الرِيَاض :
قامَت بتعدِيل القِناع على وجهها ثم جمعت خصلاتها إلى الخلف بعشوَائية ،
مدّت إليها العنُود مجلّة وُضعَ على غِلافهَا صورتهَا أثناء المُقابلَة ، فنزعت شريحتا الخيار اللتان كانتا تغطيان عيناها ، وما إن رأتها حتَى نهضَت وإحتضنتها باكيَة : لا مو مِن جِدّك .. عالغلاف مرره واحدَه ، إيش هالمفاجأة!
إحتضنتهَا بلُطف : لا ما أبغى أشوف أي دمُوع ، اليُوم لازُم تكونِين مثل القُمَر
إحمرّت وجنتاهَا خجلاً : ما أبغى أسوِي شَئ أوڤر ، جِست ميكَب خفيِف ، جرّت حاسبهَا الشخصِي ثم قامَت بفتحِه : تعالِي ، أبغَى أعرّفِك على صديقاتِي فيس تو فيس ، راح أتصل عليهُم بالإسكايِب ، بيموتون من الفرّحة إذا خبرتهُم إن إسماءهُم إتنشرَت في مجلّه سعُوديه
خرجت منها ضحكه عَفويه ثم جلسَت إلى جانبهَا : دايماً تحكيلي عنهُم ، ولا مره شوفتهم غير بالصور ، أنا بعد متشوقَه أتكلّم معاهم
ــــــــــــــ
عصرَاً :
كانَ يتأمّل غِلاف المجلّة التِي إبتاعهَا لهُ صديقه خالِد صباحَ هذَا اليَوم ، إبتسَم لا إراديَاً عندمَا رأى صورتهَا والعنوَان المكتوب بجانِبها :
"حوارات | غُربة رُوح : فتَاة سُودانية سعوديَه تكرّمها جامعة مانشستر على بحثها العلمي ، وتحكِي لنا عَن تجربة حياتهَا كمنتقِبه في ثلاَث بيئَات مختلِفه.."
وضع المجلّه بعد إنتهائه من قراءة المقال فوقَ مجموعة من الكُتب المرتصفة بجانِب سرِيره ، فتحَ صفحتهَا على الفيسبُوك ثُم أرسلَ إليهَا طلب صداقَه .. بعد أن غلبه اليأس في الوصول إليها ولكن هذه المرّة لا حاجز يقف بينها وبينه ، أغلقَ هاتفهُ ثم توجّه نحوَ الخِزانه ليختار ملابسه التي سيرتدِيها الليلَه ، هذه الليله التِي طالما تَخيّل تفاصِيلها ، وظلّ يرتِب عباراتهُ ويتوقع سيناريوهاتها المحتمَله ، سيراهَا اليَوم ، مَن أرهقَت قلبه بالبَحث وعمرَه بالصَبر ، مَن عشِق رُوحها وفِكرها قبلَ أن يعرِف أيّ ملامِحٍ تَحمِل .. وأي درجَةٍ من الجمَال تُخفِي فلم يكُن يهمهُ كلّ ذلك .. كانَ يفكِّر في شَئ واحدٍ فقط وهُو سمَاع كلِمة "المُوافِقه" تنحدر من بينِ شفتيها ، كانَ مجرّد مرور طيفها بباله يرفَع معدّل الأدرينالين بجسدِه
ـــــــــــ
بينمَا كانَت تتجوّل بينَ أروِقة الفيسبُوك جاءهَا إشعَار "سليِم الجابِر " أرسلَ إليك طلب صداقَه"
شعرّت بوخذَه لذيذَه في قلبهَا ، فإبتسمت .. هكذا إذاً طوال هذا الوقت كان عنوان حسابه مرتبطاً بإسم جدِّه الثاني .. لم يكن إسماً يسهُل عليها تَوقُعه لجهلها بإسمه الكامِل
قامَت بفتح صفحتِه كأنما تفتح صندوق كَنز أو علبة هدايا ، تفاجأت بعدد المتابعِين الضَخم ، وتفاجئت بمحتوى كتاباتِه الشخصيَه ، لم يكُن قارِئاً فحَسب ، بل كان كاتبَاً وشاعِراً ذو شعبيه على مواقِع التواصُل الإجتماعي ، كانَت تتصفَّح منشوراتهِ الواحِد تلوَ الآخر ، كانَ بعضهَا يتحدّث عن الثورَة السودانية ، وجزءً منها عن مباريات الدورِي الإنجليزي ؛ وبعضها منشورات دينية ومشاركَات من صفحات لمؤتمرَات ريادة الأعمال ، لكنه خصِّصَ لها مدونه بإسم (إلى رُوحي الضائِعه ) فكان يكتب تحت هذا الهاشتاق بينَ الفينة والأخرَى تحتَ توقِيعه (#سليم_الجابر) ؛ لذَا كلما صادفَها منشورٌ من هذا النَوع قرأته بإبتسامَه بلهاء على شفتيهَا فهِي باتت تعلمُ جِيداً بأنهَا المقصُودَه بكلٍ حرفٍ يكتُبه ، كلماتهُ كانَت تحكِي حالهُ بعدَ كلِ موقِف وعندَ كلِ نوبَة حنِين ، وكأنهَا تاريخٌ مخطوط أصبحَ يروي لها مشاعرَه في تلكَ الأيام:
بدأت بقرأتِها بهذا التسلسُل ..الأحدث فالأحدث فالأقدم :
كان آخر ما كتبه منشوراً تفاعل معهُ متابعيه بصورة كبيرة وكانت التعليقَات عبارة عن تهاني وتبريكَات بمختلف الصِيَغ فقد كتب:
18أبريل 2019 الساعه 9:40م
أيٌ قدرٍ كُنتِ أنتِ يا جمِيله
وسوساتِي أوهَمتنِي
تَضحياتي ألجَمتنِي
أسكتتنِي .. أوقفتنِي
ثمّ ذاتَ التضحِيَات
منكِ وحدَكِ قرَّبتنِي
كلما قرَّبتُ كَفاً
ألفَ كفٍ عن مداركِ أبعدتنِي!
إنتِ من قَد ألهمتنِي
كنتِ قلمِي
وسَببُ ألمِي
كنتِ شِعرِي
وكلُّ نثرِي
أيِ صبرٍ يا عذابِي
وأنتِ صَبري في إغترَابِي
وأنتِ نصفِي في حضُوري
وكلُ بعضِي في غيابِي
|فالتشهد أيها العالم أني قد عثرتُ على رُوحي الضائعه ، فأنا أسعدُ ما يكون اليوم
14مارِس 2019 السّاعة 1:20ص
أشعُر وكأنمَا أشِّيعُ قلبِي إلى مثواهُ الآخِير
أوَكُلما هربتُ منكِ يا منفَى قلبِى وعذابِه أجدُكِ وطنِي
كيفَ يصبح شخصاً واحِداً وطنَاً ومنفَى في الوقتِ نفسه! ، وأنا يا عذابي عندما وصلتُ إلى حافة الطرِيق الذِي تقفينَ عند نهايتِه وجدتني متأخِراً جِداً ، أنا القرِيبُ البعِيد ، حبل يصلنِي بِك ومائه حبلٍ يفرقنِي عنك
صدَق القائِل:
وأشَد ما لاقيتُ من ألمِ الجوَى
قُربَ الحبيبِ وما إليهِ وصُول
كالعيسِ في البيداءِ يقتُلها الظمأ
والماءُ فوقَ ظهُورها محمُولٌ
11مارِس 2019 السّاعه 2:00ص
أحبكِ وما بيدِي حِيلَه .. ويكأننِي على صِراط وأنتِ جَنةً يدخلها العاشقُون بمشاعرهم
أنتِ هي جنتِي التِي لَن أصلَ إليهَا بمشاعري .. جنةٌ لن أبلغها إلا برحمة الله!
4 فبرايِر 2019 الساعة 7:15 ص
مُرهقٌ منِي أنا ومِن تفاصِيلي معِك
يَاليتَ مُصطلحَ المسافةِ ما وُجِد
لأسيرَ حيثُ تَخطُّ قدمَاكِ الثرَى
ياليتَ قدرِي خلفَ رُوحي يتبعِك
12 نوفمبَر 2018 الساعه 5:00م
الآن بِتُ مجبراً على أن أدوسَ مشاعِري
لستُ مخيّراً كَي أرفُضَ هذا كُلّه
الأمرُ أشبه بأن يُحكَم عليَّ بالشَنق ثمَ يخيروننِي :
أترِيدُ الموتَ على كرسِي كهربائي أم بالشنقِ على حَبل؟
وأنا أعلمُ جيداً أننِي في الحالتين ميّت لا محاله ، أنا ميتٌ لكونكِ بهذَا القرب دونَ إستطاعتي للوصول إليكِ ، وميتٌ من بعدِي الذي أجبرتُ عليه
20 أكتُوبَر 2018 الساعة 4:00م
يسألونِي كيفَ حالِي؟
لستُ أدرِي!
هَل بِشَرٍ أم بِخيرِ؟
قَد ظمَأتُ بِحبهَا
فإرتَوَت مِن حبِ غَيرِي
15سبتمبَر 2018 الساعة 1:00ص
هآنذَ ممسِكُ بطرفِ الخَيط الذِي سيقُودنِي إليكِ ، ولكننِي أخشَى أن أجرِي وراءهُ إلى مالا نِهايَه ، أن يكونَ دوامةً كبيرَة مثلاً أو متاهَه ، فليسَت كُلّ الخيوُط نِهايتهَا إبرَه
22 يوليو 2017 الساعه 12:00م
وفِي العَشر الأواخِر من رمضَان كنتِ الدَعوَة الأولى التِي تصدّرت قائِمة دعواتِي ، أعلمُ يقيناً أن الله سيجمعُنِي بكِ يوماً مَا ولن تضيع دعواتِي سدىً
26 أبريل 2017 الساعه 8:00ص
فِي إنتظَار من يقُودنِي إليكِ
ميئوسٌ من أمرِي
أنا مُعتَم تماماً وأنتِ بارِقةُ أملِي
أيهَا الضُوء الذي أتمنى الوصولَ إليه في آخرِ النفَق أرجوكَ كُن هِيَ!
فأنا لا أقبلُ الرِهان عليها ولا المُشاركَه
وهي التي لا تسرِي عليها قوانِيني ولا تطُولها قوانِينُ والدِي ولا أمنياتَه
3 مارِس 2017 الساعه 2:00
اللّهُم إشفِ أمّي
لن أحتمِل فراقَاً آخر
ولا يمكِن لقلبِي مهما كانَ صلباً أن يحتمِل كلّ هذا القدرُ مِن الألم
مسحَت دمعتهَا بطرفِ يدهَا ، تذكّرت كلامهُ يومَ قام بإيصالهَا من المطَار ، ذلِك اليَوم حملَ بينَ طياته الكثير من المفاجآت ، يومهَا عرِفَت أنه كان بقربهَا طوال الوقت لكن كلاهُما لم يُدرك ذلك ، فالجارَه أمَل هي شقيقته ، ووالدهَا صديقَ والده المُقرّب ، حتَى فهَد كان يعرفهُ جيِّداً رغم أنه كان سَبباً رئيسياً في كتمان مشاعِره تِجاهها ظناً منه أنها تبادِل فهد نفس الشعُور
تلكَ النصُوص إرتبطت إرتباطاً وثِيقاً بأحداث حياتِه وما مرّ بِه .. أحسّت بالتعجب من كلّ هذه الفوضى التي حملَت بين طياتهَا هذا الترتيب الدقيق
ورغم أنها فقدَت أعزّ شخصٍ في حياتها إلا أن الله عوضهَا بمن تُحب وترضَى
قطع صوت آذان المغرِب شرودهَا ، أغلقَت الهاتِف ثمَ خرجّت لكي تتوضَأ للصلاة
لمحت سارَه مستلقيه على الأريكة وقفت على السُّلم وصاحت : يا سارَه .. ها لقيتي أسماء للتؤام ؟
سارَه مدّعية التعب : بحثت وبحثت وبحثت وتوصلت للقرار الآتي : إن شاء الله الولَد بسميه فهَد والبِنت راح أسميها رُوح
يتبع.....