الفصل السادس عشر
وتجبرنا الحياة ..
تجبرنا بطريقتها على الوقوف في المنتصف الذي لم نود الثبات به يوما..
والنفس لم تبغ المنتصف ، لم تحلم به، فهناك نجبر على السقوط في دهاليز الحيرة .. أزقة التشتت.. والبقاء في عاصمته بمدينة الضياع.. ضياع انفسنا .. أحلامنا .. وقلوبنا!
وهناك بالمنتصف تُجر خطواتنا نحو الانفلات والانخراط مع كل هذا القلق .. والإنهاك من هذا الألم الذي عانق أرواحنا هنا..
ونتساءل لم يجب على الحياة أن تكون بتلك القسوة؟، لم يجب عليها إجبارنا دوما على خوض معارك معها ومع انفسنا ؟، فيجد الإنسان في معركته معها مجاهدا لشهواتها التي تغريه بها ، مجاهدا شهوات نفسه التي قادته للانقياد لها والخضوع لكل سقاطتها دون وعي، فتستيقظ ذات ليلة لتدرك كونك أسير لكل ما يسير حولك مسحورا .. مغترا بلهفة ما وحينها ستدرك أنك ستبقى هكذا مجبرا على المنتصف ..
وكرم كان عالقا بالمنتصف ، لا يدري أي الطرق يسلك ؟، لا يعرف شيء سوى أن رغبته في طرد كوثر من حياته صارت حلم جميل يطارده ليتحقق، التفت حوله في صباح يومه الباكر متذكرا ابنته زهراء تلك التي كانت تحب الاستيقاظ مبكرا حينما كان يأتي إلى البلدة ، ابتسم متحسرا لذكرها وكادت العبرات تغرق عينيه تشارك ابتسامته الحسرة.
أمسك بهاتفه ورغبته في الاتصال بها تراوده بضراوة ، رغبته في سماع صوتها بل والذهاب إليها لرؤيتها تقتله كونه لا يملك هذا الحق..
رفع هاتفه متأملا صورتها بفستان الزفاف ، تلك الصورة التي التقطها دون أن يشعر بها أحد ، راقب ملامحها الجميلة ويده مرت على ملامح الصورة بلهفة حزينة..
أخفى الصورة بعد أن قتلته الرغبة في سماع صوتها ، أمسك برقمها الذي منحه له والده الخاص بمنزل سفيان بالخارج ، انتظر للحظات مترقبا لسماع صوتها ، بينما هي على الطرف الأخر كانت تقف في شرفة غرفتها مراقبة للقمر كم كان جميلا وكم كانت هي حزينة ، التفتت إلى الرنين المتواصل فقادتها خطواتها بإهمال نحو الهاتف هتفت بصوت خالي من رغبة الحياة التي اعتاد عليه منها :
-مرحبا ، من معي؟
أغمض عينيه متأملا الشمس وهي تشق السحاب عنوة بأشعتها الحادة ، فيشبهها بزهراء تلك الجميلة المشتعلة فتخترق كل الأجواء عنوة بحدتها التي أخفت كل دفئها ..
ولكننا كما نمنح الشمس الصبر حتى تهدأ لنواجهها ونتقبلها! هكذا الأمر مع ابنته.. لتحظى بدفء روحها عليك الصبر
-أنا بابا يا زهراء..
وكلمة بابا منه أربكتها فارتعشت يداها مغمضة عينيها بينما ساد الصمت للحظات فتكاد تبكي هي من هذا الحنين الغريب الذي اعترى روحها عند سماع صوت والدها ، تلك النبرة الحنونة التي سمعتها كثيرا لكنها للمرة الأولى تدرك قيمتها عندما بعدت ، اجتاحت خلايا جسدها المرتجف رغبة صادمة لنفسها التي أرادت الارتماء في عناقه والهمس في أذنه بحنين ( بابا)..!
أنت تقرأ
واجتاحت ثنايا القلب ... أسماء رجائي
Romanceجميع الحقوق محفوظة للكاتبة واجتاحت ثنايا القلب ما بين خفقة و إخفاقة