الفصل الثاني والعشرون
الخدعة..
ماذا لو استيقظت صباحا فوجدت أن ما مضى من العمر كان مشبعا بالكذب.. معتقا بالخيالات ومختلطا بالغدر..؟
ماذا لو استيقظت لتجد أن ما مضى مجرد وهم، والمؤسف أن حتى هذا الوهم المختلق لم يكن سعيدا، بل كان قاسيا معتما مؤلما .. كان ينحر روحك ببطء ؟
ماذا لو كان خالق هذا الوهم ومطلقه هو الأقرب إليك، الشخص الوحيد الذي لا ترى كذبه بالمرة؟
هل تكذب الأم؟!
أغمض عينيه والسؤال منذ المواجهة الأخيرة مع هذا الرجل الذي منحه حياته وحنانه الأبوي كان (هل ما مضى مجرد وهم؟)
افترق جفنيه ببطء وعانق انعكاسه بالمرآة بعد أن أنهى ارتداء ملابسه متسائلا بهمس خافت:
-هل أشبه والدي الحقيقي ؟
دمعت عيناه حينما وجد أن الإجابة مبهمة ومجهولة، الإجابة لا يمكنه إدراكها بالمرة..
بل هو يمكنه التحقق منها لكنه متردد وخائف، حائر ومتعب الروح..
التفت إلى المكتب الصغير الموضوع بإحدى زوايا غرفته، وقف ثابتا مترددا من أن يأتي بتلك الورقة التي منحه إياها كرم.
اقترب بخطوات مترددة بطيئة، مقررا أن يذهب إلى العنوان المكتوب بالورقة ..
وقف أمام المكتب ثابتا للحظات قبل أن يمد يده ممسكا بالورقة الموضوعة أعلاه منذ أن أتى بها..
أمسك بالورقة .. قرأ العنوان وكأنه لم يحفظه !
تنهد هامسا لنفسه المعذبة:
-ترى أي لقاء سيجمعنا يا أبي؟
رفع يده ماسحا أعلى وجهه، استغفر كثيرا في محاولة منه أن يشحن طاقته المسلوبة منذ أن أدرك الحقيقة بل منذ ما فعله بزهراء..
خرج من غرفته فوجد والدته جالسة على المقعد المقابل لغرفته..
-كيف حالك الآن ؟
سألها قبل مغادرة المنزل مراقبا ملامحها التي تحفزت بعد رؤيته، استقامت من مكانها بعد أن عانقت ملامحه بعمق، وقفت أمامه هاتفة بثبات أثار شفقته ..
-أريد كل ما سلبه مني كرم ومنحك إياه..
هز رأسه يأسا من طلبها المتكرر، هذا الذي قابله بالصمت دائما منتظرا منها ولو لمحة ندم واحدة فقط من أجله على الأقل..
اقترب منها، مد يده ممسكا بذارعيها بهدوء، تحدث وعينيه ترجو منها لمحة أسف ولو صغيرة:
-ألن تعتذري لي يا أمي على ما فعلتيه بي وبأبي؟
أنهى سؤاله وعينيه لا تفارق ملامحها التي تلونت بالسخرية، حركت ذارعيها بهدوء فأبعدت يديه عنها قائلة بجمود أرهقه أكثر:
أنت تقرأ
واجتاحت ثنايا القلب ... أسماء رجائي
عاطفيةجميع الحقوق محفوظة للكاتبة واجتاحت ثنايا القلب ما بين خفقة و إخفاقة