7- عمار

3.8K 222 36
                                    

ولدنا أحرار العقول فقيدتنا مجتمعاتنا...بالعمي
-------------

" هل حقاً لا تعرف نبيك و حامل دعوة الإسلام للعالم أجمع ؟؟"
علقت حوراء بعينين كادتا تصبحان كعينا البومة من إتساعهما، كان غريباً عليها أن ترى مسلماً لا يعرف ولا حتى القليل عن رسوله، إلا إذا .....

و كأن غزال قرأت أفكار حوراء، فبادرت بسرعة و صدمة
" أستاذ عمار، ألست مسلماً؟!!"
لم تكن الصدمة فقط إكتست حوراء لكن أمسك القلق و الخوف فى قلب غزال و ملامحها، كان قلبها يصرخ بخوف ' أرجوك لا تخبرنى بأنك غير مسلم، أرجوك خيب ظنى '، دقات قلبها كاد يسمعها الجالسين، وغزه في صدرها لا تعلم سببها أو بالأصح تعلم لكن لا ترغب بالإعتراف بشعور الميل له، راقبت تنفسه المتوتر و صوته الهادئ منتظرةً منه إجابة تشفي لها قلبها

أجاب عمار على إستحياء
" لم أكن مسلماً لكن الآن أنا _و الحمدلله_ مسلم سني "
تبادلتا الفتاتان النظرات معاً ثم نقلتا نظرتهما لشريك جلستهم أنس فقال بعد ملاحظة تردد حوراء و غزال
" أخبرهم يا عمار بالحكاية "

إبتسم عمار بمرارة ثم تبعها بسرد قصته عليهم

" أنا من أبوين مسلمين، أبي مصري و أمي سورية، تزوجا في مصر ثم هربا من الفقر و الدمار الذي ساد المجتمعان وقتها، رحلا بي دون علمهما بأني معهم داخل جوف أمي، إنتقلا للحياة في أوروبا و تحديداً كانت أول محطة لهما فرنسا، إكتشفوا وجودي بعد إستقرارهم في إحدي مدن فرنسا تسمي سان تروبيه في جنوب فرنسا، بعد مولدي كان أبي يحاول تثبيت قواعد شركته التي أسسها مع رجل فرنسي يسمي سيمون، إنشغلا عني كثير و كنت أرتاد مدرسة يرتادها أبناء سيمون و قليلين جداً من هم عرب فيها و من فيها العربي ينكر ذلك و يفضل إخفاء هذا عن العامة، فعلت مثلهم و ضاع مني ديني الذي لم أعرف عنه سوي القليل، لم يكن هناك من يرشدني لطريق الله، لم يكن هناك من يعلمني أصلاً مع معني كلمة مسلم، ما معني كلمة موحد، فقدت هويتي في بلاد كان المسلم فيها منبوذ، الإسلام... اه من حمل أثقل كاهلي، أوجع قلبي، ماتت أمي و كانت وصيتها هي أن ندفنها أنا و أبي بسوريا بين أهلها، مضي علي وفاتها و عدم تنفيذ وصيتها سبعة عشر عاماً، كانت المنطقة العرببة إنذاك قامت بها الحروب و بالأخص سوريا فلم نستطع تنفيذ وصيتها، من يومها و تحول حال والدي للأسوء... "

------------------

"أبي، أبي......."
أعاده من ذكرياته صوت ابنته المشاكسة، إتضحت الرؤية أمامه ليرى براءة تجلس على مائدة الطعام بدلاً من صحنه وهى تبعثر خصلات شعره بفوضوية، ولم تكتفى بهذا القدر من المشاغبة فأخذت تلعب بوجهه فتارة تجعله مبتسم و تارة أخرى تجعله يشبه الصينيين، كانت تستخدم وجهه كأنه قطعة صلصال تُشكلها كيفما تريد

ما منع غضبه عليها ضحكتها البريئة، ضحكتها أكثر ما يميزها بين الجميع فهى تجمع بين البراءة و المرح، ضحكتها لا تشبه أياً من والديها، لكن بعد كثير من المباحثات و المشاورات أستقر الجميع أنها تشبه تلك الجميلة التي سرقت قلبه - غزال -

ضحك بشدة و حملها بين يديه، أخذ يدور بها بسعادة و ضحكاتهم مازال صوتها يصدح في المكان، توقف الزمن بهما أمام عينا السيدة علا، ماذا لو كان حسن هنا؟؟، ماذا لو لم يرحل و بقي معي و تزوج و أنجب فتاة كـبراءة؟!، ماذا لو.... ؟! هجمت علي رأسها أفكار جعلتها تتذكر ولدها الملحد الذي تبين بعدها أنه لم يبقي علي كفره و عاد لفطرته الصحيحة كما أخبرها عمار
" رحمك الله يا ولدي و تجاوز عندك أخطاءك "
تمتمت بها السيدة علا بينما عيناها أخذت درب الحزن فسكبت دمعتان تتدحرجان علي ثنايا وجهها الطيب
" في الفردوس الأعلي بإذن الله "
قالها عمار عندما سمع أم حسن تدعو لولدها الراحل و لم يكن صوتها منخفض بما فيه الكفاية ليجعل أذنا عمار لا تلتقط دعائها
تذكر رسالة الغريب يوم ذهابه لقبر حسن، عاد بسرعة يومها و دخل غرفته بسرعة، فتح خزانته و أخرج منها الرسالة التي خبئها بين ملابسه، فتحها و قرأ ما فيها و كانت الصدمة

" أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمد عبده و رسوله، نعم يا صديقي لقد أسلمت، نعم عدت لرشدي قبل أن ألحق بالرفيق الأعلي، أعلم يا عمار أن رسالتي إن وصلتك فهذا يعني موتي، أخبر أمي أني لم أخيب ظنها و عدت لفطرتي السليمة و لا تقلق سأخبر أبي بنفسي، سأطلب منه العفو و هو سيسامحني بالتأكيد فقد أمنت و أسلمت لله رب العالمين، رجائى لك أن تبقي بجانب أمي و أعتبرها كوالدتك، لا تتركها فلم يبقي لها سواك يا صديقي، أدعو لي ربي ليغفر لي و يرحمني و يرزقني الجنة و يجمعني بكم في جنة الفردوس بإذنه و رحمته "

فرت من عين عمار دمعة و خرجت منه ضحكة ممزوجة بكلمة... يا الله، ركض بسرعة لأمه التي وصاه عليها صديقه، دق بابها بقوة ففتحت الباب و إعتراها الخوف، مازالت عينيها مصبوغة باللون الأحمر من كثرة البكاء، صرخ عمار بسعادة
" أمي، أمي لا بكاء بعد اليوم، حسن مات مسلماً، لم يبقي علي كبره و عاد لدينه مسلماً موحداً بالله، الدعاء ثم الدعاء له لا يوجد مكان للبكاء مجدداً "

-----------------------------

جلست بغرفتها بعد أدائها لصلاة العشاء و اتبعتها بصلاتا الشفع و الوتر، تذكرت بعدهما زوجة عمار، كانت تشبه براءة فى عنادها و مشاكستها، ثرثرتها أيضاً لم تكن مؤذية بل كانت مسلية...

دقت على أبواب ذاكرة السيدة علا ما عانت منه رباب، رغم ما حل بها إلا أن إبتسامتها التى تجعلك فى كل مره تراها يقفز قلبك مبتسماً و تزرع فيه الأمل، رباب مثال للفتاة المفعمة بالحيوية، فلا تدخل إلى مكان دون أن تترك بصمتها البريئة

عانت بسوريا كثيراً، كادت تموت لولا لطف الله بها، حفظها الله لدور أكبر كان يجب تأديته في الدنيا قبل الرحيل...
و أدته علي أكمل وجه ثم رحلت لتفسح الطريق لقلب زوجها ليختار من يرتضيها له زوجة....

براءةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن