تم التعديل عليهوليس كل هاوٍ سلطان!!
صبرك ليس انتظارًا
وقوتك ليست عضلات مفتولةفربما صبرك هو الرضى الذي غفلت عنه في ليلة كبحت فيها انفعالاً!!
..........
في عرين البدو المظلم وليله الدجي
يأخذ أنفاسه بقوة وغير انتظام، يتصبب عرقًا من كامل جسده بداية من جبينه الأسمر –الذي اكتسبه من طقس البدو الحارق- حتى ذراعيه المكشوفين دون رادع من كنزته التي تلتصق بجسده، يقف متحفزًا ويديه تتسارعان في وتيرة معينة لضرب الثقل الذي أمامه بقوة وعينيه السمراوتين لا تحيدان عنه بل تضيق بترّقب شديد كأنها فرصة اقتناص وليس تمرينًا عادي!!
وفي الحقيقة لم يكن تمرينًا عاديًا لرجلٍ عادي...
بل كان استعدادًا لمواجهة محتومة طرف واحد فيها من يعرف بدايتها ويشحذ قوته من الآن، أما الآخر غافل عن عما ينتظره... لا يعرف أن أحد الحقوق مسيرها تُرد!
سمعَ صوتًا من خلفه لأزيز الباب وهو يُفتح ولم ينتبه أنه قد اُغلق أيضًا بسبب صوت الضربة التي وجهها للثقل فلم يلحظ من خلفه ويتربص له منذ أن أصبحَ هذا المكان مأواه!!
تحدثَ بصوتٍ عالٍ نسبيًا في حين لم يتوقف ولم ينظر خلفه
-تعالى يا فراس أنا بانتظارك...لكن بالله عليك لو أتيت لتكمل حديثًا في الموضوع الذي تحدثنا فيه ارحل!
-وما هو الموضوع التي تحدثتم بشأنه أيها السلطان؟
توقفَ بغتة عما كان يفعله عندما لم يصله صوت ابن عمه بل صوت أنثوي ناعم ذو بحة مميزة يخترق أذنه بنبرته الفضولية الساخرة دون شيءٍ من المرح، يعرف هذا الصوت جيدًا ومن يكون سوى الجريئة ذات العقال المُنفلت؟...التفتَ لها وملامحه لا تنذر بالخير ليقول بغضب تفاقم عندما رأها بدون غطاء وجهها بل تقف باستفزاز تطبق ذراعيها لصدرها وتقف بشموخ
-ما الذي تفعلينه هنا يا رابحة تعلمين أن الوقت متأخر جدًا لتخرجي من الدار وتأتي إلى هنا وأنا وحدي !! أم لأن والدك وجدك ليسوا هنا رغبتِ ببعض الحرية والجرأة
اختضَ جسدها على إثر ذكر أبيها وجدها في جملة واحدة، لتظهر إمارات الغضب على وجهها بينما هو يرمقها بنظرات مشمئزة
يا إلهي كم يبغض تصرفاته الجريئة والتي تُشين لعائلتهم في معظم الأحيان، لا يراها سوى أنثى جامحة لا تروُض بل تستحق الحبس حتى تخفف من جنونها الذي يطول الجميع
نحّت شعورها الداخلي جانبًا ثم أعطته ابتسامة ساخرة عادةً ما ترتسم على شفتيها وفي المقابل تلقت نظرة غاضبة ومحذرة في آنٍ واحد وتتوقع في أي وقت أن يأخذها من ذراعها للخارج
لكنه لن يفعل... فمن سيراهم الآن وهي خارجة من عنده وهو يجرّها بهذا الشكل سيفهم أنها أتت لتغويه!!
وهذا لم يكن سببها... على الأقل ليس السبب الأول!!
أجلت صوتها لتقول وهي تنظر في عينيه غير آبهةً بنظراته النافرة
-أنا هنا لسبب معين سيد سلطان وليس لأنني أردت الإتيان حقًا فطالما بن عمي مقاتل مشهور في القبيلة لم لا أتعلم على يده القتال... أفضل من الغريب أليس كذلك؟
رفعت حاجبها في جملتها الأخيرة ومع انفراجة شفتيها المتحدية، وذقنها ذو طابع الحسن مرفوع بإباء كل هذه الأشياء أعطتها مظهرًا جذابًا أنثويًا زيادة أكثر مما هي عليـه، وابتسامتها اتسعت وهي تراه يقترب منها يقطع المسافة القريبة الفاصلة بينهم ويتوقف أمامها مباشرة كابحًا غضبه وحتى لا يفعل شيئًا يندم عليه
-قتال!!من الذي ستقاتلينه إن شاء الله؟
هزت كتفيها بلا مبالاة
-لا أحد معين من يضايقني
كوّر قبضته ثم تقدمَ منها وهدر من بين أسنانه
-اتقي شري في تلك اللحظة يا رابحة واذهبي للمنزل حتى لا أتصرف معكِ بشكلٍ يليق بكِ فلا تعتقدي أن لا أحد سيقدر عليكِ سأؤدبك بطريقتي ولن يقول لي أحد كلمة!
كان يتحدث بعنفوان كعادته ويرفع سبابته أمام عينيها كتحذير صريح تولدَ من غضبه الداخلي، وهي التقمت كلامه داخلها بصدمة لم تؤثر على ملامحها إلا طفيفًا، لكنها تألمت... معه كامل الحق... من سيقف أمام وجهه؟... لا أحد
والدها لن ينطق بكلمة طالما والده يريد ذلك وليس وكأنه يهتم فهي في نظره جالبة للمشاكل
وجدها "كامل الهاشمي" سيؤيد بشدة ما سيفعله سلطان بها فهي في نظره جالبة العار بسبب قوة شخصيتها وعدم رضاها على ما يحدث... كانت دومًا ناقمة على حياتها معهم فقط لأنها فتاة تُعامل مثلها كالجواري
خرجَ صوتها هذه المرة متسائلاً لا يُستشف منه نبرة محددة
-هل تفكر عني هكذا أيضًا يا سلطان؟
-لم أرَ منكِ ما يدل على العكس
كانت تتوقع رده القاسي هذا، فلن يكون سلطان إلا وأجاب حروفًا من حجارة، كانت مغمضة عينيها العسليتين عندما جاءها صوته مكملاً
-ثمّ أننا لسنا في رأيي عنكِ الآن... هيّا لأخرجك بطريقة لا يراكِ بها أهل القبيلة وحذاري أن تأتي لهنا مرة أخرى لا هذا الوقت ولا غيره
انتفضت هي الأخرى بحدة تُلملم كرامتها التي يدوس عليها دون الشعور بداخلها أيضًا
-أعلم من بداية تفكيري في الآمر أنه خاطئًا لكن كنت أظنك إنسان وليس كالبقية يحكم على البشر دون أن يعرفهم... دقيقة، أنت سلطان الهاشمي بالتأكيد ستكون كباقي العائلة
أردفَ ساخرًا بقوله
-وهل أحد في القبيلة لا يعرف أفعالك؟ اتقي الله يا رابحة فأنا أكثر شخصٍ يعلم مشاكلك التي لا تنتهي
حوّلت بصرها عنه بينما هو أعطاها ظهره وتوجه لركنٍ في الغرفة ممتلئ بزجاجات مياه وعصائر، أمسكَ واحدة ثم تجرعَ منها وتابع مكملاً ببرود وهو يلتقط منشفة ويقوم بتجفيف جسده
-هل تتشاجرين مع نساء العائلة لأنهن مطيعات وأنتِ يعز عليكِ رؤية شخصٍ هادئ؟... حسنًا دعينا لا نتحدث في شجارات يومية... لم كدتِ تضربين خنساء البارحة؟ هل لأنها أجمل منكِ فأردتِ افتعال مشكلة حتى تبردين نارك؟
يتخابث في الكلمات وهي تدرك ذلك من طريقة حديثه الملتوية، ربما هو جاهل بها حقيقةً رغم أنها تشبهه في شخصيته إلا أنه لم يعرفها يومًا... كحال البقية
"ارثي نفسك يا رابحة فأنتِ وحدك كما لم يعرفك أحدٌ يومًا حتى لو كانوا حولك"
هزّها حديثه داخليًا وظهرَ ذلك باهتزاز حدقتيها العسليتين أمام سوداءه المترقبة الغامضة، ولكنها لن تجعله ينتصر... أبدًا
ففي لحظة واحدة كانت تقف في المنتصف لا تقربه ولا تبعده كما كانت وصرخت ليصدح صوتها دون أن تتحكم فيه
-لا دخلَ لك بموضوع خنساء يا سلطان... ثم إن كانت تعجبك هكذا تزوجها... اهتم بشؤونك ولا تقرب شجاراتي أيضًا ثم رد على طلبي هل ستعلمني القتال أم لا؟
استشعرَ حنقها من صوتها فقالَ مستفزًا إياها لكن بقسوة
-لا لن يحدث أبدًا... وأيضًا أنا لست مهتم بشجاراتك السخيفة تلك فقط أسمع عنها وأبتعد حتى أصطدم معكِ في شيء يحتم علي ضربك
الوغد!!
لم يخبرها هل سيتزوج تلك الخنساء أم لا!
حقير ذو عين فارغة ينظر للفتاة ويرى أنها جميلة، ثم يأتي إليها ويتبجح أيضًا ويسألها لما تشاجرت معها!
هل تخبره أن زوجة عمها "والدته" كانت تريد تزويجها له بما أنها ابنة أختها فهي أولى به منها!!
هل تخبره بالحديث الذي تناقل عن ألسنتهم ذلك اليوم بأنها عار على القبيلة وهي كالغبية كانت تظن أنها ستأتي وتخبره بالسبب الحقيقي لمجيئها وحينها سيسمح لها بالارتماء في حضنه ويربت على كتفها بينما تنتحب بدلال؟!... بالتأكيد هذا مستحيل فالجاحد الذي أمامها لا يعرف أن عيون فتيات عليه دون رادع... وأنهن يصطنعن الرُقي والنعومة إذا ما كان الأمر يخصه ولهذا لن يشعر بضيقها أبدًا
ولكن هي الوحيدة الظاهرة وكل أخطائها ولو كانت لا تُذكر تُعاقب عليها...
بللت شفتيها قائلة بصوت غلّبته نبرة الاتهام الممزوجة بالألم
-تذكر ما قلته لي لأنك ستندم... وبشدة يا... سلطان!
******
وفي غرفة رابحة
الحزن!!
كل ما يجيش بصدرها هو حزن ممزوج بالغضب ومُطعّم بالألم، ما لبثت أن عادت من عنده فارغة اليد ومُثقلة القلب... وهذا بعد أن وجدَ طريقة يخرجها بها حتى هي لا تتذكر كيف
كل ما تتذكره هو نبرة صوته الحادة، ونظرة عينيه الكارهة وطريقة تفكيره عنها
ذهبت له وهي تعرف رده جيدًا بشأن تعليمها القتال، هي فتاة وهو لن يقبل بهذا خاصة هي... ما أحبَ على قلبه سوى رفضه لطلبها الوحيد
خلعت عباءتها السوداء الفضفاضة وغطاء رأسها وألقتهم على الفراش دون اكتراث ثم جلست على كرسي المرآة وبدأت في تصفيف شعرها كحالتها عندما تفكر أو تحزن
التقطت فرشاتها الخشبية ومررتها في شعرها الأسود ذو التعرجات، بطوله الذي يصل لخصرها وكثافته التي تُعطيه قوة كشخصيتها القوية الثائرة ..
أنت تقرأ
ما الهوى إلا لسلطان
Romansaأودعت إليك حبًا مُزخرفًا بالورود كلما أوشكت أوراقه على الذبول سقيتها من فيض مشاعري بينما مننت عليّ بنظرة بئس القلب الذي أحبك