لا تقتل البعوض و إنما جفف المستنقعات
- علي عزت بيجوفتش-------------
البعوض يوجد بالقرب من المستنقعات فإن وجدت الكثير منهم حولك فابتعد لأنهم لن يتركوك إلا امتصوا دمائك و قتلوك... اهرب
ليست بعيدة هي الجامعة عن سكن براءة لكن في أفضل الظروف و أسوءها تفضل ركوب الحافلة حتي لا تجبر نفسها علي رؤية نظرات الاحتقار و الخوف كل يوم في عيون الآخرين، جلست في مقعدها المعتاد في حافلة العم جورج وهو رجل عجوز قمحي البشرة، بعيون بنية و شعر أسود، تعرفت عليه براءة لأنها منذ عام وهي تركب الحافلة التي يقودها كل يوم لتمر بالقرب من الجامعة، ما أدهشها انه من أصل لبناني يتحدث كلمات قليلة بالعربية كعبارة " صباح الخير يا ابنتي الجميلة " التي يقولها كل يوم لبراءة لتضحك علي لكنتة العربية الركيكة و ترد له سلامه قائلةً " صباح النور يا عمي الوسيم "
مقعدها كان يقع في الصف الثالث بجوار النافذة، عاشقة للجلوس بجوار النافذة لكن لم تعشق أبداً الجو الباهت أغلب فصول السنة فشعرت بافتقادها للشمس الشرقية الحارة، لم تعشق الثلوج كما كانت تظن فهي تشعرها بالوحدة و هذا ما تحاول إبعاده عن عقلها و آخر ما تحاول التفكير به، تكره أيضاً العشاق في كل مكان حينما يتمادون في إظهار عشقهم أمام الجميع و تظن براءة أن ذلك جارح لمشاعرها و خادش لحيائها، أشتاقت لعائلتها و أصدقائها و حوراء و الببغاء صديقها الثرثار، و أيضاً شقيقيها التوأمان!
اشتاقت للهواء المختلط بالأتربة، اشتاقت لزحام السيارات و أصوات الرجال و النساء بالشارع، اشتاقت للكثير من الجميل المزعجقفز إلي عقلها آخر مكالمة هاتفية بينها و بين والدها...شردت بها و بتفاصيلها
" السلام عليكم يا ابنتي "
كان صوت والدها الحزين يخترق أذنها كأنه كلمات لوم و عتاب، أجابته بهدوء حاولت أن تصتنعه برغم نبرة الاشتياق التي تخللته
" و عليكم السلام، كيف حالك؟! اشتقت لـ أدهم و أدم هل مازال صغيرين شقيان؟ "لاحظ والدها -عمار- تجاهلها لذكر صلة القرابة بينهما و كأنها تستنكر ذلك فكأن سهماً اخترق قلبه فسقطت دمعة من عينه ليست فقط لتجاهلها لمناداته بأبي لكن زاد علي ذلك تذكره لتخليه عنها، لم يكن بيديه فعل شئ لكن صوته المشتاق ظهر جليلاً مع نغمة الحزن التي اعترته فجأة
" كلاهما بخير، يشتاقان إليك... متي إجازتك يا ابنتي؟"
ردت عليه ببرود التزم صوتها بعد سؤاله الذي استفزها
" بعد خمسة أعوام ان لم أجد عملاً هنا"البعض قد يغضب حتي و إن كان مخطئاً، هذا ينطبق علي رد فعل عمار العائد علي ابنته المسكينة، سمعت صراخ لم تفهم منه الكثير لكن ما شد مسامعها بالتحديد هو " كانت صادقة عندما نعتتك بالسارقة " كانت هذه الجملة كفيلة بجعلها تترك الهاتف ليسقط أرضاً فيصبح مجرد أجزاء للهاتف كلاً علي حد، البكاء لم يفارقها من يومها، فقد سول لها عقلها أن والدها هو أخر شخص قد يخبرها بهذه الصفة الشنيعة....
أنت تقرأ
براءة
Espiritualسأسميها براءة.. ________ لم يرها يوماً جميلة فقط كما يصفها الجميع، وحده كان يري ملامحها تستحق المراقبة حتي تُحفر في المخيلة بأدق تفاصيلها الرقيقة، ملامحها كانت لوحته المفضلة التي يرغب في البقاء طويلاً في محاولة لفك طلاسمها بسيطة التعقيد. _________ ...