الفصل الخامس والعشرون
كيف نتعافى؟
فلتخبرنا الحياة كيف نتعافى؟، كيف نمر من ظلام هذه الأيام دون أن تصيبنا لوثة من عتمتها؟
فلتخبرنا الحياة القاسية التي ربما في ليلة إجابة أقسمت أن تذيقنا مرها ..أن تحيطنا بشدتها العاتية.. أن تواجهنا بجبروتها..
فلتخبرنا تلك الماكرة الملتحفة برداء ملون بتلك الألوان الزاهية ويدها تؤشر لنا من بعيد، تغوينا بنظرة عينيها، تتمايل فنُثار بهواها مقتربين .. مقبلين.. متلهفين لعناقها وحينما نقترب منها حتى مدت يدها التي علت ملوحة لنا بإشارة ترحاب فتصفعنا، وتلك النظرة المغوية التي طوقتنا بها بقيت.. ولكن بنظرة شر خالصة، وهذا التمايل لإثارة تلهفنا بات صلبا ميتا لا حياة فيه..
يا حياة !
أخبرينا كيف نحياكِ؟ أخبرينا كيف نحيا الحياة؟
وهي أرادت فقط أن تحيا أيامها في سلام هادئ كهؤلاء النساء ربات البيوت الهادئات، من يستيقظن صباحا ببال رائق مقبلين على صباحهم بقبلة للشمس وعناق للعائلة.
لكنها الحياة تعاندنا دوما، تخالفنا ملقية في دروبنا عثراتها الحادة..
فلتت منها تنهيدة عالية وهي جالسة بجانب شقيقها بقسم الشرطة، عينيها باكية، ملامحة ذابلة، ملابسها سوداء قاتمة تشبه ما تحيا فيه هذه الروح المعذبة داخلها..
في نظرتك الأولى لها يُخيل لك أنها أنثى صامتة .. جامدة.. أنها جسد لا حياة فيه ..
لكن عند النظرة الثانية تلمح عينيك ارتعاش يديها..
-أريدك بخير يا زينب..
هتف فؤاد الملاصق لها، ويده امتدت نحو خاصتها ممسكا بها بقوة، يطلب منها القوة ومشهد جثة زوجة عمه وهي غارقة في دمائها بين يدي زينب وقف حائلا بينه وبين النوم لأيام..
أغمض عينيه هامسا لها مجبرا رأسها أن تتخذ كتفه سكنا لها:
-فقط أريد منكِ النسيان، انسي ما كان يا زينب..
النسيان..
أخبِرونا أين يباع ونشتريه؟، ليته نعمة أنعم الله بها علينا، ليته متاح للروح كدواء نبتلعه بالفم..
-لقد ماتت يا فؤاد، لقد أنقذتني يا فؤاد..
خرج صوتها بهمس شق الصمت بينهما مخترقا الضوضاء حولهما بقسم الشرطة..
شدد من عناق يديها متابعا الحديث في شرود يشبه حالتها:
-سننسى يا زينب، إنه قدرها والأعمار يا غاليتي بيد الله..
وكما اعتادت الروح التأدب عند ذكر الله كان منها التراجع عن بؤسها وبتر حروف (لو) من دربها..
أنت تقرأ
واجتاحت ثنايا القلب ... أسماء رجائي
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة واجتاحت ثنايا القلب ما بين خفقة و إخفاقة