الفصل التاسع ج٢

19.7K 804 72
                                    

الفصل التاسع ج٢

بخطواته السريعة كان يخترق الرواق الطويل،  ثم يصعد الدرجات الرخامية للسلم اللولبي على اقدامه، فلم يأتيه صبر لانتظار المصعد الكهربائي،
واصل ركضه حتى وصل الى القسم المقصود، وقعت ابصاره عليها قبل الجميع، منزوية بأحد الاركان وكأنها طفلة ضائعة ، تنتظر والدها ان يعثر عليها، رغم امتلاء الردهة بعدد الأفراد من البلدة، ومؤازرة شقيقة غازي لها، وهي واقفة الان جوارها،  إلا انها كانت وحيدة.

هي وحيدة دون شقيقها، وحيدة دون معلمها، وحيدة وسط  الجميع، كم يؤلمه الأمر هو يراها هكذا ؟ ولا يملك المقدرة على احتوئها، ان يراها ضعيفة، وردته البرية الجميلة.

تحمحم يجلي حلقه،  ليملك زمام امره متوجهًا نحو غاازي اولا، وقد كان هو الاقرب اليه، حيث كان جالسًا على احد مقاعد الانتظار، وبجواره عدد من الاشخاص لا يعلمهم من أهل البلدة.

- ايه الاخبار؟
كان هذا هو السؤال الاول منه، فور ان صافحه على عجالة، يتخذ مقعده بجواره ، فجاء رد الاخر بقنوط زافرًا دفعة كبيرة من الهواء من انفه:

- لا جديد، الدكتور بيقول كله بأمر ربنا، وشكلها كدة مطولة، والله اعلم بجى ان كان فيها نجاة ولا.....

- ولا ايه؟ لا طبعا فيها نجاة.
قالها بلهفة يتابع بأمل:
- المستشفى دي من احسن المستشفيات في الجمهورية، والمنطقة كلها، انا بحثت عنها رغم ان سامع من زمان عن سمعتها ، كل التقارير عنها بتأكد كلامي، وانت ربنا يجازيك خير، مستنتش عليه وجيبته فورًا ع القاهرة في طيارة خاصة ومجهزة

- ويعني كنت لحجته؟
قالها بما يشبه السخرية بمرارة، ضاربًا بكف يده على عصاه يسند رأسه المتعب عليه ، وقد بلغ منه الاجهاد مبلغه، بعد قضاءه ثلاث ليال في المشفى،  في انتظار ولو بشرى صغيرة تريح قلبه عن رجله الاول والاخير، بسيوني .

عقب يوسف على قوله بانفعال:
- يا غازي بلاش يأس، وانا شايف اننا لحد دلوقتي ماشين صح، انت متأخرتش عنه وكله بإيد ربنا، لا تقنطوا من رحمة الله.

- ونعم بالله
تمتم بها غازي، ممسكا بطرفي اصبعه أعلى انفه، في تعبيرا لا ارادي عن الأرهاق الشديد الذي كان يعصف به في هذه اللحظة،
ربت يوسف بكف يده على ركبة الاَخر يحادثه:
- قوم يا غازي ريح نفسك شوية واحلق دقنك،  مش كدة يا حبيبي، كفاية علينا واحد، مش ناقصنا انت كمان توقع..

اومأ له بكف يده ، بحركة يفعلها كي يوقف اي حديث معه في هذا الشأن، رأسه اليابس لا يقبل النصح ولا الأرشاد في شيء يراه لابد من فعله.

حينما يأس منه يوسف، تركه ليتقدم بخطوات مترددة نحوها، يحافظ بصعوبة على رزانة القول في مخاطبتها، بعدما القى التحية عليها وعلى روح الواقفة بجوارها:
- عاملة ايه النهاردة يا وردة يا رب تكوني احسن من امبارح.

ميراث الندم   الجزء الاول والجزء التاني نسائم الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن