في طرَف المدِينه:
وِداد : والله يا محمّد العِيد بدون أمَل مسييخ ، كانَت مونسانِي ، ومِن رجعَت لندَن أنا البِيت ده بقى لي كيف كيف!
سليِم ضاحِكاً : بقَى لي فاضِي ومُريح
ضربتهُ بخفّه على كتفِه : دي أختَك يا متخلِف .. أخو السَجم والندَم
قاطعتها سُليمَة واضِعه يديهَا في منتَصف خصرَها : وأنا يعنِي يا ماما ما مُكفيَاك
سُليمة آخر العنقود وكعادتها تضحكهم بطريقة كلامِها وتعابيرها المرِحَه ، إحتضِنها مُحمّد بينَ ذِراعيه : إنتي العيِد كلوو وماليَه علينَا البيت ده لمّن داير يتدفَق عدِييل
قبِّلته على خدِه ثم إلتفت إليهم : سامعِين سامعِين .. البيت دايِر يتدفّق ، سورِي ليكُم كلكم
إلتَفتَ إلى يسارِه موجِّهاً كلامه إليه : أها مافِي أيّ خَبر عن نتيجَة القبُول بتاع الجامِعات يا سلِيم؟
وضَع الهاتِف على الطاوِله : والله سامع إنها في نُص شهر عشرَة
رفَعت والدته كفيهَا إلى السَّماء داعِيه : الله يعدِلا عليك يا ولدِي ، وإن شاء الله أشوفك رجُل أعمال قَدر الدنيا
نهَض من مكانِه وقبِّل جَبينهَا: إنتِ بس كتري دعواتِك السمحه دي وكلو تانِي بهُون
ثمَ واصَل سَيرهُ إلى الطابِق العلوِي ، دلفَ إلى غرفته وإستلقى على السرِير ، سرَح في السقف لبُرهة ثم مدّ يده إلى دفتَر كتاباتِه وقلَّبه باحثاً عن إحدى الصفحَات ، وحينَ وجدهَا كان مكتوباً عليها عِبارَة : " ما الذِي أربكَكَ يا قلبِي العنِيد"
أخذتهُ ذاكرتهُ إلى ذلكَ اليَوم ، إلى نصفَ الوجه الذِي حرَّك مشاعِره الغَافِيه ، أسند رأسهُ على الوِسادة ، أغمضَ عيناه فاستعاد ملامحهَا بدِقّه ، همسَ بالأبيات المشهُوره : ياتُو غِيم النازلَه مِنُو .. ياتُو مخمَل وياتُو جَو؟
ــــــــ
جدّدت الكحل فِي عيناها ثُم عدّلت نقابهَا أمام المِرآة وخرجَت
تخطَت الطاوِلات الزجاجِية بخِفه وهي خافِضه بصرها إلى الأرض لكنّها فجأة إصطدِمت بأحدهُم حتَى وقَع هاتفهَا على الأرضيه
هتفَا في نفس اللحظَه : آسف/آسفه
إندهشَت ما إن رأت وجههُ ، هو نفسَ الشخص الذِي عبثَ بإنتظام ضرباتِ قلبِها ، تقاسِيم الوجه الهادئة ذاتهَا ، اللحيَه المرتصفَه بإنتظَام على حافة وجهِه ؛ والعِطر القَوي الذِي علِّق بداخِلها منذُ ذلكَ اليَوم
بَحلَق فيها للحظَه ؛ بدَت له مألوفَه تلكَ العينَان اللتان إخترَقتا أعمقَ جزءٍ في قلبِه كيفَ لا يعرِفهما وهُما السّبب الرئيسِي لحرمانِه من النَّوم ليالٍ عِدّه ، إنحنِي ورفع لهَا هاتِفها من الأرض ، تنحنَح : لا يكُون صار له شَئ؟
تنَاولَته منهُ بخجَل وهمَّت بالمغادرَة
إستوقفهَا سُؤالهُ : سارَه..؟
شعرَت برعشَه سرت في جسدِها بأكملَه إلتفتت إليه منذهِله ، أرادت أنت تسألهُ كيفَ عرِف إسمها؟
لكنّ فهَد الذِي لمحهَا نهضَ من مكانَه إثر سماعَه لصوت إصطدامَ الهاتَف بالأرض ، إقترِب إلى حيث كانت تقِف ، فوجدَ صدِيقه نايف واقِفاً فحيّاهُ : هلااا بأبو الشباب ، كيف أمسيت؟
فغادرَت مُسرِعه ما إن وصل فهد ، لكنه ظل يتابعها بنظرات متقطّعه إلى أن إختَفت ثم صافحَ فهَد بحرارَه مجِيباً : والله حالي مِثل ما تركتنِي الظهر
جلسَا في إحدَى الطاوِلات المجاوِره وتبادلا أطراف الحدِيث ، بينمَا إنقادَ عقلهُ وقلبهُ خلفهَا مُذ غادرَت
قطَع فهَد شرُوده : إلّا أقول.. صحيح الشّباب رايحين البَر!
نايِف : ها .. إيه صَح .. بترُوح ويانَا!؟
أجابه بعدَ تنهِيده قصيرة : عمّي عبد الله موبالبيِت وخواتِي ما معاهُم أحد غِيري ، بروح معاكُم مرّه ثانيه بإذن الله
ربّت على كتفِه : إيه.. إن شاء الله
بعدَ مرور شَهر:
كانَت ترتدِي ملابِس رياضيه زرقَاء تبرِز نعومتهَا وقوامهَا الرقِيق وتَضعُ مِشبكَاً زهرياً صغيراً يضُم بينَ فكيهِ خصلاتها المتمرِّده ، تتناثَر حولهَا الكثِير من أقراص الCD بالقُرب من طاوِلة الكمبيُوتَر التِي كانَت منهمِكة بالإنشغالِ به ، كانَ شغفهَا الأكبر الإطلاع وقراءة الكتُب وهذا الشغف هو ما فتح عليها عوالِماً وآفاقَاً جعلت عقلهَا مُتقِداً ومنطقهَا فصِيحَاً قويَاً وتفكيرهَا عميقَاً ومرِناً ، لا تفعل شيئاً إلا عَن قناعةٍ ودِرايه وتمحيصٍ طويل ، أما مؤخراً فقد إنكبت على قراءَة الكتب التي تتحدّث عن الحِجاب ومواصفات الزَيّ الإسلامي المحتشِم فبدَت ترُوقها فِكرة النِقاب ؛ وفَي مجتمعٍ يعتبِرُ السِترَ عادةً وتقليِداً أكثَر من كونهِ أمراً ربانِياً لم تكُن لترتديهِ إمتثالاً لأعرافهِم ، بل إنها بحاجَه إلى سببٍ أكبَر من رِضى الناس ، سبباً يجعلهَا ثابته على رأيهَا وقرارَها ، فكان عليهَا أن تبحَث وتقرأ مراراً لتصلُ لتلك القناعة التِي تجعلهَا تُداري وجهها بكلّ ما فيه من مفاتِن عَن أعيُنِ الغُرباء ، وبعدَ مسيرة مِن التساؤلات والبحث لَم تجَد حلاً ناجعاً يتوافَق مع مواصفَات الزّي الإسلامي سِوى أن تنتقِب ؛ وكانَ هذَا هو قرارهَا القادِم
شعُرت بالإرهاق مِن كثرةِ التفكيِر، فأسندَت رأسها على طاوِلة الكمبيوتَر ثمَ غفَت على تِلكَ الوضعيَةيتبع.....