2- غزال

12.1K 414 99
                                        

"النقاب ليس حرية شخصية والحجاب خطر على المجتمع"

---

غريب هو تصريح فريدة الشوباشي، الذي أعلنت فيه أن النقاب ليس حرية شخصية، ولم يقتصر تصريحها على ذلك فقط!! بل دعت لحملة لخلع الحجاب، مدّعية أن الحجاب خطر على المجتمع. لم تكن تلك دعوتها الأولى، فهي لها صولات وجولات في إطار نبذ الحجاب وفرض معتقداتها على مجتمع واسع.

أغلق الجريدة وطواها، لكنه أبقاها بين يديه، جلس مفكرًا: من على حق؟ فريدة الشوباشي ومن يتبعها أم فتيات الجامعة؟ استرجع حواره معهن عندما سأل مجموعة من الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب بطريقة شرعية ومتحفظة، كما يجب أو كما يرون هن أنه يجب.

---

أوقفت صديقتها المنفعلة:

"غزال، انتظري!"
"سأجيبك."

أكملت موجهة كلماتها له:

"صوت المرأة عورة حين ترققه وتتحدث بغنج لتظهر رقتها وأنوثتها، أو لتميل قلب رجل فتغويه، وهنا يصبح صوت المرأة إثمًا وخطأ فادحًا ويجب عليها غضّه. غير ذلك، فصوت المرأة ليس عيبًا بها."

نظر لها متسائلًا، وبادر بصوت مشوش:

"أوليست المرأة رقيقة؟ عليها التحدث برقة، ألم يخلقها الله لتكون الجنس الناعم ومصدر الحنان والرقة؟!"

أجابته بسؤال، ونبرتها بها هدوء لا يزال في صوتها منذ أن بدأت النقاش:

"أوليس الله أمر الرجال بغض البصر وأمر النساء بالاحتشام والحياء؟"

سألها بسرعة:

"الاحتشام أم الحجاب؟"

ابتسمت بتهكم، فخرج صوت تهكمها من وراء حجاب -النقاب-. ردت بنفس هدوئها الذي اعتاده:

"إن احتشمت، ارتدت الحجاب. إن احتشمت، غطت تاجها وصانته لمن تريد وترضى. إن احتشمت، وجدت في نفسها ما يجعلها تخفي شعرها عن الرجال. المرأة فتنة للرجال في الأرض، كما قال تعالى: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ..."، إن استقام قولها وفعلها، ستخفي جمالها لترضى خالقها، ليس غيره. لم نُخلق لإرضاء الخلق، خُلقنا لإرضاء الخالق."

سأل مرة أخرى بنفس نبرته المتسائلة المشوشة، الباحثة عما يرضي نفسه ويكفي عقله:

"اقتنعت بما قلته، لكن المرأة زينة. زيَّن الله بها الدنيا لتجملها، وخلقها من ضلع آدم لتؤنس وحدته، لماذا تخفي نفسها عن آدم وهي خُلقت منه؟!"

رددت الاستعاذة بالله، وتلتها البسملة، ثم قرأت عليه من كتاب الله:

"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"

كان يعي ما أرادت قوله، لكنه سأل بشيء من الحدة، لأول مرة تتملكه:

"لم تذكر آية مباشرة في القرآن أمر الله فيها المسلمات بارتداء الحجاب."

قرأت عليه من القرآن ما حفظته من سورة الأحزاب، الآية رقم 59 لترد:

"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"

بادرت تلك الفتاة "غزال"، التي صبت جم غضبها على رأسه حين سأل في بادئ الأمر، وقالت بصوت هادئ ومريح:

"وقال تعالى في سورة النور: "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ..." وباقي الآية الكريمة تحدثنا عن المحارم ومن يمكن أن نظهر زينتنا أمامهم."

---

لم يكمل حواره معهن، لم يصل إلى إجابة شافية كافية. أخبرته تلك الفتاة، صاحبة العيون الغزالية والبشرة الخمرية، وحجاب يغطي جزءها العلوي، أو كما يسمونه "خمار"، بأنهن سيؤجلن الحديث لوقت لاحق. ظن في وهلة أولى لسماعه هذا الكلام أنهن يتهربن من المواجهة، لكن حطمت تلك الفتاة آماله، وأخبرته أنها ستقابله غدًا في هذا المكان -في مقهى الجامعة- مع صديقتها، لكن الآن ستذهب لمحاضراتها.

---

عاد لجلسته في الغرفة، وعاد له عقله. وضع الجريدة على المنضدة، عادت عيناها لمخيلته، كيف تكون عيناها بهذا الجمال ولم تزينها حتى بقلم أسود لتحددها وتظهر جمالها؟! هل كما يقولون أخفت جمالها لمن تريد وترضى؟! جميلة تلك الفتاة رغم وجهها الخالي من أي زينة، راح عقله يتخيلها بوجهها بمستحضرات التجميل الخفيفة وشعرها مرفوعًا على شكل ذيل الحصان، كانت جميلة... جميلة إلى أبعد الحدود. عاد له عقله واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، الذي زينها له في عقله ليغويه ويقع فريسة في طرق الشيطان، مهما كانت الأفعال السيئة صغيرة، فقد تصل بك عند الاستهانة بها إلى الوقوع في الكبائر.

ارتدى بنطالًا أسود، وفوقه قميصًا أبيض بأكمام رفعها لتصل إلى مرفقه، مع حذاء رياضي أسود، استعد ليخرج ويقابلها ويكمل نقاشه معها، يقصد معهن. أربع فتيات، لكن واحدة فقط جذبت عقله وأوقعت قلبه في بئر ليس له آخر، بئر الأمنيات... حيث تتمنى ما يريد قلبك وعقلك، فإن كان قدرك رفيقهما تحقق ما تريد، وهذا خير، أما إن كان قدرك يمشي بمحاذاة قلبك وعقلك موازيًا له، فهذا خير لك أيضًا، فلا شيء سيئ يحدث لنا إلا ووراءه خير كبير يرسله الله لنا.

"عمار، إلى أين... يا ولدي؟!"

كان صوت امرأة عجوز، خرج صوتها متهدجًا كأنها كانت تبكي.

"عمتي... ماذا حدث؟! أكنت تبكين؟!"

اقترب منها وهي على بعد خطوات منه، لاحظ خط الماء الذي ترك أثرًا على خدها الأيسر. بالطبع كانت تبكي، هذا ما استنتجه ببديهية، وضع يده على خدها ومسح تلك الدمعة التي سقطت من عينها أمامه الآن.

سألها مجددًا:
"ماذا حدث... عمتي؟!"

أجابته ودموعها تفر من محبسها فتنحدر على خديها. كان صوتها مكسورًا، متقطعًا، حزينًا وبائسًا، كان يحمل كثيرًا من المعاني الحزينة. قالت وهي غير مصدقة لما تخبره به:

"مات حسن!!"

براءةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن