الفصل السادس عشر

19.8K 758 40
                                    

الفصل السادس عشر

ها قد عاد، عاد اخيرًا، يقف بقدميه على ارض الوطن،  يطل من شرفة غرفته في منزل العائلة الذي تم أعادة بناءه مرة أخرى، بشكل يناسب العيش الأدمي،
يتنفس هواء البلدة التي حرم منها لعدد من السنوات، أيام وليالي ذاق فيها العلقم، وحده، في غربة كادت أن تمحو ملامحه، تجرده من أنسانية احتفظ بها بصعوبة، تحت الضغوط والأزمات التي مر بها، من يعلم بما مر به؟!

ولكنه الاَن عاد،  ليطول التفاحة التي كانت محرمة عليه، يلملم جراحه في حضنها، لقد حان الوقت لأن يعيش.

- يا صباح الورد والهنا، دا عريسنا صحي وواجف في البلكونة كمان.
هتفت جميلة وهي تدفع الباب لتدخل بالصنية التي ارتص عليها العديد من الأطعمة،  وخلفها ابنتها الصغيرة ذات العامين، تهلل بمرح:
- خالي جه، خالي جه.

- اه يا عفريتة انتي.
قهقه بضحكة مجلجلة، قبل ان يتناول الصغيرة ويرفعها إليه، يدغدغها بأنفه على انحاء جسدها، لتصدح ضحكاتها بصوت عالي أسعده، يمطرها بالقبلات قبل ان يجلس، وما يزال يضمها إليه، ليخاطب شقيقته باستغراب:

- ايه دا كله دا اللي جايباه يا بت ابوي؟ معبية الصنية وداخلالي الاوضة بيها، هو انت مفكراني عريس صح ياك؟

- عريس وسيد العرسان كمان، هو انا لسة هفكر اصلًا؟ ما خلاص عاد، فاضل بس التكة الأخيرة.
اردفت بها، تطرقع بأصباعيها، عقب على فعلها بمرح:
- والله يا ست جميلة انتي مفيش منك، بحب جوي التفائل بتاعك، لكن يا غالية، احنا صحيح فاضل معانا التكة الأخيرة، بس دي مش هينة برضوا، انا مش هصدج غير لما الاجيها في بيتي،

بكف يدها صارت تربت على ركبته تتمتم بتهوين:
- ان شاء الله يا خوي، هتتيسر وهيتم المراد في أسرع وجت، روح شديدة، واللي خلاها جدرت ع الكل وصبرت تستناك،  أكيد هيخليها تكمل المشوار وتنهيه النهاية السعيدة.

- اااه يا بت ابوي.
تأوه يزيد من ضم الصغيرة إليه قائلًا:
- لو تعرفي بحجم الشوج اللي جوايا ناحيتها، انا منعت نفسي امبارح بالعافية، اني اعدي على بيتهم، ولا الف حواليه بالعربية، يمكن تطل من شباكها ولا تطلعلي واملي عيني برؤياها.
اللي منعني بس ان الدنيا كانت ليل، هموت اشوفها جصاد عيني، وبرضوا خايف لمجدرش احوش يدي عن حضنها، عايزة ارغي واحكي معاها كتييير جوي، اسمع صوتها لحد ما ودني توجعني، يمكن ساعتها اشبع منها،
نفسي بجي اليوم دا يكون بكرة.

بتأثر شديد كسى ملامحها، تمتمت جميلة بإشفاق:
- هانت يا حبيبي، راح الكتير مبجاش الا الجليل، انت تاكل وتتجوت دلوك، وبعدها نشوف موضوع مجابلتها دي، ما هو كمان دي مش حاجة ساهلة، وانت الناس هتبجى مالية البيت هنا تسلم عليك الايام دي، دا باب البيت من الصبح مهدنش من الخبط عليه، كلها جاية تهني برجوعك بعد الغيبة.

ميراث الندم   الجزء الاول والجزء التاني نسائم الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن