فلذات كبدك وكبدي

2.5K 140 8
                                    

كانت أسوء ليلة لمدينة الحسيمة هدوء لا يسمع به سوى بكاء الأطفال والنساء وحتى الرجال  .. بعد انقشاع الظلام أشرقت شمس حزينة  أضاءت عن جوهرة الريف، يا حسرتاه ماذا حل بها هل هو غضب الله الذي أصابها أم قنبلة ألقيت عليها .. مئات تحت الأنقاض الكل منكوب من ينقذ من ؟! من يواسي من ؟!  .. ظلت مريم حاضنة على أخيها بقوة تنتظر خروج والديها معا فهي لم تستوعب ماذا حصل ..ولو لا جار لهم لما تحركت من هناك قبل رؤيتهم ... ما إن سمع السيد محمد بما حل بمدينة الحسيمة حتى أتى مسرعا ليطمئن عن أخيه ..ليتلقى فاجعة وفاة أخيه الأصغر وزوجته ...بكى بكاءا مريرا  كأب فقد ابنه .. أخذ أبناء أخيه وقرر كفالتهم فلم يبقى لهم سواه ... وقرر أن يعيش بمدينة الحسيمة قرب أخيه ...
نزلت عبرة ساخنة على خد مريم لتذكرها بتلك الأحداث مسحتها بكفها قبل أن يراها أخيها.. لطالما غارت منه لعدم تذكره لأي شيء عن تلك الليلة المرعبة ..
وقف السيد محمد أمام مقبرة وسط المدينة ترجل من السيارة وتبعه خليل ومريم دون أن ينطقوا بكلمة ... قبل أن يدخل المقبرة قال دعاء دخول المقبرة وذكر أبنائه بذلك "السَّلام على أهل الدِّيار من المؤْمنين والمسلمين، ويرحمُ اللَّهُ المُستقدمِين منَّا والمُستأخرِين، وإنَّا إن شاء اللَّهُ بكُم للاحقُونَ" وخلع نعليه وتمشى حافيا امتثالا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم وأمر خليل بفعل ذلك أيضا وذكره بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلا يتمشى بين القبور بحذائه فأمره أن يخلعهما وأن يتمشى حافيا ..أمرهم باتباعه حتى وصلوا أمام قبرين مكتوب عليهما إسمي "عائشة و عبد الله " اقترب من قبر أخيه نفث عنه الغبار وقال بعينين دامعتين بلهجته الريفية الأمازيغية  " لقد أتيت يا أخي ..وجلبت لك معي فلذات كبدك وكبدي " وخرَّ  باكيا مبكيا معه مريم وخليل، من قال أن السنين تنقص من حجم المصيبة، بل انها تزداد معها .. انحنت مريم عند قبر أمها وظلت تبكي بحزن وعجز، ولولا خليل لما نهضت من هناك كان الأقوى بينهما ..عانقها بقوة وهو يحاول كبح دموعه قائلا " لم تبكين ؟ أتريدين أن يحزنوا ؟ ثم ثم ما الذي تقولينه ؟ تركوك وحدك !  ماهذا الهراء ؟! أين تركتني أنا وأبي " لم تجبه وظلت تبكي " رفع رأسها عن كتفه محاولا تهدئتها "أرجوك كفي عن هذا لو كنت أعلم أننا سنأتي هنا لما كنت وافقت، لأنه في كل مرة تأتين يحصل هذا وتمرضين " ... اقترب منهما السيد محمد بحزن أخذ كل واحد منهما في حضنه وقال "مريم أنت تعلمين حق المعرفة أن هذا البكاء لن ينفع بشيء بل قد يضرهم ...فقط إدعي لهم وتصدقي لأجلهم وإن شاء الله نلتقي في جنته "     ..

مسلمة في لندن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن