الجزء 24

516 13 0
                                    



أوقفه صاحِب سيارة الأجرة أمام عمارَة السكَن الجامعِي بفالوفِيد ، إتصلَ بهاتِفها ليفاجأها بحضُوره لكنهَا لم تجب ، إتصلَ مراراً وتكراراً ، تساءَل عما إذا كانت نائِمة! ، لكنه يعلم أنها عادةً ما تسّهر في دراستها لساعات متأخره من الليل لذا إستبعد هذا الخيار تماما ، وبدأ الخوفُ يستسرّب إلى أوصالِه ، توجّه نحوَ بوابة السكَن فلمَحَ فتاتين إحداهُما ذات ملامِح آسيوية والأُخرى بعباءتها بدَت كأنها قادِمة من إحدى دول الخلِيج ، كانتَا قلقتين ويبدُو على ملامحهما الأرَق
إقتربَ منهما وحياهُما بالإنجليزية : مرحباً ، هل يمكننِي الإستفسارُ عن إحدى الطالبات هُنا..؟
رمقتهُ هِند بنظره غاضبه : ألا ترَى أننا منشغلات؟
واصلَت التحدُث عبر الهاتف : نعَم ، أرِيدُ تقديم بلاغ عَن إختفاء صديقتِي ، نعَم .. ، لا أرجُوك لن ننتظِر حتى تمر 48 ساعَه .. قلتُ لكَ بأنه قد تَم تهديدهَا وأخاف أن يحدُث لها مكرُوه
حسناً .. في فالوفِيد ، نعم نعم ، إسمهَا رُوح عبد الله
قاطعهَا بذُعر : إيش قلتِي ، رُوح..؟

ـــــــــ


أحسّت بيدٍ بارِدة أمسكَت بجانبِي وجهها ونزعَت عنهَا الشرِيط اللاصِق بقُوه جعلتهَا تصرُخ من الألم
تكلّمَت بالإنجليزية بصوتٍ مرتجِف : أينَ أنا؟ ، من أنتُم؟
سمِعت صوت إشارَة تشبه فرقَعه الأصابِع ، ثمَ أصوات أشخاص يغادِرون ويغلقُونَ البابَ خلفهِم
صرخت مجدَداً بخوف : من أنتُم؟ ، ما الذِي تريدونَه ، أين هو وشاحِي ، أين...
شعرَت بأنفاس أحدهم تقترِب من وجهِها ، نزلَت منها دمعَه ساخِنه من تحت العُصابَه التي غطت عينيهَا ، إرتجفَت شفتاهَا خوفَاً : م.. من أن... أنت؟
أحسّت بيدِه الثقيلَة تمرُ على خدِها ثمَ على شِفاهها وعنقهَا ، وجاءتها نبرته الإنجليزيه المألُوفه : لا أحد يعبثُ معي أبداً ....أبداً أيتها المرأة الغُراب ، أم أقُول أيتها الحسنَاء المتخفّيه؟
صُعقت عندَ سماعها صوتهُ ، تفَلت في وجهِه ثم صرخَت فيه : أيُّها المرِيض .. كيفَ تجرُؤ على إختطافي..؟
مسحَ وجهه بيدِه اليسرَى ثم أمسكَ بشعرِها المنسدِل على كتفيها باليَد الأخرى وشدّها إليه : سأُلقنكِ درساً لن تنسينهُ أبداً ، ولكِن قبل ذَلك دعيني أسألكِ سؤالاً أيتها المرأةُ الغُراب ، أنتِ فاتِنه و... مُغرِية كمَا أرى -مدّ يده الأخرى ولمسَ طرف وجهِها - حتَى أنه قَد بدأت الأفكارُ تتلاعَب بي
فلماذَا تتبعينَ ديناً رجعِياً متخلِّفاً يكبُت حرِيتكِ ، ديناً يحرمُكِ من أن تعيشي حياتكِ وتستمتعينَ بها..؟
إنه دينٌ يضعُ المرأةَ في أسفلِ القائِمة ، يدعو للتخلُف والرجعِية
أبعدَ يده عَن شعرِها وأزالَ عن عينيهَا العُصابه ثم سألها مجدداً مثبتاً نظره على عينيها : لماذَا؟
أجابته بحنَق : هذَا شئ لن يفهمه أمثالك يا جَاك ، دينِي لم يحرمنِي من حُريتِي ولم يجبرنِي على ما لا أرِيد ، أنا حرّه هكذا وهذَا هو خِياري لأن حريتِي فيمَا أريدُ أن أرتدِي أنا لا فِيما أردتَ أن ترَى أنت ، ودعني أسألك أيضاً ؛ هل جرّبت يوماً أن تعرِف دينِي بلا زِياداتٍ أو رتوش ، بلا مقالاتٍ صحُفية أو كيانَات إرهابيه؟ بعيداً عن الإعلام ونشرَات الأخبار ، هل قرأت يَوماً عن النبِيِّ مُحمّد!
هَل عرفتَ كيفَ كان يُعامِل أصدقائه وأعدائه..؟ هلّ كلفتَ نفسك يوماً بكتابَة إسمه على محرك البَحث لتعرِف ولو شيئاً واحِداً حقيقياً عَنه .. بعيداً عن أكاذِيبهم!
صمتَ لفتره دون أن يجيبهَا ، لكن صوتَ الطرق على الباب قطع صمتهُ : جاكَ .. يبدُو أن الشُرطة قد علِمت بالأمر ، إنهُم يحاصرون المكَان
نظرَ تجاه الباب مزهُولاً : ما الذي تقوله بحقِ الجحيم .. كيف عرفوا مكاننا؟
نظرَت رُوح بإتجاه حقيبتها المُلقاة على الأرض : كيفَ لم تنتبِه لهذِه النُقطة أيها الخاطِف المُحترِف والذي يتهِم الآخرِين بالتخلُف والرّجعِيه ، بالطبع قامُوا بتعقُّب هاتفِي بال GPS "نظام تحديد المواقِع"
نظَر إلى حقيبتها الملقاة على الأرض : تباً!

ــــــــــ


وضعَت اللحم المشوِي داخِل المايكرويِف ثمَ خاطبتهُ بلهجَة مازِحه : إنتَ عايز تفرحنَا بيك متِين ، هسي مفرُوض في وقت زَي دا .. أنا أكون قاعدة أتجيَّه وأتميّز عشان عرسَك في العِيد
قاطعهَا : عليك الله يا أمل ما تبقي لي زَي أبوي ، ما صدقتَا سكت ..تبدي لي إنتِ الأسطوانة دي من جديد!
أمَل : أنا عندِي لِيك عروُسه زَي القمر وكمان بِت...
قاطعها بنبره حاده : أمل ما تزِّنِي لي في رأسي .. قفلِي السيرة دي .. ولا بقفِل أنا منك هسي
تنهّدت : لالا ما تقفِل ، غايتو ..اللّهُم إني صائِمة بس ، الزول ما يهظِر معاك كلو كلو
يضحَك : صايمة شنُو وإنتِ بتشوشوِي في اللحمة في نُص اللِيل

ــــــــ


لا تدرِي من أين جاءها كلّ ذلِك الثبات لكَي ترد عليهِ .. بينما كانَ قلبها يرتجِف كورقَه صغِيرة تلعب بها الرِياح ، قامت الشُرطة بإعتقال جاَك ورفيقيهِ ، وما إن فكوُا قيودَها حتى أمسكَت بوشحاهَا ووضعتهُ على رأسها .. ثم لمحتهُ واقِفاً على البَاب ، ظنّت أنها تتخيّل لأنه كان دائِماً ما ينقذها عندما تتعرّض للأذى ، كان الوَجه الأول الذِي تراه عند كلِ مواقفٍ صعب فتنهدّت بأسى ظناً منها أن المُخدر قد عبث بصحّة عقلها ، لكنه تقدّم إليها بخطواته الثابته وخاطبها بصوتٍ إختلطت فيهِ مشاعر الخوف بالبهجَه : حمدِ لله على سلامتِك
دمعت عيناهَا : فهَد؟ .. إنت مِتَى جيت؟
هرولت إتجاهه باكية ، لم تتذكّر تلك الخطوط الحمراء بينهُما ، لم تعِي نفسهَا ولا ما أصبحَت عليهِ ، رجعَت إلى الطفلَة التِي تسكُن بداخلهَا .. الطِفلَة التِي كان يحميهَا فهَد من أبناءِ الحَي ومِن كل من يتجرأ على مجرّد سكب دمعه على خدِها ، إرتمت فِي حُضنهِ باكيَة
رفعَ يدهُ ليبعدهَا .. لكنهُ لم يجرؤ على فعلها لذا ضمهَا إليه بقُوه ، لم يكُن لحظتهَا فهد العاشِق المُشتَاق ؛ بل كانَ فهَد الأخ الحنُون ..الذي لا يحتمِل أن تمَس أخته ذرة من سُوء


يتبع......

غربة روححيث تعيش القصص. اكتشف الآن