20- أشواك الحرية

1.5K 113 17
                                    

"I have a Dream..."
مارتن لوثر كينج


" أتعلمين... أمقت المسلمين بدرجة كبيرة، لا أعلم سبب كرهي لكن أكره غطاء رأس النساء المسلمات، أكره طريقة صلاتكم الخاضعة، أمقت بشدة صوت الآذان و أيضاً أكرهكم لأجل كرهكم، فأنتم إرهابيون مقززون تعشقون الدماء و تكرهون كل من لا يتبع دينكم و تتظاهرون بالإنسانية و حب السلام... "

كان يتحدث بينما يراقب قطرات المطر وهي تجري علي زجاج الغرفة و كأنها كلاً منهما تسابق صديقاتها، إلتفت ليقترب من تلك الفتاة معقودة الوثاق، وجهها تناثرت عليه الجروح، أنفها ينزف، شعرها أشعث يتخلله التراب، عينها تجمدت بها الدموع من كثرة البكاء، لم يبقي لها طاقة سوى للتأوه من الألم، جلس أمامها القرفصاء يتفحص جروحها و دموعها التي تركت أثراً علي خديها قبل أن تفارقها

" أخبرني صديقي يوماً أن ذلك يطلقون عليه اسم "إسلاموفوبيا"
مريض بكره المسلمين و عاشق لتعذيبهم، حاولت كثيراً التوقف عن إيذائكم لكنكم ملفتون للأنظار بتصرفاتكم المريبة "

توقف عن الكلام ليعتدل في جلسته، جلس علي ركبتيه و استقام ظهره ليقرب وجهه من وجهها، شعرت المسكينة بحرارة أنفاسه علي وجهها و رقبتها، شعرت بعينيه تتفحصها عن كثب، تحدث ببطء كأنه مخمور بعد أن أسند جبينه علي رقبتها ليقشعر جسدها و تجاهد لتشيح بوجهها عنه لكن وثاقها و ألمها منعها عن تنفيذ رغبتها..

" لم أخبرك من قبل أنك جميلة حد الجنون، تخفين هذا الجمال من أجل إرضاء إله مجهول لم نراه أو نسمع صوته، أنتِ تشبهين قطعة المارشميلو ناعمة و رقيقة بشكل مبدع لم أري لكِ شبيه، عشقت ضحكتك، عينيك اللامعة و شفتيك المرسومة من قبل فنان عبقري، أحببتك لكن ما إن علمت بأنك من أتباع ذاك الجاهل محمد في نفس اللحظة تحول عشقي لكره لا يوصف.. "
خرجت جملته الأخيرة من بين أسنانه و اشتدت يديه التي قبضت علي خصلات شعرها بقوة لتخرج منها صرخة عالية تداعي لها جسدها بالإرتجاف خوفاً

لم يتردد بعقلها في تلك اللحظة سوي جملة مارتن لوثر كينج عندما ألقي خطبته الشهيرة في الولايات المتحدة للتصدي للعنصرية المنتشرة في ذلك العصر، تحرك لسانها دون وعي لتقول
" أنا لدي حلم... أنا املك حلم.... أنا أحلم...."
لا تعرف لماذا من بين كل الجمل في عقلها رددت تلك الجملة؟ لماذا لم يقفز إلي عقلها آيات من القرآن لتربض علي قلبها و تشعرها بالسكينة؟! ربما لأنها شعرت بالعنصرية أم لأنها ترغب بتحقيق حلمها بالفعل، لربما لأن جنون البشر لرفض التنوع و الإختلاف مازال قائماً كأنه يجري بعروقهم مجري الدم، كأنهم يرثونه من أبائهم، أم لأن دماء قابيل تجرى بدماءنا..

لم يرحل كما كانت تظنه يفعل عندما أحست بحركته يفتح الباب، فقد عاد و يحمل بين يديه قطته ذات الفراء الأبيض ليمسح علي فرائها، تقدم لتلك التي لم تعد تحتمل كل ذلك و أخذ كرسيه ليضعه أمامها و يجلس براحة ثم ينطق بما جعلها تنتبه لحديثه
" أميرتي صاحبة الفراء الأبيض كانت أول طعم لجذب انتباهك لي، وضعتها أمام منزلك و ابتعدت قليلا حتي تأكدت انها معك فبدأت بتنفيذ الخطة من جانبي عندما أخذت انادي علي قطتي لتخرجي معها و بدأت الحكاية و أظنك تعرفي البقية ايتها الصغيرة، وقعتِ لي يا براءتي البراقة "
همست لنفسها مره أخرى لكن لتوبخها
" غبية أحببت مجنون، خدعك بكونه جود و في النهاية أنت الخاسرة، ستموتين هنا لساذجتك يا غبية.. "
ظهر همسها له تمتمات مطلسمة لم يستطع فك شفرتها، أما عنها فرغم الألم كانت غاضبة، غاضبة لأنها غبية، غاصبة لأنه كاذب خدعها، غاضبة لتوفر العنصرية ببلد يدعي الديمقراطية و يتهم الشرق بعنصريته و رجعيته الملفقة، وصموا الشرق بالإرهاب و هم صانعوه..

-----------------------

" لا، لن أنتظر أكثر، مر الكثير من الوقت و لم تعد، كان يجب أن تكون بيننا الآن "
قالها مريد بعناده و قسمات وجهه تشي بالقلق عليها، حب المحب بدا علي وجهه و كأن طفله ضائع، و كأن روحه هامت في الوجود، عزم علي العودة إلى إنجلترا ليعلم سبب تأخرها في العودة، يشتاق ليخبرها بما يجول بخاطره و قبلها سيخبرها بحقيقة وجوده بالقرب منها و علاقته بها، كان ينتظر ليخبرها الكثير و هي تأخرت..

لم تحاول حوراء منعه من فعل ذلك، فقد كانت تشعر بذات القلق الذي يدفعه للعودة، بداخلها كانت تدعو بكل صدق بألا يصيب تلك الفتاة مكروهاً، الجميع يشعر بمسئوليته تجاهها دون قصد، الجميع يرغب بأن تكون بخير دائماً، و قول الجميع يعني بما فيهم غزال، التي خافت بأن يصيب براءة سوء، أخفت عن عمار أمر عودة ابنته كمفاجأة له، لعل عودتها تبدل حالة الصامتة و تبث فيه الحياة من جديد، منذ رحيل براءة بهتت حياة عمار تلك الضحكة تركته غاضبة عازمة عدم العودة فكيف لباله أن يهدئ!! و كيف لنفسه أن تستكين؟!

مازال الجميع قلق حيال أمرها، لم يستطع أحد التواصل معها فهاتفها خارج نطاق التغطية و كأن الأرض ابتلعته، مواقع تواصلها غير نشطة مذ أيام، في أول الأمر قالتا حوراء و غزال لربما ترغب في الجلوس بعيداً عن أي تشويش لتفكر بهدوء في خطوة عودتها لكن مرت الأيام و زاد الأمر عن الحد، إذا ليعود مريد و يطمئن و يطمئنهن..

-------------------

" كم مر من الوقت و هي غائبة عن المنزل؟!"
كان سؤالاً غاضباً خائفاً مضطرب الفكر و الوجدان، أين يمكن أن تكون؟، هذا فقط ما جال بعقله بعد أن أخبرته سمر بأمر خروج براءة المفاجئ بعد تلقيها اتصالاً و لم تعد..

أجابته سمر
" أسبوع أو يزيد..، بحثت عنها كثيراً و حاولت الاتصال بها و لم تجبني، أنا حقاً قلقة عليها، و حمداً لله أنك أتيت لتساعدني في العثور عليها "
توقفت عن الحديث قليلاً ثم استدركته قائلة
" لكن براءة لم تخبرني بأن لها أبناء عم!! "

لم يكن عقل مريد معها، كان مشتتاً، تائهاً و حزيناً، يدعو قلبه المتسارع نبضه أن يحفظها الله أينما كانت، تجاهل سؤال سمر، و سألها بسرعة بينما يأخذ خطواته للرحيل
" أظن أنك لم تبلغي الشرطة في أفضل الأحوال، سأذهب لمركز الشرطة و أقيم بلاغاً بأن براءة مفقودة منذ أسبوع ثم أعود لكِ لنذهب للبحث عنها في أماكن يمكن أن نجدها بها، تجهزي إذا سمحتي "

رحل و ترك قلبه بمنزلها إلى أن يجدها، هذه المره الأولى التي يعتريه تأنيب الضمير لأنه قصر في حمايتها، خالجه شعور مفاجئ من الخوف عليها، شعر بأن مكروهاً أصابها، أخذ يلعن تحت أنفاسه غباءه الذي دفعه للعودة إلى مصر قبلها، وصل إلي مركز الشرطة و قدم بلاغه بتغيبها عن المنزل منذ أسبوع و وعده الضابط ببذل كل الجهد في تقصي الأمر، خرج من قسم الشرطة ليضرب وجهه السقيع و يشعر بنسمات الهواء البارد، همس لنفسه
" أين يمكنني إيجادك يا براءة، أين ذهبتِ يا فتاة!!"

نسمات الهواء البارد وصلتها، تلك النسمات القذرة تحرشت بجسدها الشبه عاري، سوى من فستانها الأسود الطويل، كان خفيفاً و أجزاء منه ممزقة بسبب ما تتعرض له من تعذيب، دموعها تجري علي وجنتيها كشلالان لا ينبضان من الماء، همست لنفسها
"هل ستكون نهايتي هنا؟! علي يد ذاك الحقير بتلك البساطة و لن يعرف إليّ أحد طريق جرة!! يا الله ليس لي أحد سواك "

--------------

براءةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن