35- عائشة

483 42 7
                                    


الأعين مرآة الروح
---------------

" و الآن أيتها الغبية ماذا ستفعلين؟! "
استنشقت الهواء بقوة و كأنها تستنشق مخدر يغيبها عن ما يجري حولها.. و لو لبضع دقائق، سألت نفسها، و أراحت ظهرها علي كرسيها و كتفاها تدليا بيأس علي جانبيها، جلسة مريحة لكنها ليست جلسة رسمية أو مناسبة لذلك المقهي الراقي الذي جذب انتباهها حينما خرجت من البيت الذي تشاركه مع سمر و هي غاضبة -اه من سمر- وجدت نفسها تشتهي الجلوس به و تناول شطيرة صغيرة مع كوب قهوة فرنسية في تلك الأجواء الباردة، لا تعلم من أين أتت تلك الرغبة المُلحة لكن هي ستفعل أي شيء لإرضاء هذه الرغبة اللطيفة التي تداعب رأسها و تخيلت الشعور الجيد الذي سيهبط عليها إذا قامت بذلك.

المقهي كان بنياً في حلته و مشاعره، يبعث الدفيء و الكلاسيكية الراقية في النفس، ليس هناك تشابهه كبير لكنها المشاعر ذاتها التي شعرت بها في مقهي وسط مدينة القاهرة..

ذلك المقهي الذي عزز تفكيرها به، يوم أخبرته بسرها الدفين و حبه الذي سكن قلبها، ترغب به كرغبتها بكوب القهوة الساخن الآن، لم يحدثها و مر يومان علي وصولها لندن، لم يتصل إلا ليطمئن أنها وصلت بسلام و أغلق على عجل، كانت محادثة قصيرة جافة، ترغب في لومه عليها لكنها تعلم أنه يمقت عنادها و غاضب من قرارها.

بعد لحظات من التفكير في محادثته أو إلقاء تلك الرغبة خلف أسوار عقلها الشاهقة، عزمت علي محادثته لكن لن تخبره بمعرفتها بما فعلته سمر، فقط ترغب بسماع صوته و عتاب رقيق يواكب تلك الأجواء الرقيقة التي تجلس بها.
التقطت هاتفها بسرعة و أخبرت نفسها محفزة
" و ماذا في ذلك، سأتصل حتي و إن ظل غاضباً "

" براءة!.. "
انتبهت براءة و اعتدلت بجلستها
أنتِ براءة صحيح؟! مرحباً بعودتك يا فتاة "
لم تكد تصل إلي اسمه، ليقاطعها صوت لم تعتده، غير مألوف لم تسمعه قبل هذه المره لكنه كان جذاباً مهذباً يميل للرقة و ليس التصنع..

"عذراً هل أعرفك؟!"
نبتت ابتسامة صغيره خجلة على وجه براءة مع لمحات من بقايا دهشة بدت على وجهها بينما تسأل تلك الفتاة الجميلة صاحبه الملامح العربية الكلاسيكية.
سمراء حنطية كسكان الشرق الأوسط، وجهها نحيل، عيناها بنية مائلة للسواد، خصلات شعرها المجعد المتمردة سوداء، تقاسيم وجهها تعاكس تماماً صوتها الرقيق، فملامحها الحادة القوية تشعرك بالهيبة و الرهبة الجميلة التي تدعوك لتأمل وجهها و الإنغماس فيه لوقت طويل تذوب في جماله حتي تتمكن من حفظه جيداً لكي لا تنساه ذاكرتك..

" كنت أظن ذلك، لن تتعرفي عليّ، أنا عائشة لم نتحدث من قبل لكنني أعرفك من مجموعة رونق تلك الفتاة الجزائرية ال.."

" آه حسناً لقد تذكرتك عائشة، رؤيتك مجدداً تسعدني، تفضلي بالجلوس قبل كل شيء "
كانت تكذب لكي تتخطي ذلك الموقف، طوال فترة دراستها في إنجلترا لم يشغل بالها شيء سوى مستقبلها و مخاوفها، لم تدقق كثيراً في الوجه حيثما تراها لا تذكر أنها مرت من أمامها من الأساس، كانت هائمة على وجهها لا تبصر رغم أنها ترى.
تحايلت علي الأمر لتداركه دون إحراج لأي من الطرفين التي هي أحدهما.

براءةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن