البقرة

3K 157 2
                                    

تجمعو حول مائدة الطعام .. التي يترأسها الأب و على جانبه الأيمن تجلس السيدة إيزابيل والجانب الأخر جلس جورج ..بادرت والدة جورج قائلة " لقد أعددت لك الفطائر التي تحبها " نظر لطبق الفطائر مبتسما ..لطالما أحبها مد يده نحو الطبق ممسكا بفطيرة ..تذوقها وأصدر صوتا يدل على استمتاعه بلذتها تكلم والأكل بفمه "إنها لذيذة يا أمي .." ضحكت قبل أن تجيبه " لا زلت تتكلم والأكل بفمك مثلما كنت طفلا " ابتسم وهو يأخذ فطيرة أخرى " لم أستطع مقاومتها ..حقا لذيذة ..هل بقي منها قليلا أصطحبه معي للندن ؟" أجابته " نعم ..متى ستعود للندن ؟" بلع ما بفمه قبل أن يجيبها " الأن ..بعد ان أنتهي من الإفطار .." أجابه أباه بلهفة "لماذا يا بني ..لم نشبع من رؤيتك بعد " قاطعته السيدة إيزابيل " ولا تزورنا كثيرا .." أمسك بيديهم معا وقال " سأبدأ بزيارتكما من الأن فصاعدا ..عند نهاية كل أسبوع " مررت يديها فوق وجهه بحنان قائلة " وعد ؟" قبل كفها مجيبا " وعد " ....بعد أن أنهى إفطاره ودعهما وأخذ لعبة أخيه وضعها أمامه في السيارة بحذر زفر بارتياح ثم قاد سيارته نحو لندن ..
في مكان أخر وبالضبط بلندن تجلس مريم بمقهى ..بين الحين والأخر يرن أخيها متصلا ..فترفض إتصاله ...مرت ساعات ورن هاتفها معلنا اتصال جورج أجابته " ألو جورج " أتى صوته من الهاتف " مرحبا ماري ..أين أنت " أجابته " سأرسل لك موقعي برسالة على هاتفك الأن " أجابها " حسنا ... إعذريني إن تأخرت عليك فقد كنت خارج لندن " أجابته " لم تتأخر ..أنا بانتظارك " ... مرت نصف ساعة ووصل جورج عند مريم حاملا بيديه كتاب معاني القرءان باللغة الإنجليزية لوحت له بيديها ليراها ..وذاك ما كان ترجل نحوها وجر كرسي ثم جلس عليه "أنا أسف " قالها جورج وهو يمسح جبينه من العرق بمنديل كان على المائدة أجابته مريم " لا داع للأسف ..خير ما الذي لم تفهمه بالقرءان ؟" وضع الكتاب فوق المائدة وبدأ بقلب صفحاته إلى أن وصل للأيات الكريمة بسورة البقرة مشيرا بأصبعه نحوها " قال الله تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [البقرة: 67-73] قرأها جورج وسألها ما معناها وما قصتها أجابته مريم مفسرةً " أولا أريد توضيح أمرا لك.. القرءان الكريم مقسم ل مئة و أربعة عشر سورة منها الطويلة والقصيرة ..ولكل سورة إسم معين حسب ما ورد فيها، مثل هذه السورة مثلا سميت البقرة بسبب وجود قصة تعلقت ببقرة في عهد سيدنا موسى مع قومه بني إسرائيل ..
كان رجل في بني إسرائيل كثير المال، وكان شيخًا كبيرًا وله بنو أخ، وكانوا يتمنون موته ليرثوه، فعمد أحدهم فقتله في الليل، وطرحه في مجمع الطرق، وقيل على باب رجل منهم، فلما أصبح الناس اختصموا فيه، وجاء ابن أخيه فجعل يصرخ ويتظلم، فقال بعضهم ما لكم تختصمون ولا تأتون نبي الله هو يفتيكم ..وذهب إبن أخيه للنبي موسى وشكى عليه فسألهم من له علم بمقتل هذا الرجل فلم يجبه أحد وسألوه أن يسأل في هذه القضية ربه عز وجل، فسأل ربه عز وجل في ذلك، فأمره الله أن يأمرهم بذبح بقرة، فقال: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } يعنون نحن نسألك عن أمر هذا القتيل، وأنت تقول هذا؟

{ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } أي: أعوذ بالله أن أقول عنه غير ما أوحى إلي، وهذا هو الذي أجابني حين سألته عما سألتموني عنه أن أسأله فيه.
والمقصود أنهم أمروا بذبح بقرة عوان: وهي الوسط بين النصف، الفارض: وهي الكبيرة، والبكر: وهي الصغيرة. ثم شددوا وضيقوا على أنفسهم فسألوا عن لونها، فأمروا بصفراء فاقع لونها أي: مشرب بحمرة تسر الناظرين، وهذا اللون عزيز.

ثم شددوا أيضًا، { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ }
{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } وهذه الصفات أضيق مما تقدم، حيث أمروا بذبح بقرة ليست بالذلول: وهي المذللة بالحراثة، وسقى الأرض، بالسانية. مسلمة: وهي الصحيحة التي لا عيب فيها.
وقوله: { لَا شِيَةَ فِيهَا } أي: ليس فيها لون يخالف لونها، بل هي مسلمة من العيوب، ومن مخالطة سائر الألوان غير لونها، فلما حددها بهذه الصفات، وحصرها بهذه النعوت والأوصاف { قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ }.
ويقال يا جورج إنهم لم يجدوا هذه البقرة بهذه الصفة إلا عند رجل منهم كان بارًا بأبيه، فطلبوها منه فرفض ، ولم يقبل إلا بعد أن أعطوه بوزنها ذهبا، فأبى عليهم حتى أعطوه بوزنها عشر مرات، فباعها منهم، فأمرهم نبي الله موسى بذبحها { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } أي: وهم يترددون في أمرها.
ثم أمرهم عن الله أن يضربوا ذلك القتيل ببعضها.
قيل: بلحم فخذها، وقيل: بالعظم الذي يلي الغضروف.
وقيل: بالبضعة التي بين الكتفين، فلما ضربوه ببعضها أحياه الله تعالى، فقام وهو يشخب أوداجه، فسأله نبي الله من قتلك؟
قال: قتلني ابن أخي، ثم عاد ميتًا كما كان. أنا أعلم أنك تقول في نفسك أن الله شدد عليهم شروط وصفات هذه البقرة .. فلو أنهم عمدوا إلى أي بقرة فذبحوها لحصل المقصود منها، ولكنهم شددوا فشدد عليهم.

مسلمة في لندن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن