3- الروح

7.4K 385 67
                                    

كأن كلماتى أصبحت حبراً تسيل لترسم دموع ناذفة من قلبي لألم روحي

---------

"مات حسن!! "

كانت تلك الجملة كفيلة بإيقاف دقات قلبه لكن رحمة ربك وسعت كل شئ، تقدم بخطوات كأنها علي حبل البهلوان يخشي السقوط و يأمل الإستيقاظ من هذا الكابوس المزعج، رفيق دربه رحل!!، لم يحزنه رحيله بقدر حزنه علي حاله، مات كافراً... الفكرة وحدها مؤلمة، توجع القلب دون رحمة، لم يرجع لرشده قبل أن ترحل أمانة الله التي حملها للإنسان 'الروح'

حسن صديقه منذ فترة ليست ببعيدة لكن علاقتهما توحى بقربهما من بعض و كأنهما تربيا فى نفس المنزل، مات قبل أن يعود لدينه، خرج من منزل والده، بعد أن علم والده بإلحاده فطرده شر طرده لكن ما لم يكن بالحسبان هو الجلطة الدماغية التى هاجمت والده بسببه، فكيف لأب مسلم سنى يستيقظ فيجد ولده الوحيد قد ترك دينه، ليس فقط ترك دينه و أمن بدين سماوى أخر لكنه لا يؤمن بوجود إله، لا يؤمن بأن لهذا الكون تدبير إلهى معقد يصعب على العقل البشرى فهمه، لا يؤمن بأن هناك بعث، لا يؤمن بوجود الدار الأخره، لا يؤمن بالثواب و العقاب، لا يؤمن بالقدر، لا يؤمن بسر عظيم بث فينا الحياة - الروح - ، لا يؤمن بالكثير و الكثير من المعتقدات المسلم بها فى كثير من الأديان.

أ

ما عمار فقد إنتقل لمنزل والد حسن ليرعي والدته التي منعت حسن من العودة للمنزل بعد والده إلا إن عاد إلي رشده، لكن كتب الله عليهما اللقاء ليعود عمار إلي دينه بسبب حسن و يبقي حسن علي إلحاده، يا الله كم الحياة صعبة، متقلبة، مؤلمة

" اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك "
همس بها أحد الرجال بجانب عمار لا يعرفه، نظر له عمار هنيهه من الوقت ثم عاد للنظر أمامه، عاد صوت الرجل مجدداً للحديث
" أعلم أن حسن كان ملحداً.... "
قاطعه عمار بسرعة محاولاً الحفاظ علي إنفعالاته و صوته ليبقيه منخفضاً
" و هل يجوز الصلاة علي ملحد "
ابتسم الغريب بنصف فمه ثم إلتقت عيناه الساخرة بعيني عمار المتسائلة و تنتظر الإجابة بشوق، بادر ببرود بنبرة تحمل الإستخفاف و ليس التساؤل
" كنت مثله إذاً "
قال عمار ببطء من بين أسنانه
" ما شأنك أنت، لكن سأجيب خبر بإختصار و أعلم أن ما قلته لم يكن سؤالاً، لم أكن ملحداً بالمعني الحرفي "
إنتظر عمار إجابة الغريب، كاد عمار يتكلم لكن إستوقفه صوت الرجل يقول
" لا يجوز الصلاة علي ملحد فهو خرج عن الملا، و لك عندي أمانة.. "
نطق عمار بهمس و حاجباه معقودان
" أمانة؟!! "
أخرج الرجل من جيب بنطاله ظرف خفيف، تنبئ عمار بأنها رسالة، إلتقطها من بين يدي الرجل الذي رحل بمجرد أن أعطي عمار الرسالة.

----------------------------

" إنتظرناه بما يكفي غزال، هيا نعود إلي المنزل "
بادرت بها تلك التي يتسائل الجميع عنها، من تلك الجميلة؟؟، بشرة بيضاء ليست بياضاً جازعاً بل بشرة بيضاء مشربة بحمرة، عيناها كـحجر أسود براق سقط من القمر يضيئ بوهج ساحر، أنفها متوسط بطريقة متناسقة مع فمها الواسع الذي يحمل بين ضفتيه شفتان مكتنزتين و بينهما يجري نهر حليب علي هيئة أسنان، كانت جميلة بهدوء، مازالت حوراء رائعة لكن الآن قد رأي روعتها الجميع، فتيات و فتيان الكثير منهم مندهش و القليل يحقد، كلاهما يتسائل بتعجب
" هل تلك من قلنا عنها قبيحة؟!، هل تلك هي المعقدة؟!"

"أذهبي أنت، سأنتظره قليلا بعد "
قالتها غزال و هى تراقب ساعتها، إنتظرت قرابة الساعتين، لا تعلم ما الذى يمنعها من المغادرة، هل ترغب فى مواجهته و عرض أفكارها عليه، تريد مجادلته لتبرهن لنفسها أنها الأفضل و تستطيع فعل كل ما ترغب به دون مخالفة أوامر الله -عز و جل-، أم أن قلبها دق على حين غره.....

قاطع صوت حديثها لنفسها كلمات صوت رجولى
" أنسه غزال !! "
إلتفتت بسرعة أماله أن تراه لكن خاب أملها فقد رأت شاب أسمر البشرة، طويل القامة، ما يميزه لون عينيه البحرى و لحيته الخفيفة، أجابته بحركة بسيطة من رأسها مجيبة على سؤاله.
" أستاذ عمار يعتذر عن عدم حضوره فى الميعاد بسبب ظرف طارئ حدث له اليوم أعجزه عن الحضور "
أخبرها بما عنده و إنتظر قليلاً علها تسأله شيئا فلم يأتيه سؤال، التفت ليغادر لكن صوت فتاة أخرى أوقفه

" أنس، هل عدت ؟! "
إستقبلت أذنه صوتها بسعادة فتراقص قلبه و غمرت الفرحة قسمات وجهه، التفت و عيناه مشتاقة لرؤية صغيرته، التفت و بسمته على وجهه تكاد تصل لأذنيه، التفت فرأها فذهب الفرح عنه و إحتل مكانه الغضب و الإحباط، لم يرد نهرها فيمكن أن يكن عندها تفسير لما يراه، لم يستطع إخفاء غضبه فأجاب على سؤالها ببرود و إستخفاف
" سؤال ذكى، لكن فى الحقيقة مازلت هناك "

حذفت ما رأته من تعابير وجهه الأخيرة و صوته البارد، و ألقت بنفسها بين أحضانه صائحة بكلمة جعلته يحن لها و يتناسى ما رأه قليلا
" إشتقت إليك "

----------------------

"

البقاء لله "
" شكر الله سعيكم "

كلمات ترددت علي مسامع عمار، فعل كما يفعل الجميع يهز رأسه بأسي و يتمتم بما سمع، المره الأولي له التي يحضر بها جنازة إسلامية، المره الأولي التي يستمع فيها لكلمات التعازي العربية الإسلامية، لكن ما شغل باله تلك الرسالة التي تركها في المنزل، نزل إلي المنزلة الأخيرة للبشر في الدنيا

رأه عمار....
عاجز عن الكلام، عاجز عن تحريك جفنيه، عاجز عن الضحك، عاجز عن الحركة، عاجز عن التفكير، عاجز عن كل شئ وهبه الله له، أصبح صديقه جثة هامدة أمام عينيه، تجرد جسده من روحه فأصبح جيفه، لا حول له ولا قوة، الروح التى جعلته يحيا و يتحرك و يتعلم و يتفكر و يشعر ذهبت منه لخالقها و واهبها لبنى آدم، كفر بالروح فذهبت منه و لم تعد، سبحان من خلقنا، جعل لنا قلوباً تنبض و روحاً تشعر و عقلاً يحكم و مع ذلك سنبقى نجهل سر الحياة -الروح-

قال تعالى " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا "

--------------------

أدعموني بأرائكم القيمة
نبهوني إلي أخطائي لأحسن من كتاباتي
أحبكم في الله 😍💜

براءةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن