الفصل الثامن عشر ج٢

14.7K 580 33
                                    

الفصل الثامن عشر ج٢

(داخل غرفة معتمة، وجدرانها المتشققة رسمت لوحات من البؤس من حوله، يشعر برطوبة الأرض من أسفله، وروائح مقرفة تملأ رئتيه إشمئزاز وتقزز، والأكثر والأبشع، هو تحرك هذه الجدران وكأن فرد ما يحركها بالبطيء، رويدًا رويدًا، لتضيق وتضيق وتضيق، ثم انحسار انفاسه داخل صدره ، حتى توشك على خروج الروح من جسده، يود النداء او الاستغاثة بأحد ما ينجده، يتطلع الى السقف بأمل يريد النجاة، لكن صوته محبوس لا يخرج من حنجرته، يستمر في محاولاته دون جدوى حتى يستسلم حين يغلبه اليأس، مقررا بداخله انها النهاية، ليرخي مقاومته في انتظارها، علٌه يجد الراحة بعدها، ولكن فجأة يتغير كل ذلك، ويعود كل شيء لأصله، ويجده امامه! بهيئته الوسيمة كعادته، يظهر له من العدم، جالسًا على عقبيه، مقربًا وجهه منه، بابتسامة قميئة يحدثه:

- ما انا قولتلك من الأول اتجوزها يا عمر)

- اصحى يا عمر، اصحى انت في كابوس
تلك الكلمات التي اخترقت أسماعه، ليستعيد وعيه مع موصلتها لهزهزة جسده الضخم، ليستقيظ فجأة بنظرة حادة اجفلتها لتتراجع بوجهها عنه وتستقيم واقفة، فينتبه هو لنومته جالسًا على الاَريكة، ثم مخاطبة زوجته له بتوتر:

- انا صحيت من نومي على الأصوات اللي كانت طالعة منك، أصلي مكنتش اعرف انك جاعد هنا في الصالة والنوم غلبني وانا مستنياك ليلة امبارح فى أوضتي

ابتلع ريقه بتوجس ليسألها مستفسرًا :
- وانا كنت بجول ايه؟ ولا الساعة كام دلوك؟
- الساعة دلوك داخلة على تلاتة، وع اللي كنت بتخترف بيه؛ صراحة مكنش مفهوم معظم كلامك، غير جولة لأ، والباجي كان همهمة، أو بتزوم جافل خشمك اكنك كنت بتحارب.... ولا بتتعرك مع حد......

طريقتها في الشرح، وارتباكها في النظر اليه والى هيئته، والتي يعلم تمام العلم الاَن انها مزرية،
لتواصل معبرة عن قلقها:
- شكلك حلمت بكابوس عفش، انا بجول تاجي تريح على فرشتك وتكمل نومك على سريرك ، بدل الكنبة اللي اكيد اثرت على ضهرك.

اومأ لها بهز رأسه مخرجًا زفرات متتالية، يردد بصوت متحشرج:
- ماشي ماشي تمام ، روحي اسبجيني انتي وانا جاي وراكي.

حينما ظلت واقفة دون حراك اعاد عليها الأمر مرة أخرى:
- خلاص جولت جاي وراكي يا هدير، روحي ياللا من جدامي.

اضطرت تحت ضغطه، وحتى لا تثير غضبه ان تستجيب ذاهبة نحو غرفتها، وربما اخذتها فرصة لتهرب من امامه، وقد تمكن منها الجزع من وقت ما استيقظت من نومها على أصوات غريبة أوقفت قلبها في البداية، قبل ان تتمالك لترى من اين تأتي.
هالها ما رأته، وقد بدا وكأنه يصارع الغرق وسط امواج عاتية، يقاوم الاختناق او الموت، لا تعلم، ولكنها خافت منه وعليه.

اما هو فقد تجمد بعض الوقت ناظرًا في أثرها، باستيعاب بطيء، انه الاَن في منزله، وفي بلدته، مع امرأة مختلفة، حر ويفعل ما يشاء، رغم تشتته الاَن والقلق الذي استبد به، ليجعل ارتخاء جسده، كمن اصابه الشلل، وقد عادت اسوء الصور بذهنه تذكره بما حدث، زوجته العزيزة تظنه حلم ، ولا تعلم انه كان حقيقة بالفعل!

ميراث الندم   الجزء الاول والجزء التاني نسائم الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن