واجتاحت ثنايا القلب ... أسماء رجائي

الفصل الثاني والثلاثين

الفصل الثاني والثلاثين

وفي خلوة النفس تتضح الحقائق..

نرى ما لا نريد رؤيته وندرك ما تجاهلناه طويلا..

نقف وسط النفس المهلكة داخلنا ونراها بمنظور مختلف، فهنا كذبنا وهنا سلكنا درب الصدق ..

هنا جرحنا أحدهم وهنا جرح غائر داخلنا لم يلتئم بعد..

نجد داخلنا هذا السيف الذي بتر أوتار من أحببنا لندرك بعدها أن هذا السيف نفسه هو سبب جرحنا النازف..

نقف ونرى تلك الذكريات التي اعتقدنا أننا أتممنا مراسم دفنها لنجد أنها تتلاعب داخلنا حية ترزق..

وهنا في تلك الخلوة نجد هذا العشق الميت الحي ، هذا العشق الذي لا زال قائما حيا يؤلمنا والجسد يرسم للعالم أجمع موته ..

وما نناله بعد خلوتنا يا عزيزي هو تلك المعرفة بذاتنا ، ذات خدعناها مرة فخدعتنا مرات وأكثر معاقبة إيانا بقسوة وحشية لا رحمة فيها ولا تراجع..

فالزمن لا يعود والجرح ولو التئم تبقى ندبته موشومة ونحيا الحياة هكذا!

شاردا أعلى المقعد القريب من والدته غافلا هو عن تأملها إياه، تائها مع نفسه التي لم يظلمها سواه ولم يؤلمها غيره..

نفسه غارقة في ذكرى غادة ، تؤلمه صوره السعيدة برفقتها ، تلك اللحظة الذي شاهد فيها فستانها وهو يذهب لغيرها..

أغمض عينيه متنهدا بوجع والذنب يقتله كلما وصل بذكرياته نحو تلك الصورة وهذا اليوم..

-ما بك يا أحمد ؟، هل يزعجك أحد؟

سألته والدته بلهفة ، بتوسل أن تنال ثقتها القديمة لديه لكنها لم تدرك أنها في معركة محال النصر فيها..

التفت نحو والدته مستغفرا في سره لا يلومها وكيف يكن رجلا لو ألقى عليها خطئه هو؟

-بخير يا أمي لا تقلقي..

منحها إجابة مقتضبة قصيرة ، فلم تكتفي هي ، نفسها لا تتغير في غيرتها المرضية عليه ، ذهنها الذي صور لها أكاذيب لو أقسم العالم أنها زيف لم تصدقه..

-ألم تجد راحتك مع مي بعد يا بني؟

سألته بنبرة ودودة في ظاهرها لكنه خفت بين طياتها سم أسود أصابه من قبل ..

التفت نحوها وتأملها بيأس ممزوج بشفقة على حال والدته الذي لن يمنحها الراحة يوما..

ليته أدرك حالتها مبكرا ليته!

-يمكنك الزواج مرة أخرى بمن تريحك يا أحمد ..

تابعت حديثها حينما لمست صمته ، غافلة عن نظرته لها وأسفه عليها..

-يمكننا الذهاب إلى غادة إنها تحبك وسترضى بالرجوع إليك..

أغمض عينيه خافيا تعبه الذي فاق حد تحمله تمنى لو أن ما تقوله والدته سهلا إلى هذا الحد ..