14- الوهم

2.1K 142 28
                                    


نوهم أنفسنا بأننا الأفضل
-----------

لسنا كما نظن، لسنا بهذا الجمال ولا بتلك الأخلاق، نحن فقط نعيش وهم الأفضل لنكمل الطريق حتي الرحيل....

هكذا كانت براءة غارقة في بحر تفكيرها المشين، فقد بدأت ذكريات ماضيها تعاد إلي ذاكرتها و بخاصة أول صفعة تلقتها علي وجهها من تلك المرأة التي سقطت في بئر عشق والدها و لم تلقي بالاً لمشاعر تلك الصغيرة التي كانت تعاملها بقسوة، براءة كانت فتاة شقية لكن ليس بالحد الذي يجعل زوجة أبيها تهينها و تصفعها كلما سمحت لها الظروف، تستغل ذهاب عمار لعمله ثم تصب جم غضبها علي رأس من لا ذنب لها في شعورها بالغيرة المتهورة

سمعت يوماً حديثها لحوراء صديقتها علي الهاتف قالت لها يومئذ
" تعلمين.. أحياناً يغلبني الجنون فأبحث عن أفكار لأتخلص من تلك الفتاة، أحياناً أشعر بأن قتلي لها مباح كأن عقلي أغلق كل ابواب العلم و الفهم تركز علي التخلص من فتاة صغيرة لا ذنب لها في أمر، أحتاج طبيب نفسي يزيح من قلبي آلام غيرة من سراب...ماتت من آغار منها و بقي جزء منها... أكره نفسي قبل كرهي لها "

إلي الآن، و بعد كل ما جرى و صدر من غزال في حق براءة لم تحسم مشاعرها اتجاهها، لا تعرف أهي حقاً تكرهها أم أنها تشفق عليها، الجميع يعلم أن غزال مصابة بمرض نفسي، مصابة بعشق مرضي و هوس بمن تحب أما عن غزال فهي تنكر ما يقوله الآخرون، توهم نفسها بأنها بأفضل حال، تحاول تناسى أنها مجبرة علي العلاج لأجل حق براءة المهدور، لأجل طفليها اللذان أحبا أختهما كأنها شقيقتهما، لأجل عمار الذي انكوى بنار غيرة زوجته و خطأه في حق برائته الصغيرة..

------------

ببطئ تقدمت فجلست علي طرف الفراش، بدأت حديثها علي غير العادة بهدوء و تأني كأن رجاحة العقل مستها
" هل تؤمنين بأن الإنسان خليفة الله في الأرض؟!"
كان صوتها متسائل مشوش مازالت نبرة صوتها مُصرة علي وجود إجابة لسؤالها..
ترددت براءة فلم يخطر ببالها مثل هذا السؤال من قبل، أجابتها لكن بسؤال
" ما المغزي من سؤالك؟!"
بات الضيق جلياً علي وجه لينا، قالت بهدوء ممزوج بضيق
" ترددون أن الله جعلنا كبشر خلفاء له في الأرض.. أليس كذلك؟!"
أجابتها براءة بتلقائية
" نعم جعلنا الله خلف له في الأرض"
جادلت لينا قائلةً
" كيف للخالق أن يجعل خليفته بتلك الصورة السيئة و الأفعال الشنيعة... ألا ترين الظلم الذين انتشر في الأرض و سفك الدماء الذي أصبح عادة البشر، صوت الصراخ و البكاء أصبح لا يخيفنا، خاصة الوطن العربي... تعلمين أننا جئنا لهنا ليس إلا لأن بلداننا لفظتنا كأننا من نسيئ لها "

عقدت براءة حاجبيها عندما لاحظت دموع لينا تتراقص داخل عينيها تأبى السقوط، سمعت صوتها الذي تداخل مع الغصة بحلقها ليخرج متهدجاً خائفاً، قالت بقلق بدا علي وجهها
" ما بالك يا لينا؟! هذه مرتي الاولي التي أراك فيها بهذه الحال"

صرخت و كأن النار تحرق قلبها، صاحت و الغضب يملأ عينيها
" قتلوه... "
جحطت عينا براءة و همست
" والدك!! "
------------

قال تعالي "ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت ايدي الناس..."

الطريق بين الجامعة و السكن ليس طويلاً لكنه طال..
منذ لحظة جلوسها بمقعدها و نسيانها لرد تحية للعم جورج و عقلها يفكر...
لماذا نحن خلفاء الارض؟!
رددت السؤال بصوت مسموع لكنه منخفض، جاءتها إجابتها بصوت هادئ
" لنبحث أولاً ما معني كلمة خليفة و التي يقصد بها الذي يعقب الأمم السابقة و ليس جعله الله يكون صورته في الأرض أو كأنه نصبه كأمير لها، ميزنا الله لكنه لم يجعلنا أسياد الأرض كما يظن بنو البشر و القادر علي فرض سيطرته بغشم "

أعلمتها أذناها قبل عيناها أنه مريد ذلك الطفيلي الآخير الذي يراقبها دون أن تشعر منذ فترة، بعد كل شئ.. رده أسعف عقلها من الدخول في متاهات مخيفة في ظلام جهلها، كادت تسقط في هوه لا آخر لها، لم ترده بل أخبرها عقلها أنه نقاش لن يدوم طويلاً و لن يتعدى حدود الله فلم لا..
" إذا مقولة أن الله اختارنا لنكون خلفائه في الأرض خاطئة!!
سألت براءة فجاء رده سريعاً
" اختلف العلماء في هذا الرأى البعض يرى أن الخلافة لا تكون إلا إذا غاب أحدهم ليخلفه غيره، والله شاهد علينا لا يغيب و فسروا أن الإنسان خليفة الله في الأرض كما أخبرتك و يرجحه العلماء و هو أن البشر يخلفون بعضهم جيلاً بعد جيل و اتخذوا من القرآن برهانا
فقال تعالى في كتابه الكريم في سورة الزخرف
* و لو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون *
و قال في سورة ص *يا داود إن جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق *
و قال تعالى أيضاً في سورة البقرة * و إذ قال ربك للملائكة آني جاعل في الأرض خليفة * أي أقوام يخلفون أقوام جيلاً بعد جيل و قرناً بعد قرن...

انتظرت براءة قليلاً ترتب المعلومات التي افاض بها ذلك المريد الغامض و هي تثبت عيناها في ظهر المقعد أمامها، التفتت لتجده قد ترك مقعده و كاد يغادر الحافلة، صاحت بتلقائية كصغيرة ترغب بأن يكمل والدها الحكاية
" ماذا عن الفريق المؤيد؟!"
ابتسم و حرك شفتيه هامساً
" أبحثِ انتِ "
تركها و مازال الحزن رفيقها، اشتياط لينا غضباً من كل ما هو مسلم صباحاً، فقذ صبت جم غضبها علي رأس براءة التي لم تنبس ببنت شفه مراعاة لمشاعرها، فقتل الدواعش لوالدها كان خبراً كالصاعقة لكلتيهما، بدأت حديثها مع براءة صباحاً بهدوء غير معهود لكن علمت براءة فيما بعد انه هدوء ما قبل العاصفة..
الدواعش ما هم إلا فرقة عاصية و طاغية في البلاد ترفع راية الإسلام كذباً و زوراً، تطغى علي المسلم و غيره، تسفك الدماء بغير وجه حق، تسلب النساء شرفهن و تدهس بأقدامها طفولة الصغار، الأمر خرج عن السيطرة فقد أصبحت رمزاً للإسلام المصحوب بالعنف، ذاع سيطهم فوصل لأقصي الشرق و أخر الغرب فازداد كره غير المسلمين للمسلمين، اصبح البقاء في بلاد غير مرحبة بالإسلام كأنك تنتظر ملك الموت يطرق بابك...
وصلت محطتها نزلت لجامعتها و أمام باب مدرج المحاضرة، اصتدمت بكتفها في شخص قوي و عرفت ذلك من آثر الاصتدام علي كتفها، رفعت عينها بعد أن كانت ترقب أقدام الناس وهي تمضي في طريقها، فما رأت سوي جارها الشاب المسلم جود..

..

براءةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن