مغامرة الشتاء الفصل الثاني - سيرافينا و لوكاس -

144 10 1
                                    


صمت ... ثم صمت ... ثم -
صوت شهيق شديد شق الغابة بخلاف صوت الشلال في الطرف الآخر من البحيرة ....
كان ذلك لوكاس الذي خرج كاسراً سكون البحيرة و المكان بأكمله ، ساحباً سيرافينا بين يديه وقد تبللا بالكامل ، اتجه نحو إحدى الأشجار العملاقة والمجوفة في المكان واضعاً إياها برفق في الداخل ليشرع بإفاقتها و إخراج ما بجوفها من ماء ابتلعته أثناء السقوط وهو يتسرجع ما حدث منذ قليل ...
فلاش باك ...
لوكاس : اسحبي نفساً عميقاً ، الآن !
سقط كلاهما مصطدمين بالماء بقوة وعلى بعد عدة أقدام أمامهم سقط ذلك الجذع القديم فوق صخرة متحطماً لنصفين ، ظلا يصارعان داخل الماء لفترة قبل أن يظهرا على السطح ...
سيرافينا : " تشهق بقوة وتهتف بإعياء " لوكاس ! لوكاس أين أنت !؟
ليخرج بالقرب منها لوكاس الثعلب ذو الفرو الناري اللون ، تشبثت به بكل ما بقي لديها من قوة بينما حاول هو السباحة نحو الشاطىء أو حتى الوصول إلى صخرة عالية ولكن التيّار كان سريعاً للغاية ، فلم تمضِ دقائق إلا وسمع صوت المياه وهي تتدفق فوق سلم من الصخور قبل أن تهوي داخل البحيرة الكبيرة في نهاية النهر ...
سيرافينا : ' بذعر ' يا إلهي ! يا إلهي ! اسبح بسرعة لوكاس ! أسرع !
ولكن ...
كان قد فات الأوان ولم يعد بإمكانهما تفادي السقوط مع الشلال ....
بااااك ...
أفاق من ذاكرته على صوت سعالها الشديد فخرج ليجمع بعض الحطب الجاف و يبحث عمّا يؤكل حتى يستعيدا طاقتهما و يستطيعا إيجاد مخرج من هنا ، بينما سيرافينا قد اتخذت من النوم راحة منكمشة على نفسها لعلها تستجدي بعض الدفء لجسدها الذي ينتفض من البرد ...
حل المساء ...
استيقظت أخيراً بعد أن شعرت بالدفء يحاوطها من كل مكان لتتلفت حولها بتعب و إرهاق فترى لوكاس الثعلب خلفها يحاوطها بجسده و ذيوله التسعة بينما النار التي أشعلها لوكاس جعلت المكان أدفأ من ذي قبل ، وأمامها لحاء شجرة عريض عليه بعض التوت البري و أكواز الصنوبر الناضجة ...
نظرت إلى كل ذلك وتبسمت من لوكاس الذي - بالرغم من مقالبها و مشكلاتها التي لا تنتهي - إلا أنه لا يزال يحبها بشدة و يهتم بها ، ظلت فترة أمام النار حتى جفت ملابسها و انتهت من تناول الطعام الموجود على لحاء الشجرة ذاك حينما رفعت رأسها عند سماعها لصوت سقوط بعض الحطب لترى لوكاس قد عاد لهيئته البشرية يتطلع نحوها بصدمة وهي ترمي بآخر حبة توت في فمها ...
سيرافينا : ' متعجبة ' ماذا ؟ لِمَ تنظر إليّ هكذا ؟
لوكاس : ' مصدوماً ' أكلتِ كلَّ الطعام ...
سيرافينا : ' بعدم فهم ' نعم و ماذا يعني ؟ لم أنت منصدم هكذا ؟
زفر بشدة وهو يمسح على وجهه من تلك الغبية الماثلة أمامه ، ثم اتجه نحوها بخطوات غاضبة ليسحبها من معصمها نحو الخارج قائلاً بحنق ...
لوكاس : انظري حولك و لو لمرة واحدة بتمعن ، هل هناك نبات أخضر واحد أو شجرة واحدة تحمل أي ثمرة تؤكل ؟
سيرافينا : ' لم تتوقع كل هذا الغضب ' ل ، لا .. لا يوجد ...
لوكاس : ' ترك معصمها بعنف ليقول عائدا إلى الداخل ' سنبحث عن هضاب اللؤلؤ من هنا و نذهب لنرى زهرة القمر تلك لكن لا أريد أن أسمع تذمراً واحداً منك لبقية اليوم ، أفهمت !
انطلقا أخيراً بعد ثورته يبحثان عن هضاب اللؤلؤ تلك ، لكن كل ما يوجد أمامهم هو اللون الأبيض فقط وبعض الأشجار ذات الأوراق الصغيرة و الحادة هنا و هناك على مرمى البصر ...
مر المساء وحل صباح اليوم التالي وهما يدوران في تلك المنطقة حول الشلال بحثاً عن أي دليل يرشدهما نحو هضاب اللؤلؤ تلك ، و بالطبع لن تكون سيرافينا إن لم تكسر أوامره ...
سيرافينا : ' بملل ' هل وجدت مخرجاً من هنا ؟
لوكاس : ' ببرود ' لا ...
بعد عدة دقائق فوق إحدى التلال ...
سيرافينا : ' تتصنع التفكير ' لقد مررنا هنا من قبل ...
لوكاس : ' بحدة ' لا ...
بعد عدة دقائق أخرى وصلا إلى منطقة مليئة بالأشجار قرب أحد الجبال الموجودة في الغابة  ...
سيرافينا : ' بتعب وإرهاق ' أنا تعبة و جائعة ، هل يمكنك التوقف قليلاً ؟
لوكاس : ' بعصبية شديدة ' لا ...
سيرافينا : ' بأمل من أن يجعلها ترتاح من المشي قليلاً ' إذن هل استطيع أن -
لوكاس : ' صارخاً بها ' قلت لكي ألف مرة لا وأعني ذلك فكفي عن التذمر !
ذلك الصراخ أفزعها بشدة لينتفض على إثره جسدها من الرعب والبرد ، توقف لوكاس عند رؤيتها تبكي ليمسح بيده على رأسه برفق ثم يخطو نحوها ويضمها إليه مهدئاً من روعها ....
ظلا هكذا لبضع ثوان قبل أن تخرج من دفئه وتخطو بضع خطوات أمامه قائلة ...
سيرافينا : 'تمسح دموعها العالقة ، مطأطئة وجهها للأرض ' أعتذر عن تصرفاتي الطفولية معك لوكاس ، عندما أتحمس بخصوص شيء ما لا ألقي لتصرفاتي بالاً وإن كانت تؤذي الآخرين ...
لوكاس : ' يخطو نحوها وقد هدأ قليلاً ' لا عليكِ ، لكن انتبهي أكثر لما -
لم تتم جملته إذ كان قد إنزلقت قدمه في الجليد متدحرجاً لأسفل سفح الجبل الذي وصلا إليه أثناء بحثهما عن هضاب اللؤلؤ ، جاءت سيرافينا لتساعده لكنها كانت مرهقة بشدة لتنزلق هي الأخرى معه ليتوقفا أخيراً في بقعة مليئة ب .... الطين ...
وبخلاف أن كل ما حولهم يدل على فصل الشتاء إلا أن المكان أمامهما كان دافئاً للغاية وحوله بعض الأشجار التي لم تفقد زهوها بسبب الشتاء بعد ، و هناك نبع مياه واسع تتصاعد منه أبخرة لطيفة على بعد خطوات من مرمى بصرهم ....
أما عنهما فقد كانا مظهرهما مضحكين للغاية ؛ الثلج الذي علق على ملابسهما قد ذاب وبللهما مجدداً و الطين الذي سقطا فيه قد لوثهما من رأسهما إلى أخمص قدميهما وكأنما ترون مشردين مثاليين بشعرهما الذي أصبح مشعثاً و هيأتهما الرثة و ملابسهما غير المهندمة و الملطخة بالطين ...
سيرافينا : ' بقرف تحاول إزالة الطين عن ملابسها ' يإلهي ! أكره هذا ! ألا يكفي الثلج لأتسخ بالطين أيضاً ؟!
لوكاس : ' مشدوها ' لم أر مكاناً كهذا من قبل أثناء مكوثي في الغابة ...
سيرافينا : ' وقد انتبهت لنبع المياه الحار ' أجل ! حان وقت الاستحمام !
وتركته راكضة نحو النبع بينما أفاق لوكاس أخيراً من اندهاشه ليلحق بمجنونته تلك ضاحكاً على هذه التي كانت تعده بالتعقل منذ قليل و الآن تركض في المكان كالأطفال ...
—————————————————————————
بعد فترة ...
كانت الشمس قد شارفت على المغيب ، وهاذان الإثنان قد اتخذا من إحدى الصخور الكبيرة حولهما مكاناً لوضع ملابسهما لتجف ، لتبقى سيرافينا بكنزة صوفية بنفسجية اللون طويلة و بنطال أسود واسع قليلاً بينما تحول لوكاس إلى ثعلبه بجانبها ....
جسمها يشعر بالخدر ، المكان دافئ للغاية ، والرغبة بالنعاس أصبحت تطرق جفنيها للانصياع لها و النوم في هذا المكان للأبد ، وبينما هي تكاد تستسلم لسلطان النوم لمحت شيئاً يلمع من بعيد ...
سيرافينا : ' لنفسها ' ما ... هذا ...
تحركت نحو ذلك الخيال اللامع ببطء خشية أن يكون سراباً ثلجياً لكن ما إن تيقنت من ما رأته حتى صرخت في لوكاس بشدة ...
سيرافينا : ' هاتفة بسعادة ' لوكاس ! لوكاس ! ' عادت إليه تهزه بعنف ' هييييي ! لوكاس ! إن كنت نائماً فلتستيقظ بسرعة ! هيا لا تكن كسولاً !
لوكاس : ' بنبرة غلب عليها النعاس ' ماذا هناك هذه المرة سيرافينا ؟
سيرافينا : ' بحماس ' لن تصدق ماذا وجدت منذ لحظات !!  أسرع هيا قبل أن يظهر القمر في السماء !
لوكاس : ' بعدم فهم ' وما علاقة مجيئي معك بالقمر ؟ هل جننت أو هل أثرت سقطتك في بقعة الطين تلك على عقلك ؟
سيرافينا : ' تشده بإصرار لينهض ' فقط اتبعني دون غباء و سخرية الآن !
أخذت في جره خلفها نحو ذلك الخيال مرة أخرى وهو يتبعها بخطوات متعثرة من أثر النعاس ، وما إن وصلا حتى طار النوم من عينيه يفركهما بقوة ليتأكد مما يراه .... فقد كان المنظر بديعاً للغاية .....

لعنة  أماريليسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن