لكي يتجهزا للعمل.
غادر طارق بصحبة رقية، بينما وقف ياسين خلف عز وفارس شاعرًا بالأسف، وقد عادت إليه ذكرى لطالما هرب منها!
منذ سنوات؛ وبيومه الأول بالكلية، فوجئ ياسين عند عودته بشيرويت تستوقفه، فتوقف ليسألها:
_خير يا شيرويت في حاجة؟
ابتسمت شيرويت على استحياء وهي تجيب:
_كنت عايزة أهنيك على أول يوم ليك في كلية الطب، حققت حلمك، عقبالي.
ابتسم ياسين قائلًا:
_إن شاء الله تحققي كل اللي نفسك فيه.
ظلت شيرويت تفرك أصابعها ببعضهم، فقطب ياسين ما بين حاجبيه متسائلًا:
_شيرويت هو أنتي عايزة تقوليلي حاجة؟
احمر وجه شيرويت خجلًا وهي تقول:
_أنا بحبك!
بُهت وجه ياسين وهو يسمعها تتابع:
_أنا بقالي كتير أوي بفكر إيه الحل، فلقيت إني أقولك، لو أنت اتقدمتلي كلهم هيوافقوا، واستنيت لما دخلت الكلية عشان يكون مناسب ليك.
لم تكُن شيرويت منتبهة لوجه ياسين الذي احتلته الصدمة إلى أن توقفت فاضطر هو للكلام!
حمحم ياسين ليستعيد ثباته وهو يعلق:
_شيرويت احنا لسة صغيرين أوي على ده و..
_ماما وبابا اتجوزوا وهم قدك.
_واتطلقوا بعدها بسنة!
ورغم صدمتها بتعليقه، إلا أنها حاولت إيجاد مخرج:
_لكن..
_شيرويت، أنا عايزك تنتبهي لمذاكرتك ومستقبلك، أنا مقدر مشاعرك دي وبحترمها، بس عايزك تعرفي إنك لسة في سن مراهقة، وجايز جدًا مشاعرك دي تتغير بعدين، فمش عايزك تستنزفيها دلوقتي، اتفقنا؟
كان يتحدث بلطف بالغ لكنها لم يعنِها من حديثه شيء سوى أنه رفضها!
لمعت عيناها بالدموع لثوان وهي تنظر لخاصتيه قبل أن تقول:
_أنت صح، أكيد مشاعري دي هتتغير!
عاد ياسين من تلك الذكرى بعد مروره بأخرى؛ حين تخرج وطلبها ورفضته كما غيره بحجة الدراسة والماجستير، وكان يعلم أن تلك مجرد حجج، هي تحبه وهو كذلك، لكنه كان عاقلًا كما أبيه في سنه، أراد أن يحافظ عليها حتى يصبح أهلا لها، لكنها لم تفهم، فقد كانت متأثرة بنشأتها غير الملتزمة حتى سن العاشرة، وبعدها وحتى وصولها للثامنة عشرة كان التزامها سطحيا كما من حولها.
تنهد ياسين بحزن بات يثقل على كاهله وهو يغادر المنزل، وسؤال يجول بخاطره؛ متى ستدرك أنه أحبها أكثر مما فعلت هي!

غيبوبة "ليصبح كل ما تعيشه غيبوبة في الحياة" {مكتملة}💙! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن