11- نقطة، بداية السطر

2.5K 159 32
                                    

من خلق الخالق؟؟!
------------------

الحاضر...

أغلقت الباب فما وجدت أمامها إلا جني يظهر من اللاشئ يسمي لينا...
"هيا أخبريني ما حدث؟ بسرعة... اتوق لمعرفة ماذا حدث ليرحل ذاك الوسيم حزيناً "تحدثت لينا كأنها في سباق مع قطار
فهمت براءة أن صديقتها كانت تراقب ما حدث في اللحظات الأخيرة فابتسمت و رفعت حاجبها باستنكار قائلة
" عرفتِ انه وسيم و رأيته حزين و لم تلتقط أذناك الحديث مثلاً "

رفعت لينا عينيها كأنها تبحث عن شئ ما في سقف البيت ثم تبعها ضحكة براءة و لينا معاً
هدأت الأجواء فسألت لينا بجدية عسكرت علي تفاصيل وجهها
" هل حقاً هناك مسلمون لا يعرفون أبسط أمور دينهم؟!"

جلست براءة علي الأريكة التي تقابل باب الشقة لتحتل لينا بجانبها مكاناً لتكمل مع صديقتها الحوار الذي تسعد عندما تتحدث فيه معها لشئ في نفسها...
جاءتها إجابة براءة وهي شاردة
" للأسف نعم.. فمنهم من تكبر و ظن أنه يترفع عندما يجهل دينه و يتشبه بالأجانب و منهم من أجبره مجتمعه و أهله علي نسيان دينه رغماً عنه... "
لم تكن هذه الإجابة تشفي بركان الأسئلة الذي أوشك علي أن يثور داخل لينا فسألتها مباشرة
" ألن تكملِ لي حكاية والديك؟! "

لم تكن براءة معها علي الأرض فقد هرب عقلها و سقط في بئر الماضي، فقد ذكرها ذلك الشاب بوالدها، فـ عمار كان مسلماً صورياً إلي أن قابل غزال و حوراء فهل من الممكن أن تكون هي مثل غزال تساعد ذلك الشاب للعودة لدينه الصحيح!!

قفزت تلك الذكريات الأليمة إلي عقلها بعد أن حاولت كثيراً دسها في خزانة الذكريات، 'سارقة' هذه الكلمة الأولي التي تقفز إلي عقلها فتعكر مزاجها عن كل شئ، لا تتوقف تلك الكلمة عن التكرار داخل عقلها فتصرخ من الألم، لم تعد هناك طاقة للإحتمال فحاولت نبش الذكريات التي يحملها عقلها لعلها تعثر فيه عن ذكري جيدة فسقطت في قبر الذكريات.....

وجدت نفسها تتذكر الكثير من الذكريات و هذه كانت إحداها
تشابهت الحكايات و التفاصيل مختلفة..
الجملة الشهيرة لرونق صديقتها الجزائرية في المحاضرات داخل الجامعة، دون علم أحد و بعيداً عن العيون كان هناك محاضرات يقوم بها المسلمون للحفاظ علي إسلامهم من الضياع، يتلون القرآن واحداً تلو الآخر بصوت منخفض حتي لا يتفلت ما حفظوا و ليحفظ منهم غير الحافظ، يتحدثون عن بعض المواقف في السيرة النبوية، يجيب منهم من يعرف علي الأسئلة الفقهية للبقية و يتناقشون فيها فيما بينهم..

رونق فتاة بوجه أسمر جميل، ممشوقة القوام، جذابة بشكل لا يقاوم لأجل زرقة عينيها فبذلك استطاعت الجمع بين الجمال العربي كوالدتها و الجمال الغربي كوالدها، ترتدي الحجاب منذ فترة قصيرة جداً بعد إقناع والديها بصعوبة، تدرس الطب و عرف عنها عشقها للإسلام و الإطلاع الجيد في كثير من نواحيه، تبحث في محاولة نشر الإسلام الصحيح البسيط فبالرغم من وجهها الحسن فقد رزقها الله أيضاً بعقلٍ حسن

أما عن جمالها التي تألقت به حقاً فهو قدرتها السماوية في الإقناع...
فعندما سُئلت من خلق إلهك؟! لم تغضب كما فعل أغلب الموجودين و لم يكن رد فعلها كما فعلت براءة و البعض بعد تبادل النظرات و بدأت عقولهم في البحث عن إجابة شافية لكن كانت إجابتها كافية كما كانت تظن براءة، قالت رونق حينها
" لكل شئ بداية... إلهي لم يُخلق، إلهي فقط يَخلق، و لكن سأحاول إجابتك علي قدر علمي، فإن كان لإلهي خالق فمن خلق خالق الإله؟! ثم يأتي سؤال أخر من خلق خالق خالق ربي؟! وقتئذ سنبقي ندور في دوائر دون الوصول لإجابة قاطعة، فهناك غيبيات لا يعلمها إلا ربي، فأنت لا تعلم ميعاد موتك ولا تعلم ما قد تؤول إليه الأمور بعد لحظات، و كذلك الله -ولله المثل الأعلي- لا يمكننا أن نتسأل عن أي شئ يخصه فهو غيبي بالنسبه إلينا، فالكشف عن أسئلة لن تفيدنا في دنيانا يؤرق العقل "

سألها مجدداً:
" الطبيعة أوجدتنا فلمَ نبحث عن شئ غيبي لنقدسه بكل الطرق؟!'
ردت بهدوء و رزانة
" لا يوجد نقطة بداية السطر، فلا يمكن أن تكون خلقت من عدم فهو عدم لا يوجد به شئ للتكون منه، الطبيعة نطوعها كيفما نشاء فكيف أوجدتنا كما تقول، فهل يمكنك أن تتركنا الطبيعة إذا قهرناها _إذا كنت تعتبر أنها من خلقك_ دون أن تحاول الدفاع عن نفسها لأنها الإله"
سكتت هنيهه قبل أن تقول بينما ارتسمت علي ثغرها إبتسامة هادئة
" تذكرت حديث سيدنا عمر عندما سأله اصحابه لمَ بكي ثم ضحك، فقال علي ما أذكر: بكيت عندما تذكرت أني كنت أعبد و أقدس إلهاً من عجوة لا ينفع ولا يضر، و ضحكت حينما تذكرت أني وقتما أجوع كنت أكله... أعلم أن الحجة هذه لن تفيد من سيرة أصحاب رسولي "

أخرج براءة من ذكرياتها صوت لينا وهي تصرخ باسمها، ردت براءة بصراخ
" ماذا هناك؟ لمَ الصراخ؟!"
أجابتها لينا بصراخ أيضاً
" أحدثك منذ ساعة و أنت تائهة في ملكوت أخر يا فيلسوفة زمانك و تجيبيني بصراخ عندما تعودين من عالمك الفضائي أيتها الغريبة "
هدأت براءة لتجيبها بإبتسامة واضح جداً انها مصطنعة
" و عن ماذا كنت تتحدثين يا ملكة جمال الكون؟! أسقي أسماعي بزقزقات صوتك العذب "
تلقت براءة نظرة استخفاف من لينا قبل أن تهوي علي رأسها بالوسادة التي كانت بين يديها، قالت بعد انتهاء الضحكات التي جمعتهما بعد مزاح ثقيل متبادل بين كلا الفتاتين
" كنت أسألك متي ستكملين لي حكاية والديك؟!"
لمعت برأس براءة فكرة فابتسمت مما آثار قلق لينا، فقد قرأت هذه الابتسامة بأن وراءها خداع من براءة، سمعت لينا كلمات براءة فعقدت حاجبيها

" قال واحد من أهل كريت أن كل أهل كريت كاذبين، أن وجدتِ حل لتلك المعضلة الفلسفية سأكمل لكِ الحكاية بعد عودتي من الجامعة لأنني تأخرت بسببك، إلي اللقاء "
لم تسمع لينا أخر كلمات صديقتها فعلقها تشوش بعد تلك المعضلة، فأخذت تحرك يديها في الهواء بغية محاولة فهم تلك الجملة و ما الخلل بها، تنهدت باستسلام ثم قالت
" عقلي سينفجر... هذه كلمات ليس لها حل، و ما دخلي أنا إن كان هو كاذب أو كانوا هم الكاذبين، براءة، براءة.... لقد هربت مني تلك الفيلسوفة المحتالة"

-----------

" أكره هؤلاء الطائفة من البشر، أتساءل لماذا لا يمنعون دخول المسلمين إلي أراضينا، فهم أناس لا يأتي من ورائهم خير أبداً، إرهابيون قذرون "
" أهدئ يا صديقي ولا تفكر بهم و إن رأيت أحد منهم إبتعد عنهم فحسب "
" كيف أهدئ وهو يثيرون غضبي و بخاصة نساءهم فهم مميزون بشدة بتلك القماشة التي يغطون بها رؤوسهم، كائنات قتلهم يجب أن لا يعاقب عليه القانون"
" صديقي لا تخيفني منك، لمَ كل هذا الكره تجاههم، هم بشر بالآخير ولا يمكننا أذيتهم "
" بالنسبه لي لا أضعهم علي قائمة البشر "
" أنت مريض بالإسلاموفوبيا إذاً!! "
" و ما هو ذاك المرض؟! "

براءةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن