تخشي الموت لذاته أم للفراق؟!
-------------------------" اليوم أنا هنا لأجلك، لعلني لن أراك، أو لعلني مت قبل أن تذكرني، هذا لك يا بُني، سأتركه لك لتعلم مني مَنْ أنا؟!.
اطمئن قلبي لعلمي أنك صبي، أظنك لن تعاني ما عانيته ليس لأنني فتاة في مجتمع ذكوري كما قد تظن، بل لأنني فتاة بلا أم وأبي لا يعرف الكثير عن معامله وتربية الفتيات، رجل تربى وحيداً وعاش وحيداً لفترات طويلة كيف سيعلم ما أحتاج كفتاة من حنان مضاعف و كيف يمكن إحتواء غضبي، وحتي الطعام تعلمته وحدي بصعوبة لم أجد من يساعدني في صنع طعامي بعد رحيلي عن عائلتي..
أظن أنني اقفز للمواقف البعيدة قبل أن أخبرك عما أوصلني لهذا الموقف.
ولا تأخذ هذا الكلام علي محمل الظن السىء، هذا لا يسىء لأبي ولا يوحى لك بإهماله لي، كان دوماً خير أنيس و رفيق، كان صديقي و أمني و أماني. كان رجلاً كما يصف الكتاب. يكفي حديث لا يهم، الآن سأحدثك عني قليلاً سأعرفك بي و كأنني غريبة عنك. و أخشي ذلك و بشدة لكنه قضاء الله.
أنا براءة عمار... "
أغلقت دفتر مذكراتها سريعاً و أعادته خلف رف ملابسها لكي تخفيه عن الجميع بما فيهم مُريد، الذي نداها بصوت قوى
"براءة تعالي إلي هنا، في الحال "خرجت من الغرفة لتقابله يقف قرب باب المنزل، يضغط بأطراف أصابعه علي جبهته مغمضًا عينيه ويضغط فكيه ببعضهم في غضب. خرجت لتواجه بركان يقذف حممه كما لم يفعل من قبل. وجهه عابس و الضيق يأكل من عمره شيئاً فشيء. ربما يتألم!!
اقتربت منه، تمسح بيدها علي كتفه. تسأله وفي نبرتها شيء من القلق.
"حبيبي!! لم يحن موعد عودتك من العمل بعد، هل أنت بخير؟! هل تتألم؟! "
شعر بلمستها فنظر لها واستمر صمته للحظات قبل أن يجيبها بسؤال.
"هل تهتمين حقاً إن كنت أتألم أم لا؟!"
قطبت جبينها من دهشة سؤاله. إنها لا تهتم بشيء بقدر إهتمامها به. خشيت أن يكون على علم بشيء عن أمر حملها. هل يا ترى أخبرته حوراء!!-----------------------
في اليوم السابق..
سمعت صوت امرأة تشتاق لعمار، كان صوت حوراء لكن براءة فضلت أن تتأكد بنفسها فالتفتت لها و رأت الدموع تُبحر علي وجهها كسفن تركت بلادها مهاجرة.
"كان هو من أحببت، لكنه كان حباً لا أستطيع البوح به"
قالت حوراء ذلك بينما تجلس بجانب براءة علي التراب أمام قبر عمار.
"كنتِ محقة، لقد أحببته لكن قلبه لم يختارني، آثرت الصمت، حاولت تقبل بعض الرجال من المتقدمين لي لكنني لم أستطع التخلص منه ففضلت البقاء وحيدة على أن تزوج برجل و قلبي يكن لغيره الحب. كان مختلفاً رغم بساطته ربما غموضه ما سحرني في بادئ الأمر، اختلف ذلك بعد أن أصبحت مقربة منه وأعلم كل أسراره أصبح الإنجذاب له غير مبرر لكنه ازداد. فأيقنت أنني وقعت في فخ لا مهرب منه.. وأنا أعلم أنه ليس لي."
مسحت براءة دموعها وأدلت بدلوها
"رباب رأت في عينيك الحب المسجون، كتبت لي في مذكراتها"
ابتسمت حوراء بحنين لتلك المرأة التى لم تعرفها طويلاً
"رحمها الله، أحببت تلك المرأة، كانت متقدة الذكاء،لماحة بالتأكيد انتبهت لشىء كهذا..، فالعاشق يعرف منافسيه بمجرد النظر"
ابتسمت بمرارة
"كلتانا كانت تعلم أنه ليس لها، لهذا آثرنا الصمت ورضينا بالحقائق، لم ولن يعشق سواها.. كانت غزال هي الفائزة بقلبه"
طال الصمت بينهما، فلم تعرف كلتاهما ما تقول. لكن خرج صوت حور باتراً رأس هذا الثقيل لتقول
"كنتِ أمانتي منذ ولادتك، ومازلتِ كذلك، أخبريني ما يؤرقك"
"أخبرني الطبيب أنني مريضة ضغط حديثاً وذلك بجانب الانيميا قد يؤثر علي عملية الولادة سلباً"
ألقت كل همومها في تنهيدة طويلة سحبت جُل ألمها ثم تبعتها بكلمات
"هذا كل ما في الأمر، أمر بسيط لكننى خائفة من رد فعل مُريد إن علم ذلك، لا أرغب بإخباره بالأمر.. كما أنني أخشى لقاء مصير أمي ذاته."تقطر من عينيها الدموع تاركه غصة في حلقها تأثر به حديثها، لكنها أسرعت في كبت دموعها ومسحها عن وجنتها بينما تقول
" أخشي أن يجبرني علي إجهاضه، بالتأكيد سيربط ذلك بوفاة أمي عند ولادتي. سأرفض بشكل قاطع الإجهاض وستقوم معركة لن ينتصر فيها وستتدهور علاقتنا أكثر"حولت براءة نظرها لحوراء -تلك المرأة بارعة الجمال رغم أن جور الزمن عليها، وتسائلت في نفسها حقاً لا علاقة للجمال بالحب!! كيف لم يقع عمار بحب امرأة مثلها؟!
نفضت أفكارها وأكملت كلماتها.
" لن أكذب أو أخدع نفسي، انتفض جسدي خوفاً من تلك الفكرة، عندما راودتني ذكرى أمي، و أخر ما كتبته لي، أخبرتني أن الأم توهب الحياة لصغارها -بإذن الله- وهي مستعدة تماماً للموت في سبيل ذلك دونما حاجة إلى المن على أطفالها بتلك التضحية"أبعدت نظرها عن حوراء حينما عادت الغصة مجدداً وكادت تفلت دموعها منمرة كسيول الشتاء.
لكن أضافت بعد فترة صمت قصيرة بصوت مكتوم.
"لن أحزن بتقديم روحي فداءً لروح جديدة تخرج للحياة مني، لكن رغبتي بالبقاء معه تفوق رغبتي بالتضحية."لم تجد حوراء ما قد تخبرها به يزيح عنها الخوف. تذكرت أخر لقاء لها برباب أخبرتها بكلمات مشابهه عن الموت والتضحية، أرتجف قلب حوراء لها، وتكرر الأمر الآن، ذات الرجفة تتملكها خوفاً على براءة من تكرار التاريخ لنفسه.
قالت حوراء بينما تقف وتتجهز للرحيل.
"أظنك فيلسوفة مجنونة مثلها تماماً، الموت ليس بهين"وقفت براءة لتتبعها قائلةً
"لو كتب الله لي الموت الآن لن يُؤخر أجلي أحد وهذا ينطبق على يوم الولادة. أعلم ذلك "
سبقت حوراء براءة بخطوتين لتجد من يمسك بمعصمها ويرجوها
"عديني أنك لن تخبري أحد بسري الصغير، أرجو أن تستمري في حفظ أسراري..كما أنتِ علي الدوام!!"نظرت حوراء لبراءة بثبات وهدوء عكس ذلك التخبط والخوف الذي يأكل قلبها.. أخبرتها صريحةً
"لا يجب أن يكون سراً، يجب أن يعلم الجميع"
كانت المره الأولى التي ترى بها حوراء بذلك العنف والعناد في حديثها. دائماً هي عنيدة لكنها ليست بذات الحدة والعنف. كانت تتحدث كقطة سيسرقون منها وليدها ليبيعوه.
"ليس هناك قوة على الأرض تستطيع إجباري على التخلص من ابنى. ماذا لو بقيت على قيد الحياة بعد الولادة؟! ماذا لو علم الجميع إحتمالية موتي أو موت الطفل عن الولادة؟! سأخبرك ماذا سيحدث، سيصبح الجميع يعيش في وهم الموت عند الولادة وتصبح حياتنا سوداء تزداد ظلاماً كلما اقترب ذلك اليوم، سننام ونستيقظ على كوابيس الموت المحتمل. ولن أرضخ لذلك. لن أترك الخوف يأكل قلوبنا جميعاً كل ليلة."هدأت براءة نفسها، التقطت أنفاسها. وحاولت إقناع حوراء بطريقة علمية منطقية أكثر من هذا العناد والجنون الذي استخدمته في حديثها الفائت.
"ثم أن الحمل والولادة مرحلة محفوفة بالمخاطر ليست بتلك البساطة التي اعتدناها لتكرارها الدائم.."تركت براءة معصم حوراء، ألقت الكرة في ملعبها لتقرر التسديد من عدمه ورحلت.
"عامة القرار لك الآن لكن تذكري أنه سر وسأعترف أنك أفشيتِ سري ولن أثق بك مره آخرى."تحدثت حوراء بينما براءة تسبقها بخطوات كثيرة، قالت بنبرة متهكمة بصوت عالي ليصلها.
" تقصدين: أنك لن تثقي بي إن بقيتي على قيد الحياة!!"
تملك قلب براءة رجفة قوية وانقباض، عندما سمعت أنها على حافة الموت من صوت غير صوتها الذي يدفعها للإصغاء للتضحية فداءً لوليدها.-------------
أنت تقرأ
براءة
Spiritualسأسميها براءة.. ________ لم يرها يوماً جميلة فقط كما يصفها الجميع، وحده كان يري ملامحها تستحق المراقبة حتي تُحفر في المخيلة بأدق تفاصيلها الرقيقة، ملامحها كانت لوحته المفضلة التي يرغب في البقاء طويلاً في محاولة لفك طلاسمها بسيطة التعقيد. _________ ...