5- عتبات بهجتى

5.2K 267 38
                                    

و سيبقي الرجال رجالاً كما خلقهم الله إلي يوم يبعثون

----------------

قرأ ردها رافعاً حاجبه، مال رأسه يميناً لعله يستوعب ما قرأه، قطب حاجبيه ثم ردد بصوت مسموع

" لا أستاذى.... أقصد ما قلته بالحرف الواحد، لقد أنتهى الرجال بعد موت أخر صحابى من صحابة الرسول، مات و دفنت معه كل القيم و الأخلاق الفاضلة، ماتت معه الشهامة و الكرم، الحب و الوفاء، الخوف و القوة و الحياء، ماتت معه الكثير من شيم الرجال، ما يمشى اليوم على الأرض هم ذكور أو أشباه رجال "

كأى رجل شرقي شعر بأن كرامته قد تم مسها من قبل فتاة تخبره بأنه مجرد ذكر ولا يملك رجوله، و هناك فرق بين الرجولة و الذكورية شتان بينهما، ود لو أهانها كما أهانته لكنه تراجع فى لحظته الأخيرة، قرر أن يخرج من رداء الرجل الشرقى و يرتدى عباءة الغريب و ينظر من زاوية آخرى على المشهد، قرأ مجدداً ما كتبته لكن مازال يشعر بإهانه، لم يجد رداً مناسباً، لا يعلم ما وجب عليه فعله فى تلك اللحظة، قرر بأن يعمى عينيه عن ردها لكنه عدل عن قراره.

" أختلف معك فى تلك النقطة، الصحابة لم يكونوا معصومين من الخطأ فقد كانوا بشر لكن كان فيهم من يضرب على أيديهم ليقيموا قواعد الإسلام الصحيحة، وستبقى القيم و الأخلاق على الأرض إلى يوم الدين و سيبقى الرجال رجالاً كما خلقهم الله إلى يوم يبعثون "

خرج من موقع التواصل ساخطاً على عقليتها و غير راضى على رده عليها، لكن أفضل من لا شئ .....

------------------------

" السلام عليكم، صباحكم بعطر اللاڤندر "
بإبتسامتها المعهودة التى تشرق معها كل صباح أكملت 'رباب' بصوت مرح
" اليوم هو يومى، طعامي المفضل على مائدة الفطور، وجه أمى كعادته جميل و مبتسم، جريدة أبى الصباحية بين يديه تشكو، و أخيرا و ليس أخراً أخى المشاكس يأكل ببرود، اليوم هو يومى الأول بالجامعة بعد غياب طويل، يا الله ما أروع هذا الشعور، تعلمون هذا الشعور كطعم المثلجات المثلجة بالفانيليا أو رائحة كعكة للتو أخرجتها أمى من الفرن أو....."

" كُفى عن الثرثرة أيتها المزعجة أريد الإستمتاع بطعام جيد فى هدوء "

صاح بها أخوها 'فارس' الذى يصغرها بعامين، إنهم إخوة من أم و أب واحد لكن شخصياتهم متضاربة فـ رباب هى مثال للفتاة الثرثرة بدرجة إمتياز يقابلها فارس الفتى العاقل الرزين، رباب فتاة سمينة الجسد و تأكل بشراهه ولا يهمها وزنها بينما فارس يحب الطعام لكن يحافظ على وزنه و يأكل بهدوء، تلك أبسط الفروق بينهما فالإختلاف بينهما كالإختلاف بين السماء و الأرض، كالواقع و الخيال لكن حبهم لبعضهم بمقدار إختلافهم.

" هيا ابنتى أنهى طعامك لتجهزى نفسك للجامعة، فـيومك الأول سيكون شاق "
صوت والدتها الهادئ الحنون خرج ليقاطع الشجار الذى كان سـينشب عنه مصارعة حرة بين الأخوين.

-------------------------

"غزال، هناك من يريدك على الهاتف "
سمعت غزال كلمات والدتها و لم تشعر إلا بعقلها يخبرها بأنه ذاك الشاب فى الجامعة، أجابت بسعادة غمرتها، و عيناها تضحكان منتظرة أن تلتقط أذناها صوته الرجولى
" السلام عليكم "
" و عليكم السلام، هل هذه أنتِ... غزال؟!"

