السابِعه مساءً:
إنتهَى دوَام المكتبَه ، لكنّ بسبب أن اليَوم نهايَة الإسبوع لم تكُن مواصلات الجامِعه متوفِره ، فأضطرت الوقوف أمَام كافتيريَا النشاط التِي تقَع خلفَ موقف الأمجَاد في حيره من أمرها ، فكرّت بالإتصال بإبن عمها أحمّد ربمَا يكون ما زالَ مُتواجِداً في الجامعَه فهي على كلَّ حال كانَت ذاهِبه إليهِم ، لكنهَا تراجعَت بعد أن دخَل جرَس المُكالمة الأول فهِي على كُلٍ .. لم تكُن ترتاحُ لتصرفاتِه ؛ بدا لها مغرُوراً ومتعجرِفاً
وبينما هِي على تلكَ الحاله قاطعهَا صوتهُ المألوف مُحيياً : السّلامُ عليكُم
إلتفتت إليهِ بعدَ أن إلتقطَت أنفاسهَا وجمعَت ضربَات قلبها المُبعثرة ثم ردّت بثَبات مُصطنَع : وعليكُم السّلام
أجابها مبتسِماً : رُوح .. مش كِده!
ردّت بنفسَ الأسلوب : سلِيم صَح!
إبتسم لردّها ثمَ سألها مجدداً : كأنو بتقرِي هنا ؛ بس ما قاعد أشُوفِك كتير ، هندسَه ولا شنو؟
هّزت برأسها إيجاباً : أيوه ، هندسَة حاسُوب
إرتَأت أن تسأله رغمَ عِلمها بمجالِه حتى لا يعتقِد أنها تتعقّبه مثلاً أو تعلَم بوجودِه : وإنتَ بتقرأ شنُو..؟
سليم : إدارة أعمال
سادَ جَو من الصمت لبُرهة بعدها تحدّثا في نفس اللحظَة : الكِتاب حقَك/حقِك...
ثم إبتسما أيضاً في نفس اللحظَه فواصَل هو حديثه بينما يفتح حقيبته : معليش .. يومهَا نسيِت أرجعو لِيك
تناولَت كتابها منهُ ثمّ مدّت إليه كتابهُ مُعتذرة
فقامَ بإخراج كِتاباً آخر : كان قلتِي لي إنك بتقرِي لأحمد خالِد توفيق صح!
تناوَلته منه بإبتسامه : بالضبط
تنحنَح : الكتاب ده حيعجبِك ، خليهو معاك ؛ وفي المرّة الجايَة ورينِي رأيك فيهو
ردّت عليه مازِحه : المرّة الجايه؟ ، أنا ما بعرِف أرجِع الكُتب البَستعيرهَا
ضَحِك على كلامها ؛ قاطعهما رنين الهاتف، فنظرت إلى الشاشة "د/أحمد يتصل بِك" ، شعرَ سليم بأنها ربما تحتاجُ بعضاً من الخصوصية لكَي ترُد على محدِثها ، فسألها لكي يعرف ما إذا كانت هناك سيارة خاصة ستقلها إلى وِجهتها.. فالجامعة كانت شبه خالية من المُواصلات : منتظرة ليك عربية أو كِدا ؟
إبتسمت : أيوه فعلاً
إطمئن قلبه عليها لذَا قام بالإستئذَان وبالمُغادرَة في الحَال
أخذَت نفساً عميقاً ثمّ أجَابت : ألو..السلام عليكُم!
ـــــــ
مرّت أيام إمتحانَات السمستَر الأول بحلوِها ومُرِّها وقَد إجتهَد الجمِيع ، كلٌ في مجالِه يبكِي على ليلاه ولم تكُن الإختبارات سهلَه بمقدار توقعَات الطلاب الجُدد بل نبهتهُم على إهمالهُم للدراسَه وإنشغالهُم بملهيَات الحياة الجامِعية ، وبمجرّد ظهور النتائج كانَت ريّان الأولى على القِسم بينما تَلتها رُوح بمعدل في مَرتبة الشّرف ، لم تكُن الإجازة طَويلة لذا قضتها روح برفقَة خالتهَا ساميَة وبضعَ أيام منها معَ بناتِ عمهَا عَلِي
وما إن بدَأ السمستَر الثاني حتَى تهافتَ الطلبَه الجُدد على المكتَبات والمذاكرَة بعدَ أن زَالت غشَاوة الإنبهَار بحقيقَة الجامعَة ، بعضهُم كوّنوا مجموعات للمُراجعة ، والبعضَ الآخر إلتجأ للطُلاب القُدمَاء مما زادَ حِدّه الأجواء التنافسيَه بينهُم
وكالعادَة تلتقِي كلٌ من ريّان ورُوح بساريَه بينَ الفينَة والأخرى يتناقشنّ حول ما يحدُث من مشكِلات سِياسية داخِل الحرَم الجامعِي خاصّة أن في تلكَ الفترَة إنفصَل الجنوب عن الشمَال بعد سَيل من الإضرابَات مما إضطر الكثيِر من زملائهم الجنوبيين للمغادرَة إلى بلدهم الجديد ؛ وكانَت أركان النِقاش من جميع أطيَاف الأحزَاب السياسيه تزدادُ حِدةً يوماً بعدَ يَوم
إلا أن جمِيع أحَاديث سَارِيه كانت تدُور حول ذلِك الدكتُور المُستبِد فتارةً تشتمهُ وتارةً أخرى تتغزّلُ بهِ
كانَت اللِقاءات بينَ روح وسَلِيم لا تتعدَى الصُدف ، والحِوارات بينهمَا لا تتجاوَز التحايَا والأكاديميَات وإن خرجَت عن ذلِك السيَاق عادةً ما يكون مِحور الحدِيث الكتُب وأحياناً أخرَى بعض العناوِين السياسِية العرِيضة في تلكَ الأيام ، كانَ كلٌ منهما سَعِيداً بالنقاش والتخَاطر معَ الآخر ؛ ولأنّ روح مُتحفِظة نوعاً ما في علاقتِها مع الشبَاب فلَم يتَجرأ سلِيم على طلبِ رَقمهَا بل ترَك رؤيتهَا واللقاء بِها تحتَ رَحمةِ الصُدَف التي كانَ يختلِقُ معظمهَا طمَعاً في الحدِيث معهَا ، وبالرغمَ أن الوقت الذِي يجمعهمَا عادةً لا يتجاوَز ال5 دقائِق إلا أنهما كانا سعيدان به رغم قِصَرِه ، هذه الدقائق القليلة أحياناً ما تكون بعد خروجها من المعمَل أو في إنتظَار المُواصلات ؛ وأحياناً داخِل مركِبات المواصلات المؤديَة إلى السُوق الكبير حيثُ الموقِف العام ، ولأنه كانَ يخشَى أن تُسئ فهمهُ حافظَ على هذِه المسافَة الآمنه بينهُما وهِي كذَلك
يتبع....