الفصل الثامن

98K 3.9K 98
                                    

# إمبراطورية_الرجال
# الفصل_الثامن
______________________________
استغفر الله عدد ما كان وعدد ما يكون وعدد الحركات والسكون..
اللهم صلِ وسلم وبارك على محمد ...٣مرات
سبحان الله ، الحمد لله،ولا حول ولا قوة الا بالله

مر طيف سحابة من الدهشة على وجه "للي" وهي تطلع اليه بينما استطاع "وجيه" أن يدخلها سيارته وانطلق بالسيارة بعد قليل..نظرت له قائلة بعدما عادت قليلًا من تيهتها:-
_طب وحجاتي؟! الشنط اللي سيبتها في الفندق؟!
أطرف وجيه بعيناه عدة مرات مفكرا بشيء ما ثم أجابها سريعاً :- تقدري تتصلي بالفندق يبعتوهالك مافيش مشكلة..
طريقته في  الأجابة كان بها بعض الحدة وكأنه ندم على مساعدتها ، قالت شاكرة بصدق:- مش عارفة أشكرك أزاي ، أنت لو مكنتش موجود النهاردة مش عارفة كنت هعمل ايه..
تنهد وجيه بعمق ثم أجاب مثبتا عيناه بالطريق:- بطلي تعملي مقالب في الناس ، اكيد في مرة هتعملي لنفسك مشكلة بسبب رهان من اللي بتعمليه أنتي وشلتك.
اسدلت نظرتها بخجل وقالت بإعتذار:- أنا عارفة أنه شيء سخيف وحقيقي ندمت عليه ، بس فعلًا كل مرة الرهان كان بيبقى على أشياء مش أشخاص ، يعني مثلًا آخر رهان كان اللي توصل اسكندرية الأول عند واحدة صحبتنا هناك تبقى هي اللي كسبت.
صمت وجيه تائها بشيء لم تستطع تفسيره ، كأنه ندم على قراره !! ، أرادت أن تتحدث ولكنه اعلن الصمت..وقفت السيارة أمام الفندق الذي يقيم فيه فنظرت للفندق من بعيد وهي جالسة بالسيارة فقال وهو يترجل خروجا:- هو ده الفندق..
خرجت من السيارة أيضاّ ودخلت معه للفندق حيث أنهى حجز غرفة بنفسه ،اختلست النظر اليه وهو ينهي امر الحجز حتى سألها جواز السفر فأخبرته أنها تركته بالفندق مع حقائبها..يبدو انه معروف لدى رجال الفندق بثقة حتى يتم للموافقة على إقامتها دون جواز السفر مؤقتاً فألتفت لها قائلًا:- كده تمام..اطمني
أومأت رأسها وهي تشعر أن هذا حلما تمر به في غفوتها ، اهذا الرجل الذي تجاهلها قبلا يمد لها يد العون الآن؟! تشتد نظرة الأحتواء والآمان بعيناه كلما نظر اليها وكأنه تولى رعايتها منذ زمن ، أرادت ان تبتسم ، أرادت أن تشكر جميع الظروف التي جعلتها تقابله اليوم ، صعدت عبر المصعد وصعد معها فتساءلت بحيرة:- كم تبعد غرفتها عن غرفته؟ أم تراه حجز لها بطابق آخر ، هي لا تتقن الفرنسية كثيرا لذلك لم تفهم ما قاله لموظف الاستقبال بالفندق..كان يقف بجانبها ضخما يملأ المكان هيبة وتحكم ،لمحت انعكاس صورتهم بمرآة المصعد فابتسمت لنفسها..وقوفها بجانبه يروق لها ، كأن هذا القرب والمكان صنع خصيصا لها..اخفضت عيناها عندما تقابلت نظرتهم عبر المرآة ، نضبت نظرته بدفء غامض ، هذا الرجل الأربعيني خطر على القلب ، تقسم أنه يشعل ثباتها برمقة عين ، ويثير ارتباكها بحركة ولو بسيطة..أنيق لدرجة عالية ويبدو أنه يحافظ على تمارينه الرياضية فقد برزت عظام ذراعيه بخصر نحيل يلتف حوله حزام جلدي أسود لامع ، اقتلعت عيناها من النظر اليه أكثر من ذلك قبل ان يلاحظ تفحصها..لشد ما كرهت أن يدرك ذلك وهي من يجب أن تمتلك بأنوثتها أغواء فكره وتشتته وليس العكس..أشار لغرفتها ومعه احد العاملين بالفندق وتفاجئت أن غرفته بجانبها مباشرةً ، لم تعرف لما اطمئت لذلك وارتبكت بآنٍ واحد..هذا الرجل مجرد رؤيته تفقدها أتزانها فما بال لو كان بهذا القرب ريثما لعدة أيام قادمة!!
دخلت الغرفة بأنفاس متلاحقة وتسللت بسمة الى شفتيها..أول شيء فكرت به هو التأكد من مظهرها..توجهت لمرآة الغرفة مباشرةً لترى أن الخجل أخذ موضعه على وجنتيها ولمعة عيناها بينما كأن شعرها الفحمي تدللت لمعته وأثار سحر الشرق بموجاته..ظلت تنظر لوجهها مبتسمة حتى دق جرس هاتفها فرفعت السماعة..تردد كثيرا قبل أن يحادثها ، لم يستطع المقاومة فإتصل بها من فرط الوحشة التي شعر بها بمجرد نأيها عن ناظريه..قال:- للي
قرعت دقات قلبها وهو ينطق اسمها..لم تجيب فكرر ندائه :- للي..كلمتي الفندق يبعتلك شنطك؟
أجابت بصدق:- لأ
قال وترك الندم لاحقاً:- طب ممكن نتكلم شوية..لو مش هضايقك
الم تقل أنه رجل خطر؟! لشد ما شعرت بتوق للحديث معه!! كيف شعر بذلك أو ربما تحت رعاية مساندتها بالغربة..ربما فكر ذلك فقالت:- تمام..
تنهد براحة ، أم بقلق؟! قال:- نتقابل في مطعم الفندق بعد خمس دقايق..مع السلامة
انتهى الأتصال..ووضعت السماعة وهي تبتلع ريقها بإرتباك شديد ، لم يمر بعمرها رجل أحدث بها هذا الارتباك ، لم تشعر بهذا الأهتزاز حتى بأشد أوقات القلب مراهقة..خفقة القلب بالنضج تثير الوجدان أكثر من خفقات المراهقة بوهم الحب الأول..
                                       ******
انتشر الفتيات لتنظيف الشقة العلوية الذي تنتظر الشباب..ركضت سما ورفعت صوت المسجل وهي تتمايل راقصة على أحد الأغانِ الشعبية:- يا أسر يا أسر ، يا أسر أنت اللي بهواه أه يا أسر..وبموت في حب آسرررر..
ضربتها رضوى بالمقشة على قدميها وقالت ضاحكة:- خلصي يا جواهر خلينا نخلص وننام ورانا شغل الصبح..
تمايلت سما بضحكة وقالت:- قال يعني البت بتفهم في الشغل ! ، ده أنتي بتقضي بقية اليوم تهزيق يابت ههههههه ، بسمع صوت الشتيمة لحد عندي..
لوت رضوى شفتيها بسخرية وقالت:- لأ وانتي اللي بقيتي خريجة هندسة ؟! ده أنتي خريجة كلية استاذ آسر مش معبرني..
ضحكت رضوى عليها لتجز سما على أسنانها بغيظ وقالت:- اتكبسي بقى..سرسوري خلى عم مرزوق يعملي عصير فواكه خاص ليا كل يوم ، بيوصلني اول ما بدخل المكتب..العشق مدمره يابنتي
هتفت حميدة بهما وقالت:- ما تخلصي يا نيلة منك ليها عايزة اتخمد ، واطفي البتاع ده دماغي صدعت
رقصت سما والمقشة بيدها وقالت ضاحكة:- وأنا ما بعرفش انضف غير وأنا برقص..
ركضت حميدة خلفها فتعالت ضحكات سما حتى دلفت لأحد غرف النوم فنظرت لها بتمعن وقالت:- الأوضة دي بتطل على الشارع ، حبيبي هيختارها..
قالت جميلة وهي تمسح الغبار من زجاج النافذة بقماشة قطنية مبللة وتساءلت:- اشمعنى!!
قالت سما بضحكة:- عشان يراقبني بصمت في الرايحة والجاية وأنا اعمل قال ايه مش واخدة بالي بس أنا واخدة هههههههه
ابتسمت جميلة لها بصدق فاقترب سما منها وقالت:- انتي زعلانة من حاجة وباين عليكي ، البغل اللي اسمه جاسر ده شكله قارفك
ضحكت جميلة وقالت:- هو بغل فعلًا ، هو قارفني بس أنتي عارفة أني بستحمل لآخر طاقتي..اتعودت على الشقا ، شغل المكتب ده مايجيش شيء في شغل المصانع..
جلست سما على الفراش المرتب وقالت وهي تهز قدميها كالطفلة:- ما ترديش عليه لو زعلك ، ولو زعلك تاني قوليلي وهخلي آسر يضبطه..الواسطة بقى هههه
قالت جميلة بتعجب:- اعقلي يا سمكة وبلاش تندفعي ، شيفاكي خدتي بالقرش كله عشم !!
مطت سما شفتيها بتذمر وقالت:- انتوا محسسني أني قولتله بحبك !! ، أنا هقوله بس بعد ما يقولي الأول
الحقت جملتها بضحكة كالعادة فصمتت جميلة وتابعت عملية التنظيف فلا يجدي الحديث أي نفع مع تلك الصغيرة..
                                     ******
خرجت للي من غرفتها فتفاجئت بخروج وجيه من غرفته أيضا ، ربما كانت مصادفة أو عمد ولكن نظرته راقتها ، كأنه المشتـــــاق إذا وجد ضالتـه..رافقها حتى المصعد حتى نال منها الحياء مطمعه على وجنتيها..هبط المصعد بثوانِ سريعة ، سرا تمنت أن تطل المدة ، وسرا تمنت أن تطل البقاء معه فهو يحملها لعالما دافئ جميل مزهر بمشاعر تحلم بها أي إمرأة ناضجة كانت أو مراهقة..رافقته بصمت حتى المطعم الذي كان به بعض صخب الموسيقى..جر لها مقعد بلياقة وتهذيب فجلست ببطء ، جلس وجيه أمامها محاولًا ايجاد مدخل لأي حديث ، دعاها الى هنا وهو لا يعرف سوى أنه يريد رؤيتها بلهفة مجنونة ، لهفة لم تمر بعمره الأربعيني سوى الآن ،نظرت حولها وظهر بعيناها الأنزعاج من أصوات الموسيقى فطرح عليها شيء:- ممكن نقعد في الجنينة ، لو مابتحبيش الاصوات العالية
كان هذا عرضا خطر ،مع رجل أشد خطورة ولكنها وافقت نظرا لرمقات بعض الأعين والتحديق بها ، وكأن جلوسها معه ملفتا حتى بتلك البلاد الأجنبية !! خرجت للحديقة وشعرت بالفضول في معرفة ما يريد التحدث فيه..سارت برفقته على هوادة بالحديقة زي الممر الطويل وعلى جوانبها الأشجار ، ليس بمفردهما تمامًا بل هناك الكثير من رواد الفندق والعاملين حولهم وهذا ما أشعرها ببعض الآمان والهدوء ، شعرت بلفحة البرد تتسلل الى بشرتها فلفت ذراعيها حولها برجفة بسيطة..شعر بذلك فخلع معطفه ووضعه على كتفيها دون أن يتأمل اشتعال وجهها بخجل..تركت معطفه على كتفيها ولم تعترض ، ابتسمت بخفاء وشاعرية ،هذا حلم بالتاكيد وليس حقيقة !! وضع وجيه يديه بجيوب بنطاله الأسود بينما قميصه الأزرق أزهى لون بشرته البرونزية ولثام عنقه الأسود صافح عيناه بهالة ثقة وهيبة ، قال :- اتكلمي..احكيلي اللي حصلك ، حاسس أنك عايزة تحكي ، ويمكن كمان عايزة تعيطي.
كان حديثه مفاجئنا ، اكل هذا من أجل أن تتحدث هي؟! ولكن جرت دمعة بعيناها فهي بالفعل محملة بالأحاديث المسجونة..انزلقت دمعة من عيناها وقالت :- كنت بنت صغيرة لما اتجوزت ، مش هقول صغيرة  أوي بس قلبي وعقلي كان أصغر بكتير أني استحمل واحد مريض نفسي..عشت أيام عمري ماهنساها ، تقريبًا مدة جوازي منه خمس سنين ماشوفتش يوم راحة..
امتقع وجه وجيه بضيق شديد وقال:- ليه ما طلبتيش الطلاق على طول؟! استنيتي ليه خمس سنين؟! 
امتلأت عيناها بالدموع اكثر وقالت بصدق :- لأن عليتنا مش بتعترف بالطلاق ، معندناش حد اطلق ، مش مهم أي حاجة بس المهم ما ابقاش مطلقة ، مش مهم اتهان واضرب حتى من غير سبب بس المهم ما اتطلقش..هو كان عارف كده وعارف أن أهلي سلبيين فكان بيفتري ومش هامه..يمكن لو حد وقفله من البداية كان خلصني قبل ما أشوف كل اللي شوفته..
بكت بصمت وهي تضم معطفه على جسدها أكثر فكان يختلس النظرات الجانبية بين الحين والآخر ، قالت متساءلة:- أنت ليه طلبت تسمعني؟!
رفع وجيه رأسه للأمام وسار بنظرة شاردة وأجاب:- لنفس السبب اللي خلاكي تتكلمي براحة وبصدق ، اعتقد أنك بقالك فترة كبيرة ما اتكلمتيش والا مكنتيش عيطتي!
هزت رأسها بموافقة وقالت:- دي حقيقة ، حتى صحابها مابقتش اتكلم معاهم كتير في الموضوع ده..بحاول انساه
تردد وجيه قبل أن يسألها ولكنه أراد معرفة الحقيقة:- بتحاولي تنسيه..كنتي بتحبيه؟
وقفت فجأة ونظرت له بحدة قائلة:- أنا قلت قبل كده أني مش بحبه ، بحاول أنسى الأذى النفسي اللي سببهولي ، أنا بجد مش عارفة أنسى..
التمعت عيناها بالدموع مرة أخرى فقال معتذرا:- أنا أسف ، مش قاصدي اضايقك..
تابعت السير ببطء وقد تحكمت بإنفعالها ثم قالت :- بصراحة..ببقى عايزة اعتذرلك عن المقلب اللي حصل بس كل ما افتكر القلم اتغاظ منك..
نظر لها مبتسماً ولأول مرة تراه يبتسم..دقت طبول القلب
                                        ******
باليوم التالي..
استيقظت للي ولم تنم ليلتها الا لماماً ، فمنذ عادت وهي تتململ بفراشها متذكرة كل كلمة قالها ، تبتسم تارة وتخجل تارة أخرى ، كان مهذبا ، وقورا ،رجل لا تخشى شيء وهي معه ، ظلت برفقته حتى وصول حقائبها بعد مرور ساعة ثم تركها ترحل..كانت بعيناه نظرات غامضة..حتى أنها لم تنتبه لمعطفه الا عندما اتت لغرفتها ، خجلت أن تتصل به ، أو ربما أرادت مرافقة شيء به عطره الرجولي لأكثر وقت ممكن..
دق جرس هاتفها الخاص فرمقته بدهشة واجابت سريعا:- سهـــا !! ، أنا أسفة بس مش عارفة أزاي نسيتك!!
قالت سها بعتاب:- بقى كده يا للي! فضلت مستنياكي في المطعم لحد الفجر وعمالة اتصل بيكي وهموت من القلق ، ومش بتردي على تليفونك!!
قالت للي معتذرة:- الفون كان في الشنطة وبجد ما انتبهتش ليه ، لما نتقابل هحكيلك..
قالت سها بتساءل:- أنتي فين؟!
أخبرتها للي عنوان الفندق المقيمة به ثم أنتهى الأتصال..
                                   *****

امبراطورية الرجال ... للكاتبة رحاب ابراهيمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن