*** ما تنسوا التصويت و التعليق على الحلقات ***
في إحدى القرى التابِعه لولاية الجزِيرة:
سألته رِيم بصوت طفولِي يملأه الفضُول : يا عمُو رُوح حتجِي متين؟
وضَع كوبَ الشاي على الطاوله بقربه : في أقل مِن شهر لو ربّنا هوَّن
سألته مجدداً : عشان كِدا إنتَ منتظرها هنا مُش!؟
هزُّ رأسه إيجاباً
قاطعه الزبيِر : بِتك كِبرَت ما شاء الله يا خُوي ، النصيحة تتقَال بعدّه بقَت قدرَ العِرس
زفرَ بعُمق : العِرس دا ما كلُ حاجه في الدنيا دي يا الزبير ، بعدين ملحُووق والله ، أحسَن ليها تتعلّم وتقرأ ، الزمن دَا التعليِم بقى رقم 1 في الحيَاة
الزِبير : وشِن بتسوِي بقرايتهَا؟
ردّ عليه على قدر ما يستوعِبه عقله البسيِط : عشَان كان راجلهَا خلاهَا في أي يُوم تقدَر تسنِد روحهَا برُوحها وتجيِب 10 غيرُو وأحسن مِنو كمان
أجابه بعدم لا مُبالاة : والله البِت نهايتا بيتهَا وراجلها بس ، قراية شنُو دي القايمات فيها دِي!
أشارَ إلى إبنته : شايف ريم بتِي دي أول زول يدق لي البَاب بديهَا ليهُو!
نظرَت إليه رِيم بحُزن ، ثم غادِرت المكان بخُطى مسرِعه
هزَّ عبد الله رأسه متأسِفاً ثم صمت متجنِباً النقاش معَ أخيه فهو يدرَك جيداً محدودية تفكيرِه وضيقَ فهمِه ؛ لذا على أي حال لَن يكونَ نقاشَاً مُثمراً بَل سيصلانَ إلى طريقٍ مسدُود ، تناول كوب الشاي وتابعَ شرابهُ بصَمت
ــــــ
فِي منزِل عائلة عبد الله:
صعَد الدَّرج ناوِياً الذهابَ إلى غرفتِه ، إستوقِفه بابَها الموارَب ؛ لمحهَا نائِمة سانِدةً رأسها إلى طاولة الكمبيوتَر ، أمسِك قبضَة البَاب ودفعهُ بخفّه ، وقف على مسافة غير بعيدَه منها يتأملُ ملامِحها بصمت كسجينٍ ينظُر من نافذة وحيدة تطلُ على العالَم ، لم يكُن يعِي ما يفعلُه وكأنما تتحكّم به قِوى تفوقهُ قدرةً ، تقدّم بضعَ خطوَات حتَى صار قبالتهَا ، مدّ يده ليداعِب شعرهَا كما كانَ يفعَل أيام طفولتِها لكنه تدارَك نفسهُ في آخِر لحظَة فأبعد يدَه بسُرعة ، فهِي لم تعُد صغيرتهُ المُدلّلَه ، وليسَ له أدنَى حق بالدخُول عليها بدونِ إذن في هكذَا وضع ، تعوّذ من الشيطَان ومن أفكارِه الجارِفه ثم خرُج مسرعاً وأغلق البابَ خلفه ببُطء
إرتمى على سرير غرفتهِ .. وبحلَق في الفراغ ، فاستجّمع ذكرياتهُ معهَا ، لقَد تغيّر الزمن حقاً ، ولم تعُد رُوح تلكَ الطِفلة التِي يحملهَا بينَ ذراعيه ويحتضِنها متى ما أراد ، كان هو حامِيها والمدافِع الأول عنهَا ، كانَت أخته حقاً .. أما الآن فهو حقاً لا يدرِي فمشاعرَه تجاهها تقوده نحوَ طريقٍ مجهُول قد لا تحمَد عقباه
باتَ حائِراً فِي أمره ، تلكَ الرّعشه التِي تصيبهُ كلمّا لامسَت يدهُ كفّها الرقِيق ، خفقَات قلبه التِي تتسارَع كلَّما ركِبت بالقُرب منه في السَّيارة ، مشاعِر الكدَر والقلق التِي تجتاحهُ لحزنهَا ؛ فلا يصفُو ولا يطمئِن حتَى تُشرِق شمسَ إبتسامتها من جدِيد
هَل عليه أن يأمرهَا بأن تغطِي وجههَا عنهُ حتَى لا يغّرق بها أكثَر .. هزُّ رأسه نافياً ومستبعِداً لتلكَ الفِكرة تماماً .. كيفَ سينعَم برؤية وجهِها إذا ما قررت تغطِيته ، إذاً ربما عليهِ تجنّب المكوث والتواجُد معها فِي المنزِل حتَى لا تشّعر بإرتباكِه وبعثرته في حضُورها!
أمسَّك رأسهُ ليوقِف سَيل التفكير الذِي أطاحَ بهِ .. لكِنّ المشاعِر كالسُّم إذا وجدَت لقلبِك منفَذاً ستسرِي فِي جسَدك سَريان الدَّم
ملامحهَا المحفُوره بداخِله باتت تطارِد عقله كظِله
ـــــــــ
مسَاء اليوم التالِي :
ودّعت صديقتها العنُود ثم توّجهت إلى المنزل مرتدِية نقاباً وعَباءة ، وما إن دلفَت حتى لمحتهُم مجتمعِين في الصّالة التِي يطلُ عليها الباب الخارجِي ، تقدمت بخطوات سريعة ثم جلسَت بجانبهُم دونَ أن تكشِف عن وجهِها كما كانَت تفعل سابِقاً بعدَ زياراتها الخارجية ، رمقهَا فهد بنظرَه مستنكِره ، لكنها لم تراه .. إعتدلت في جلستها ، ثم تتنحنَحت : أنا إتخذت قَرار وأبغاكُم تعرفونَه!
شُدّت إنتباههُم ، ثم واصلت : أنا بتنقَب رسمِي إن شاء الله وبنزِل الجامعه منقبَه ، إلتفتت إلى فهَد : حتَى إنت يا فهَد ما عَاد تشوف وجهِي ولا تصافحنِي
كافأتهَا أم فهَد بإبتسامَة عريضَة : خيرَ ما عملتي يا بنيتِي ، الله يثبتِك ويقويِّك
إحتضنتها سَاره مازِحه : كذا مِن جَد صرتِي سعودية سعودية
قاطعتها مصُحِحه لمقولتهَا : لااا يا سارَه ، أنا ما لبستَه لأنه الزّيّ المفروُض هنا ، أنا لبستَه عن قناعة من نفسِي ؛ أشوفَه يناسبنِي ويرضِي ربِي
إبتلعَ ريقَه بصعوبه فقَد وقَع ما كانَ يخشاه ، بدأت الحواجِز بينهُما تظهر شَيئاً فشيئاً ، لن ينعَم برؤيتها مجدداً رُبما لكنهُ سُرَّ لقرارِها فعلى الأقل سَيطمئن بإن لا يراهَا أحدٌ آخر
رمقهَا بنظرَه يختلِط فيها شعور السَعادة بالحُزن : مبرُوك .. قرارِك جاء في وقته ، الله يثبتِك ويقويِك
أجابتهُ : الله يبارك فيك
نهَضت من مكانهَا لتُجرِي مكالمه مع والِدها لتعلِمه بالأَمر وما آلَت إليه الأمور مؤخراً
يتبع......