كان صوت أخر شخص أرادت سماع صوته، أخر شخص قد تتحفز أذناها لسماع اسمها من على لسانه، نطقت بدون وعى
" إن كانت عتبات بهجتى فى درج دارك فـسيقربنى الله منك أما غير ذلك فـلينزع الله كل محبتك من قلبي " صمتت هنيهة قبل أن تكمل بصوت هادئ غلفته بالقوة
" تلك كانت أخر جملة بينى و بينك منذ سنتين يا ابن العم، و الآن أستأذنك فـلدى عمل أذهب إليه "

" انتظرِ لحظة، استمعِ إلى ما أريد قوله فقط و دون مقاطعة "

" و إن لم أرغب ؟!! "
" أرجوكِ انصتى لى فقد خمس دقائق "
لم يسمع لها رداً فاكمل
" أخطأت فى حقك و قلت ما لا يجب قوله، سامحينى يا ابنه عمى كنت طائشاً وقتها و كما يقولون الصاحب ساحب و أصدقائي فى ذلك الوقت لم يكونوا.."
" و يقولون الطيور على أشكالها تقع.." قاطعته و قد طفح كيلها فلم يجيبها، لا تعلم أهى الحقيقة أم لم يجد رداً عليها

مرت لحظات من الصمت لم ينطق فيها أحدهما، أعلمته
" إذا، السلام عليكم و رحمة الله و بركاته " و أغلقت
__________________________

بعد مرور أسبوعان علي رحيل حسن، لم يذهب بعد للجامعة لإكمال رسالة الدكتوراه التي يشرف عليها أحد الأساتذة بالجامعة، سمع صوتها علي الهاتف عندما إتصلت لترسل له تعازيها، لم يعرف لما شعر بأنه بحاجه لسماع صوتها الرقيق، يرغب في مراقبة عينيها الغزالية، يريد بشدة أن يدور بينهما حوار ليراقب إنفعالاتها و ردها السريع، تذكر أول مره تحدث معاها و صديقتها المنتقبة عندما إندفعت و صرخت بوجهه، إبتسم لإلتقاط عقله لذكراها، إستعاذ بالله من الشيطان الذي مازال يجملها بعينيه، قام و ذهب لغرفته بعد حديثه القصير مع أم صديقه، تلك المرأة التي تحملت الكثير لأجل ولدها و مازالت صامدة علي فراقه

قرر زيارته لشعوره بالإختناق، أخذته ذكرياته أمام قبر حسن، كان ملجأه حين يرغب فى الحديث مع أحد، أرتدى بنطال أسود و قميص بنفس اللون، ترك سيارته و ذهب للمقابر مترجلاً على قدميه، الشمس أخبرته بأشعتها المائلة للبرتقالية أنها قاربت على الرحيل، ما إن وصل المقابر رفع سبابته اليمنى و ردد بصوت منخفض لكنه مسموع

" السلام عليكم دار قومً مؤمنون أنتم السابقون و نحن إن شاء الله بِكم لاحقون "
هذا الدعاء علمته إياه غزال عندما علمت بموت صديقه.
همس عمار لنفسه و عيناه تصرخ بدمع كما يصرخ عقله و قلبه لفقدان أخوه وليس فقط صديقه، جثى على ركبتيه أمام قبر حسن و أخذ يدعو الله له و فى لحظة شعر بأنه يرغب فى الدعاء لنفسه أيضاً فقال باكياً

" سبحان من سوانى و أودعنى أمانته، سبحان من رزقنى الحياة، أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمد رسول الله، أشهد أنك أنت الخالق، أشهد أنك الرحمن الرحيم، أشهد أنك الرزاق الكريم، أخطأت فعدت إليك فأرحمنى يا عزيز يا جبار، بيدك الخير يا مالك الملك فأهدنى لما تحب و ترضى "

دعائه كان مزيجاً من أدعية سمعها من قبل و لم يحفظ إلا أجزاء منها، دعا لحسن كثيراً، دعا لنفسه أيضاً لكن كان يدور بعقله سؤال
هل سيستجيب الله دعاء شخص كان كافراً لشخص مات كافراً ؟!، قفزت لعقله تلك الرسالة التي تركها له حسن مع ذلك الرجل الغريب...

براءةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن