رمضان |15 أغسطس |2011
في البيت الكبِير :
صَمت الرِيف وببساطته لهما سطوة كُبرَى على تفاصِيل المكانِ وما يحيط به ، فرمضان هناك لهُ قُدسِيه خاصه ؛ وطعم حنينٌ وطيّب ، وطقُوس أعظم مِن تلكَ التِي تتقاسمهَا سقوف المبانِي السامِقه ، فالناسُ هنا لا يتشاركُون الطعام فحسب ، بل يتشاركُون الحبّ والهموم والأعبَاء، فكانَ كل ما فِي المنطقه ينطبقُ تماماً على وصف الشاعِر العظيم سيف الدِين الدسُوقِي : " والناسُ أروعُ ما فيهم بساطتهُم ، لكنّ معدنهم أغلى من الذهب"ِ
في الباحَه الأمامية لغُرفة الحاجّة نِعمات جلسَت النِساء على إحدى السجّادات الكبِيرة يتناقشنّ في شتَى أمور الحيَاة عقب الإفطار
بينمَا إتخذّت الشابَات مكاناً قصِياً يؤنسهُن مِصباح الشارِع الذِي إنعكسَ ضوءه وتناثَر بين أرجاء الحوش ، يتسامرنّ فيهِ عن أمورهُن الخاصّة وطموحاتِهن وأحلامِهن التي لم ترى النُور بعد
ـــــــ
مساءً
في ديوان الرِجال :
جلسَ كلٌ مِن عبد الله وأخويهِ عَلِي والزبِير وأبناءِهما وكلٌ من أشرف وأسعَد وأبناءهُم ، جمعتهُم إلفَةُ الشهرَ الكرِيم بعيدَاً عن الخصُومات والإشتباكات القدِيمة
تحدّث الزبير بصوتِه الأجَش الخشِن كأسدٍ عاد تَوه من الصَيد : يا جماعة وكِت الله لمّانا كدِي أنا عندي كلام بدُور أقولو
إحمرّ مصطفى من الخجَل ؛ فهُو يعلَم جيداً مضمُون الكلام الذي سيُقال ، إنتبه الجمِيع مع الزِبير مصتنتين لحدِيثهِ ، فخاطبهم قائلاً : أنا ولدِي مصطفى كِبر وإتخرّج وإشتغَل ، والحمد لله بقَى زول مسؤول وعارف مشهادُو وين
قاطَعه الجميع متمتِمين بالمدح والثناء على أخلاق مصطفى
واصَل موجِهاً خطابه إلى أخيه عَلِي : دحِين يا علي أخوي .. مصطفى دا ورانِي وقال دايِر بتك الكبيرة ريمَاز ، إتا رأيك شنو!
سرعانَ ما إلتفّ الشباب حولَ مصطفى وبدأوا يضايقُونه بالتشغيلات : أبشِر .. أبشِر يااااااعريس
إحتضنه عَلِي بإبتسامه عريضه ، ثم ردّ على أخيه الزبِير بلُطف ليتفهمه : والله ياخُوي أنا أتشرّف بي نسبَك ، ومصطفى ما شاء الله عليه راجِل فاهِم ومتعلِم ما فيهو ولا كلمة ، بَس النشوف رأي البت أول
نظَر إليه الزِبير بإمتعاض : مدام إتا مُوافِق ، مالك ومال رأي البِت ، أنا هسِي كنتا داير شورتكُم لي عريس إتقدّم لي ريِم بتِي
نظرَ إليه مُصطفى مستنكِراً : شنُو؟ ، ريم!!!!!
ــــــ
بعدَ مرور يومَان:
عصراً في الباحَة المُشتركة للحوش الكبِير :
جلسَ يُفكِر في طريقة تجعل والدَه يتراجع عن تزويِج أخته ذات ال15 ربيعاً لرجلٍ يكبرها ب20 عاماً ، تسلل إليه صوت صراخ رِيماز من باحة المنزِل ، خرجَ مُسرعاً فلمَحها تدورُ تحتَ شجرَة النِيم هارِبة من شئٍ يُطارِدها ، إنفجِر ضاحِكاً من هيئتِها ورفع يده متسائِلاً : الحاصِل عليك شنُو!
أجابته بصوت مخنوق ولاهِث : مصطفى تعال زِح منِي النحلات ديل
إرتفع صوتَ ضحكتهِ : الكوارِيك دي كلها عشان نحلتِين جاريات ووراك ؛ ثم أكمل حديثه متغزِلاً : تلقيهِن قايلاتنِك وردَه هسي
صرخَت فيه بصوت شبه باكِي : برا وردَه بلا كلام فاضي ، يا مصطفى عليك الله تعال زِحهم منِي ، ولا .. ولا ما حاوافِق
إبتسم ثم توجّه نحوَها مغطِياً وجهه بكُمِ قمِيصه : كل شِي ولا عدم موافقتَك دي ما بتحملا أنا
قاطعتهُ بصوتٍ مسمُوع عن قَصد : اللَّهم إنِي صائِمه
ـــــــ
مساءً:
إجتمعَت كل الفئات الشَبابيه في العائلة وقرروا إيقَاف الزبِير عن قرارِه بتزويِج ريم
أحمَد : هسي كان ساميَة قاعدة كان حسمَت الموضوع ده ، ماف زول غيرها بسكِت الزبير عمّي ، المهم جهزوا كلامكُم وأنا حاناديهو ليكُم
مصطفى : رِيم بت متفوقَه ومفروض تتِم قرايتها ، ما مفروض يفرِّق بينها وبين أخوي رامِي كده بالجد بديت أخاف على ريهام برضُو ، بس أبوي زول عصبِي وما بيتفاهم والفِي رأسو بسويهو ، وأمي المسكينه ما بتقدَر تفتح خشمها قِدامو
رهَف : لو رفَض حنكلم أبوي يسوقها معانَا
ريمَاز : بالضّبط كدا
رُوح : ما عليكُم إنتوا بَس نادوهو وأنا بتِم الباقِي
غابَ أحمَد لمدّه ثم رجَع معَ عمهِم الزبِير
الذي خاطبهُم بحنَق : خير .. مالكُم؟
مصطفى : ريم صغيرَه على قراراتك دي يا أبوي
قاطعه بغضَب : قراراتي خَط أحمَر يا مصطفى وما دايِر زول يتناقش معاي فيها ، الرسُول زاتو عرّس السيِده عائشه وعمرها 9 سنين عشان ما تقُول لي حرام
إنفجرت فيه رُوح بإندفاع : إنتوا فاكرين نفسكُم شنو؟ ، تمشُوا الدين دَا على مزاجكُم !
نهرها بحِدّه وغضب : يا بِت عبدالله أحترمي نفسِك
فسمِع نبرته العاليه جميع الجالسين بجِوار الغرفة بالخارِج فهرولوا إليه
عبد الله : في شنُو ياخوااانا؟
تهانِي : بتكُورك مالك يا الزبير والدنيا رمضَان!
بينما إكتفى عَلِي وزوجته بالصَمت
واصلت روح ما بدأته من حديث : لازم تفهم إنو النسوان زمن الرسُول ما زي نسوان الزمَن دا ، بنيتهُم الجسمانيه ذاتهَا بتختلِف ، وبعدِين تعال هنا .. نفس الرسُول الإتزوج عائشة وعمرها 9 سنه إتزوج خديجَه وهي أكبر منُو بي 25 سنه
أشارت إلى عمها وزوجته : مدام متديِّن للدرجة دي ليشنو كنتَ معارِض على زواج عمي عَلِي زمان ، مش قُلتَ خالتو إبتسام أكبَر منو ..!؟
الزبِير : .........
حدّقت فيه بحِده : الدين دَا ما بيقبَل التقسِيم يا عَمي ، يا إما تاخدو كلو .. يا لا
ثُم خرجت ، فتبعهَا كل الشبَاب المتواجدِين في الغُرفه
أما هُو فقد واقِف صامتاً كالصنَم ولم ينطق بعدها بكلِمة كأنما إبتلَع لسانه
ـــــــ
بعدَ مرور 3 سنوَات:
الأحد|13 ديسمبر 2015
كافتيريا النشَاط الطُلابِي :
رُوح : يا قاسيَة ، مكَان الخِدمة بتاعِك قريب وما بتجِي تزورينَا ، نحن عارفِنّك ما جايه لينَا .. تغمُز لريَّان : مش كِده يا ريّان
تومئ برأسها ضاحِكة : جايه لخطِيبها البياعَه ما جايّانا
ساريَة : يا معفنَات ، والله ما بجِي الجامعة عشَان أحمَد .. أصلاً هو بتَاع ونسَات وأنا قافلاها فِي وشُو ، لسه بدري على الحاجات دي
تعالت ضحكاتهُنّ على جملتها الآخيرة
ريّان : ده كنتِي تموتِي عشان يقول لِيك كلمَه ؛ هسِي إفتريتِي عليهو
ساريَه : أتسدَا حَق الطرُد من المحاضرَات أول وبعَد العِرس نتفاهَم ، بس والله العظيم حقيقةً جدولي مليان
غمزت لها رُوح : براڤو عليِييك .. خليه يتأدّب شويَه ، غايتو أنا عجبتيني بتصرُفك ده
ريّان : كدي قلتي لي جدولك ملان ؛ البسّمعِك بقول شغَالة في بنكَ السودان المركزِي ههههه
ضربتهَا على كتفهَا مازِحه : عارفَه نفسي واحشَاكُم وكِدا وبتَاع بس يَومِي متواصلِه معاكُم بالواتس وعارفَه أخباركُم تاني دايرِين شنُو؟
قاطِعها رُوح بنبرَه حزينَه : حتَى ولَو ، أصلاً كلكُم كِدا .. الواحِد بعد يتخَرج بينسَى الناس وبيختفِي فجأة
نظرَت إليها ريّان بتَفهُم : قصدِك بجملة "بيختفي فجأة" دي سليِم صَح!
رُوح :.....
سَارية : والله الولَد ده أغرب زُول لاقانِي ، من إتخرجنَا وأنا ما سمعتَ عنو شِي ؛ لا حِس ولا خَبر ، التقول الواطة دي إنشقّت وبلعتو
ضحِكت ثم واصلَت حديثهَا : مصطلحَات زَي غمُوص و إختفَاء دي بالجد لايقَه على شخصيتُو جِداً
رمقتهَا رُوح بنظرَة حادَة ثمَ حنَت رأسها ووضعتهُ بينَ يديهَا
ساريَه : ما تحمِّري لي كدا ، إنتِ بتحبيهُو على أي أساس يا شيخَه وعمرِك ما فتحتِي معاهو موضُوع غيرَ الكتُب والخرابِيط البتتناقشُو فيهَا دي ولا حتَى واحِد فيكُم ساي إتجرأ وأخد خطوَة تجاه التانِي
رُوح : دايراني أعمل شنو مثَلاً ، أعترف ليهُو يعني والله ده الياهو الفضَل! .. وفرضاً إعترفتَ حيقول عنِي شنو ، أكيد سابع المُستحيلات يفهمني صاح .. أنا لو وصلت لمرحلَة الإعتراف دي إتأكدي إنو خلاص فاض بَي وجنيت ، بس أنا الحمد لله لسه عقلي معاي وما وصلت للمرحلة دي
ساريَة : لكن...
قاطعتها ريّان هامِسة : بَس خلاص يا ساريَة ما تقلبِي عليها المواجِع ، ما صدّقتا إنها نستُو شويّه
ساريَه بهمس : طيّب ، ثم رفعت صوتهِا مُغيِّرة للموضُوع : ياخ فِكُونا مِن السيرَة دي ، أها إحساسكُم شنو وده آخِر إسبُوع ليكُم في الجامعَه؟
يتبع.....