يوميات ٦٠

0 0 0
                                    

أحدثكم اليوم عن الطفل راكان .. ذو العام و٨ أشهر .. هو الطفل الثالث لصديقي مندوب المبيعات وزوجته المعلمة ..
كانت الأم في الشهر الخامس من الحمل عندما شاهدت طبيبتها اسوداد في صورة الاشعة على رئة الجنين.. تم التحويل لطبيب الأجنة المختص والذي بعد اجراء كل التحليلات والفحوصات واجه الوالدين أن هناك خطورة على حياة الجنين والأم .. وأن هناك احتمال ضئيل بولادة الجنين حياً ..وإن وُلد فسيحيا برئة واحدة فقط..ستكون حياته مليئة بالخطورة ..
بعد سؤال دائرة الإفتاء وفي لحظة من الإيمان والتوكل المطلق على الواحد الأحد.. قرر الزوجان بقاء الجنين والمضي في مشوار العلاج الاسبوعي لحين الولادة..
وبدأت عملية سحب المياه من رئة الجنين اليمنى التى تضغط على اليسرى وبالتالي على قلب الجنين.. مرتين أو ثلاثة اسبوعياً ..بتقنية عالية جداً وبمرأى من الأم والأب على السونار..
أنهت الأم الشهر الثامن وأصبح بالإمكان إجراء عملية الولادة ووضع الطفل في قسم الخداج.. إلا أن الطبيب آثر بقاء الحمل لأن أي يوم في استمرار الشهر التاسع يتيح للرئة اليسرى السليمة بإكتمال النمو .. وهكذا حتى تاريخ ٢٠٢٠/٣/٢٥ .. أحست الأم بالطلق ونزول ماء الرأس.. ٣/٢٥ من أيام الحجر الكامل ..انطلقا والشوارع فاضية مسرعين الى المستشفى وتم ابلاغ الطبيب وتجهيز الحاضنة وما يلزم لكل الاحتياطات للحفاظ على حياة كل من الأم والجنين.. وحدة الشرطة بالطريق أوقفتهما.. عندما علم الضابط الموجود هناك بحالة الولادة المستعجلة أرسل امامهما دورية خاصة حتى لا يعيق سيرهما أي حاجز..
وجاءت اللحظة الحاسمة .. حاول الطبيب أن يمهد للأب أن ابنه قد يولد مزرقاً .. في الساعات الاولى قبل الدخول الى الحاضنة ومساعدته بأجهزة الاكسجين فسوف يولد برئة واحدة ورئة تالفة سيتم استئصالها لاحقاً.. إن عاش..
وشاءت رحمة المولى أن يولد راكان بلون زهري مثل الورد... سجد الوالد شكراً للحظة كانت بحكم المستحيل.. وبدأت أيام الخداج .. ومع الحظر عادت الام الى بيتها ترسل حليبها يومياً مع الوالد للرضيع.. لم تره ٤٠ يوما.. في هذه الاثناء قرر الأطباء استئصال الرئة التالفة.. وتهيئة الوالدين أن نسبة نجاح العملية ضئيلة جداً .. وتم توقيع كل الوثائق لذلك.. ست ساعات مدة العملية .. امضاها الوالد في كافتيريا المستشفى مع أكتر من ٤٥ فنجان قهوة..
كانت العملية في منتهى الدقة ..فبدلاً من استئصال كامل الرئة اليمنى تم استئصال الجزء التالف فقط وهو الجزء النصفي منها.. فبقي كلاً من الجزئين العلوي والسفلي .. أن يتم إلتآمهما ليصبحا جزءاً واحداً هو من رابع المستحيلات..
ولكن لا مستحيل مع الله المعجز القادر على كل شيء.. كان من المقرر أن يبقى راكان ١٤ يوماً في الخداج بعد العملية المفصلية الاخيرة يوم الاثنين.. ولكن بعد يومين فقط..الاربعاء ..في أيام رمضان .. والحظر الجزئي مستمر.. وكثرت احوال الناس المادية سوءاً وخاصة عمال المياومة.. اتصالان هاتفيان من أناس محتاجين للوالد وهو في عمله.. لم يتمالك نفسه إلا وقد أعد لهما طردين غذائيين وسلمهما شخصياً ليتلقى بعدها مكالمة هاتفية من المستشفى أن إحضر حالاً.. لم يتمالك اعصابه فذهب هو وزوجته الى المستشفى ليجد الاطباء يقولون لهما أن معجزة قد حدثت وأن جزئي الرئة اليمنى قد إلتئما .. راكان جاهز (ولا داعي لإبقائه باقي ال١٤ يوم )ليذهب مع والديه إلى البيت...
معجزات الله في خلقه تحدث يومياً ولكننا في عجقة الحياة لا نراها... رحلة راكان قبل وبعد الولادة المادية برقم كبير لا يعلم الوالدين كيف تيسرت .. امتحانات الله كثيرة ينجح فيها البعض ويفشل فيها البعض الآخر.. التوكل الحقيقي والرضى بأقدار الله له نتائج مفرحة دنيا وآخرة .. داووا مرضاكم بالصدقة..
لا ينكر صديقي فضل العائلة ووقوفها بجانبهما في تلك الأيام والشهور العصيبة وبالأخص الشركة التى يعمل بها.. يكن لهم بالغ الشكر والتقدير والاحترام..
مثال حي على اللمسة الإنسانية في عالم غلبت عليه الماديات والمصالح.. جزاهم الله خيرا أجمعين..
أما الأطباء الذين أشرفوا على حالة راكان منذ كان جنيناً في الشهر الخامس لحين خروجه من المستشفى يستحقون أن تُذكر أسماءهم لتجسيدهم المعنى الأسمى لمهنة الطب وهم :
الدكتور عقبة القرعان اخصائي أجنة
الدكتور رائد الطاهر اخصائي جراحة
والدكتورة منار اللواما اخصائية الأطفال.

ويبقى الصديق والد راكان وزوجته مثال رائع للتسليم بقدر الله وقضائه.. دعواتنا جميعاً بأن يبارك الله لهما في ذريتهما ويرزقهما برّهم ..
#من_قصص_الحياة
#يوميات_صيدلانية

اعجاز الله تعالى في خلق الحيواناتWhere stories live. Discover now