الجزء 09

642 10 0
                                    


بعد مرور يوم
ود مدنِي :
منزِل عائِلة عَلِي :
إجتمعُوا على طاوِلة العشَاء في إحدى المباني السكنية بحَي المطار ، أحضرَت إبتسَام العصير ثم جلست قُرب زوجهَا وخاطِبتهم بإبتسامتها الدافِئة : لمّة في الحرَم إن شَاء الله يا جمَاعة
أجابها الجميع بأصوات متفاوِته : آمين .. آمين
أمالَت برأسها إلى أُذن زوجهَا : الولدَ دا فَات وِين..؟
يزفُر : حيكُون فات وِين يعنِي .. ما أكيد في شارع النِيل معَ أصحابو
أردفَت قائله : إتصِل ليهو ووريهو إنو بِت عمو قاعدَه معانا ؛ عشَان ما يجي داخِل البيت تُوش
هزّ رأسه إيجاباً : طيّب ..طيّب
قاطعتهم الحَاجَّه نِعمَات موجِّهه حديثهَا لابنة أخيها رُوح : وإنتي إتدمدمتِي كَدي متِين يا بِت عبد الله ، هسي الدايِر يعرِّسك كيفِين يشوفِك ؟
أجابتها روح بضحكَة مكتومة : قبلِ فترَه يا حبوبَه ، العرِس دا قِسمة ونصِيب ؛ بعدين في حاجَة إسمها الرؤية الشَرعية
الحاجّه نِعمات : عااد نعِيش ونشوف .. أها والرقية الشرعيّة دي شنُو؟
إبتسمت : رؤية يا حبُوبه ما رُقيَه ، النسوان زَمن الرسُول عليه الصلاةِ والسلام - يصلُّون على النَبي إثرَ ذكرها لإسمه- كانوا بغطوا وشُوشِهم بالخِمار ، ولو الواحدَة دايرِين يخطبُوها بيخلو الخطيب يشوف وشهَا كان دارهَا الموضوع بتِم ، وكان لا .. برجعُوا ويا دار ما دخَلِك شَر
أجابتهَا جدتها بإستيعاب : حيدانِي كبرتِي يا بت عبد الله وبقيتِي فاهمة ، بس برضُو الدَمدمَة دي في بلدنَا ما حبابا
قاطعهَا عبد الله بلُطف : الحِشمة دي يا يُمه ما عندهَا زمن معين ولا مكَان معيّن
قاطعهُم عَلِي للإطمئنَان على والدتهِ : كدِي هسي بقيتِي كيف يا يمه .. ما حاسه بتحسُن؟!

ـــــ


بعدَ ساعتين:
ألقَت بِجسدِها المُنهَك على السرِير ، وبدأت الأفكار تحوُم حولّ رأسها إستَرجعَت صورة فهد وكلامَه الملئ بالألغَاز .. لكنهَا أبعدَت ظنونهَا ورمتها خلفَ ظهرها ، ثمّ بدأت تراجع في حِوارها مع ذلِك الشّخص ، كيفَ يمكِن أن تجمعها به الدُنيا مرتَان .. ولمَا هو بالذَّات ، حاولت عدم التفكِير فيه ، لكنّ إهتماماتهُما المشتركة أثارَت إستغاربهَا بعض الشَئ ؛ لكنها أكتفَت بتعليق ما يحدث معهَا على شمّاعة المُصادفات ، لمحت كِتاباً ما موضُوعاً بإهمال على حافة السرِير ، إتسعت عيناهَا لتَذَكُّرها كتابها ، لقد أخذه منها أثناء حديثها معه ولم يُرجعه
تأففت بضِيق : لاااا .. بعد كدا أقطَع الأمل إنو يرجع لَي ، ليي أصلاً أن شلت كتابو وأنا قارياهو قبل كده .. فاليعوِضكِ الله فيما فقَدتي يا رُوح
نهضَت ثم فتحت حقيبَة يدها فوجدَت كتابهُ بداخِلها : يااااا ربي
دخلَت إليها رهَف : بتتكلمِي مع منو إنتي
إبتسمَت : بدّلتَ كِتابي مع واحد كان راكِب جمبي
قفزَت بحركة مفاجئة ثم إستقرّت بجانبها في السرِير : ومهمومة كدا عشان كِتاب ، كتاااب يا ماما .. يعني ما دهَب ولا قروش ههههه ؛ ووالله واحشانِي ياااخ
إحتضنتها : وأنتي كمَان يا روفَا ، طبعاً الكتب عندي زي القروش بالنسبة ليك كدا بالضبط
إنضَمت إليهُما ريمَاز القادِمة من بعيِد : حضُن جماعِي! يييييي .. يلا أحشرُوني معاكُم
ضحِكنَ بصوت مرتفِع من حركتها ؛ ثم جلسنّ على جانبيهَا إستِعداداً للبدء في سَرد الأحداث التي جرَت معهُما مؤخراً
ريمَاز : طبعاً رمضَان الفات حصلت لي مواقِف كتيرة مع مُصطفى و...
قاطعتها رَهَف : أرحمينا ياااخ من اللقطات الهِندية بتاعتك دي شوية ، ثم إلتفت إلى روح : خليني أحكِي ليك أنا حبَة أكشَن
رمقتهَا ريمَاز بنظرَه ساخِرة : أوعَى بس قصدِك شَكلة السُوق المعَ ود مدرسَة مكي الطيب ؛ قديتينَا بيها دي ياخ
قاطعتها بِتزمُت : وإنتيِ مالِك؟ ، رُوح ما عارفاهَا

ــــــــــــــ

صَباحاً :
أمام مدخَل الجَامعة :
إرتدت رُوح ملابِس سَوداء أنيقَه توحِي بالرّسمِيه رغم أنها كثيراً ما كانت تحِب إرتداء عباءات بألوان هادئة
بسيطة عندما كانت بالمملكة ، وبطريقةٍ ما بدت مميّزة حقاً عن بقيّة المُنتقِبات داخِل الحرم الجامعي واللائي كان عددهُن يحصَى بأصابع اليَد عكس ما إعتادت عليه ، ومن الوهلَة الأولى من سيلمحهَها سيعلَم بأنهَا طَالِبة دُولية فيداهَا الرقيقتَان لَم تخطف لونهمَا الناعِم شمسُ السودان الحارِقه رغمَ أنها أواخِر شهر نوفمبَر وقتها ، ولهجتهَا الهجيِنه التي تتخلها بعض المُصطلحات السعودية ، جهلهَا بالمواقِع وطريقتهَا في الوَصف كل ذلِك يجعلها كائنة غريبَة لا تنتمي لهذَا المجتمَع الجامعي
أفزعها منظَر الجَامعه التي كانَت شِبه خاوِيه عند مدخلِها كأنها غابَة جافّه مُحترِقة ، واكتشفَت أن توقعاتهَا كانَت أبعد بكثِير مما تراه عيناهَا الآن ، سارَت عبرَ الممَر الطوِيل الذي ينتهِي إلى داخِل الحرَم الجامعي وتتناثَر حوله الشجيرات هُنا وهُناك ، كانَت تسترجَع حوارهَا الآخير مع والِدها وتوصياتَهُ .. لم يعُد موجوداً الآن فلقَد سافر مُبكراً صباح هذَا اليَوم وهذا ما زادَ الأمر توتراً ، فلا أحدَ هُنا الآن ليوجِهها أو ليُملي عليها ما تفعلُه ؛ لقَد أصبحت فجأة مسؤوله عن نفسِها ؛ لكنها إطمأنت بعد أن تذكّرت وَعد ريماز لها بأن تزورها خلال هذا اليَوم بالجامِعه
أخذَت نفساً عمِيقاً ثم قامت بعمَل مسح شامِل للمكَان وقرّرت التوجُّه نحوَ إحدى الكافتيريَات التي عُلقت عليها لافِته عرِيضه بإسم "كافتيريا النشَاط الطُلابي" ، فقَد كان المكان يَعُجّ بالناس من مختلَف الأعمار والسَحنَات والأشكال
جلسَت على أحد المقاعِد الحديدية التابعة للكافتيريَا المُطلّة على موقِف المواصلات ؛ ثُم بدأت تتفرّس ملامِح الناس علّهَا تجد شخصاً تسألهُ عن مقَر كلية الهندَسة دونَ أن يطبِق عليها مقلباً .. فلقَد حذرتهَا ابنة عمِها من المقالِب التي يقُوم بهَا الطُلاب القُدماء للرُواد الجدد أو "البرالمَة" كما نطقتها رِيماز
قطعَت شرُودهَا فتاة سمرَاء ممتلئة الجِسم ترتدِي نظارَة زجاجية عريضَة لا توحِي بوجود مشكِلة في النظر أكثر من كونهَا إكسسواراً متماشِياً مع طلتِها الأنيقة ، صافحتها ثُم جلسَت بجوارها وبادرتها بالحدِيث : لَفتِي إنتباهِي من بعيد طبعاً ، شايفاك زَي الرايحَه كِدا
أجابتها رُوح بنبرَه مرتبِكة : كنتَ بفتش لي زول أسألو من كُليتنا عشان أعرِف المُشرف وموضُوع التسجيل وجدول المحاضرَات والحاجَات دي
إبتسمت لها بعفوية : شكلِك برلُومة زيي وجاي ، بتقري شنُو إنتِ؟
رُوح : هندَسة حاسُوب
رفعت حاجِباها السميكَان بنصف دهشه: حلوو .. طيب ما مشكلَة أنا بقرأ مُحاسَبة بس يلاكِي أوديك لمَقرّ الكُلية بتاعتكُم لأنو جمب قاعاتنا
نهضَت رُوح بإرتباك وتبعتها بخطوات متردّده ، وبينما يسيران في الطرِيق إلتفتت إليها الفتاة وسألتها بعدَ أن لاحظت عليها بعض الإرتِباك : ما تخافِي يابت ، والله ما عايزة أبرلمِك والفهَم دا ، أيوه أنا برلومة بس حفظت مباني الجامعَة أيّام التسجيل ، شكلِك كدا أول مره تجي صَح؟
هزّت رُوح رأسَها إيِجاباً : كان عنِدي شويّه مشاكِل في الإقامة عشان كِدا ما جِيت أيام التسجيل
إبتسَمت : أيوااا شهادَه عربيّة يعنِي!
صمتت لبرهَة إثر سماعهَا لهذَا المصطلح فتذكرت توجِيهات بناتِ عمها البارِحه والمصطلحات التي يُتوقع أن تسمعها داخل الحرم الجامعي ، أجابتهَا بنصف إبتسامه : أاا.. أيوه ، مُقيمة بالسعُوديه
إبتسمت لها الفتاة ثم أشارت إلى مبنى مكوّن من طابقين : شايفَه المبنى الملون بالكبدي دا؟
الطابِق الأرضِي فيهو مقر كلّيتكُم ، ممكن تسأليهم من مُشرف القِسم بتاعكم وحيفهِمك الحاصِل ، ثم مدّت يدها للمصافحَه : طيب يا سِتي أعرِّفك بنفسي أنا إسمي ساريه مُحي الدِين ؛ وبدرس في كلية الإقتصاد قسم المِحاسبة وإنتِ؟
صافحتها بدورِها : أنا رُوح ..رُوح عَبد الله
وأخذت منها رقمَ هاتِفها لتتصِل بها إذا إحتاجتها لاحِقاً ؛ ودّعتها ثم إستدارت إلى المبنى الذي عُلّقت عليه لافِته كتب عليها بخطٍ باهِت : كلِّية الهندسة والتكنولوجيا .. تَقدّمت بضع خطوات ثم دلفَت إلى الداخِل

يتبع.....

غربة روححيث تعيش القصص. اكتشف الآن