و تظن أنك نجوت فتهزمك خيانة المقربين..
----------------كانت براءة تجمع ملابسها و أغراضها بسرعة شديدة، قلبها يدق بقوة، يداها ترتجف، ليست يداها فقط بل جسدها كله ينتفض بقوة لكنها تحاول التحكم به قدر المستطاع لتخرج من هنا، عقلها سول لها أنه سيعود، سيعود ليؤذيها مجدداً، لا ترغب في أن تلدغ من ذات الجحر مرتين، و هذه المره لن يأتي مُريد لينقذها لأنها جائت إلي هنا دون رضاه الكامل و لم تتحدث معه من أكثر من يومين.
" براءة انتظري، اسمعيني يا صديقتي"
صوت سمر في خلفية أفكارها هناك لكنها تتجاهله، لا ترغب في تبريرات واهية قد تؤثر عليها و تؤذيها إن صدقت، تضاعف فقدان ثقتها بالبشر لحد لا يمكن التعايش معه، لا تثق بأحد أبداً." صديقتي يستحيل أن أؤذيك، استمعي إليّ فقط"
حاولت سمر مجدداً أن تجذب انتباه براءة لتشرح لها الأمر، لكن شتتها صوت صراخ براءة، صرخت بقوة غير معتادة لها، براءة مرحة لكنها ليست صاخبة، الآن صوت صراخها بقوة مع إحمرار وجهها و اشتداد عروق وجهها و رقبتها، صرخت و بين صراخها حاولت سمر إستخلاص ما تقوله، سمعتها تقول
" أولاً لا أرغب بسماع صوتك، ثانياً و هو الأهم لا تناديني بصديقتي أبداً، حسناً أظن أنها المره الأخيرة التي نتحدث بها فلن تناديني بتلك الكلمة مجدداً "ارتجف جسد سمر، و بدأت عيناها بتكوين الدموع لكنها احتجزتها و لم تترك لها حرية الرحيل، قالت بصوت مختنق متألم
" لا تقولي ذلك إنه يحطم قلبي، كل ما أريده هو فرصة لسماعي، سأشرح لكِ الأمر"بدا لبراءة أنها صادقة و كادت تتأثر بصوتها المتحشرج لكن خشيت الوثوق بها، خافت أن تضعف أمامها و يظهر لها فيما بعد أنها كانت تكذب عليها لتستغل ثقتها بها، تحدث بحدة أقل لكن مازال الغضب يملئ صوتها
" كيف ستشرحي لي خيانتك، أكنت معه منذ البداية؟! أنت من سهل له الأمر من الداخل ليختطفني؟! لا أتحمل سماع ذلك منك "الدور تلك المره كان علي سمر التي ثارت لما سمعته من براءة، صاحت بوجهها كالمجانين
" توقفي عن التفوه بهذا الهراء، توقفي عن لومي دون معرفة ما حدث، دائماً تهربين باللوم، تلومين الجميع و تعشقين لعب دور الضحية، و كأن الجميع شياطين و أنت الملاك الوحيد، توقفي حباً بالله.. توقفي "
التقطت أنفاسها لتكمل حديثها
" أولاً لم أكن أعرف ما كان بينك و بين جود لأنك دوماً ما تخفين عني كل شيء لأنك لا تعتبرين أنني صديقتك كما أتخذك أنا، لماذا لأنني وحيدة أشفق علي نفسي دوماً أشفق عليّ من وحدتي تلك، الجميع لا يقترب مني ولا أحد يحب البقاء معي و كأنني وباء سيدمره، دوماً وحيدة حتي عائلتي لم تبدي أي اهتمام بسفري و تركي لمنزلي و عائلتي، بل رحبوا بذلك و تمر الشهور دون أن يسألوني كيف حالي، إن لم أتصل و أخبرهم أنا لا يهتمون لمعرفة الأمر حتي، أظن أنني ذات يوم سيجدونني ميتة في المنزل وحيدة دون أن يعلم أحد بموتي، أخشي أن تتعفن جثتي دون أن يعرف أحد أنني غارقة في نومي الأبدي "
بدأت تلين ملامح براءة و تزداد معها دموع سمر و شهقاتها التي تقطع نياط القلوبمن بين أنفاسها المتقطعة قالت سمر
" أسفة لحديثي عن مخاوفي السخيفة لكن هي السبب في التقرب من جود، أنه العربي الوحيد الذي اعرفه هنا بعد رحيلك، طلب مساعدتي ليحل أزمته بعد أن اوقع بك الأذي، كان نادماً بشدة عما فعله بك، رغب في التخلص من حياته لكن أنقذه أحد أصدقائه هنا، أراد أن يستسلم للحل الأخير الذي رفضه طويلاً، رغب بالذهاب للطبيب النفسي للعلاج، في بادئ الأمر رفضت و تلبسني الخوف لكن بعد حسابات بسيطة وجدت أنني لست الخاسرة مهما حدث.. فأنا وحيدة تماماً لا أملك العائلة بالمعني الحرفي و ليس لدي أصدقاء يهمهم أمري، لم لا؟! "جلست علي السرير بعد أن هدأت من روع نفسها كما اعتادت أن تقوم بكل شيء لنفسها لا تنتظر مساعدة من أحد، تنفست بعمق شديد لتزفر الهواء ببطئ أشد لتتمالك نفسها و تستعيد شتاتها و تكمل:
" أخبرته أنني مستعدة لمساعدته، كنت أذهب معه للطبيب و أتابعه في إتباع نصائح الطبيب و تناول الدواء دون تكاسل، فوقع في قلبي حبه، لم يكن بيدي فقد اقتربنا من بعضنا كثيراً، أصبحنا أكثر من أصدقاء، نتحدث كثيراً و نخرج لتناول الطعام معاً في كثير من الأحيان، أصبح يهتم لأمري و أهتم لأمره، وجدت أحد هنا بجانبي، قلت لنفسي قد يكون ذات الأمر الذي فعله معك لكنني استمريت في الأمر لأنه انتشلني من شعوره الوحدة الذي كدت أغرقه فيه بصمت دون أن ينجدني أحد، حتي وصل لحد بدأ يختلق الأمور ليبتعد عني و يبحث عن الحجج لكي لا يقابلني فتأزم الأمر و أيقنت أنني ملعونة لكن صدمتني سيارة باليوم التالي - أو لأصحح الأمر أنا من فعلت ذلك- لأتخلص من تلك الحياة التي يرفضني فيها الجميع لم أكن واعية تماماً بما أقدم عليه لكن فعلت، و في النهاية عندما علم بما حدث لي أتي إليّ و أخبرني أنه يحبني بصدق و ابتعد لكي لا يؤذيني أو أظن أنه سيؤذيني كما فعل معك، أقسم على عدم إيذائي و صدقته بلا أي ضمانات، فقط لأنه بجانبي"أغمضت عينيها لوهلة لعلها تستيقظ من هذا الكابوس السخيف، لعله حلم تعيس تعيشه و ستستيقظ علي حياة طبيعية ليس بما كل تلك التعقيدات، فتحت عينها لتجد أنها في ذات الحلم السخيف، إنه ليس حلماً إنه الحقيقة بعينها..
" و الآن أفعلي ما شئتِ يا صد... يا براءة، أخبرتك ما في الأمر كله، نحن الآن معاً و لم نكن قبل ما حدث لك، و ما سمعتيه منه منذ قليل، فقد كان يريد مقابلتك ليعتذر منك، كان يريد أن فقط العفو حتي يذهب عنه عذاب الضمير الذي لا يتركه ينام كل ليلة يخشي أن يموت و أنت غاضبة منه لم تسامحيه "لم تعرف براءة ما تفعل، لا تعلم أين تذهب لتفكر أو كيف حدث كل ما حدث، لكنها لم تعد تتفاجئ من مجريات الحياة، الحياة تتلاعب بنا ككقطع الشطرنج علي رقعة الأرض، تؤمن أن الحياة بتدبير إلهي موزون لكنها لم تتوقع أبداً أن تلك المفاجآت ستتكالب عليها و علي من حولها تباعاً، الحياة مؤلمة لكنها عادلة لأن الله وحده يسيرها.
دوماً كانت براءة تفكر لماذا و كيف تكون مصائب قومٍ عند قوم فوائدٌ؟!
الآن علمت، تدبير إلهي موزون كما هي العادة دون أن نشعر.
لكنها مازالت لا تثق بما سمعته من سمر لكن رقت لحالها، جلست بجوارها و وضعت يدها علي فخذ سمر لتطبطب عليها بحنو، لعلها تخفف عنها قليلاً.
رغم جلوسها بجانب سمر دون أن تنبث ببنت شفة، خالجها شعور الهروب لكنف مُريد، كالطفل الذي يبحث عن أمه لضياعه وسط المدينة المزدحمة بالأكاذيب و الخدع." أرغب في الخروج وحدي الآن لأفكر قليلاً فيما يحدث حولي، و أتمني أن أعود بقرار صائب "
هذا ما نطقت به براءة قبل استقامتها متجهه نحو الباب.
قبل خروجها من الغرفة، التفتت لتنظر لسمر قائلةً
" لست ملاكاً لكن دون وعي مني أصبحت أخشي الناس، أصبح الجميع عندي شياطين "
![](https://img.wattpad.com/cover/98050667-288-k330021.jpg)
أنت تقرأ
براءة
Spiritualسأسميها براءة.. ________ لم يرها يوماً جميلة فقط كما يصفها الجميع، وحده كان يري ملامحها تستحق المراقبة حتي تُحفر في المخيلة بأدق تفاصيلها الرقيقة، ملامحها كانت لوحته المفضلة التي يرغب في البقاء طويلاً في محاولة لفك طلاسمها بسيطة التعقيد. _________ ...